بيار مانيان
لطالما يتمّ الحديث عن التواجد الروسي في سوريا، ولكننا ننسى أن القوات الأمريكية هي الأخرى متواجدة في كلّ من سوريا والعراق؛ فقد قُتل في الثالث من مايو/أيار جندي أمريكي. وتجدر الإشارة إلى أنه يوم 25 نيسان/أبريل الماضي، أعلن باراك أوباما عن مزيد تعزيز التواجد الأمريكي في سوريا ليصبح بذلك العدد الجملي للجنود المتواجدين على الأراضي السورية أكثر من 5000 جندي وهو ما يتعارض مع موقف أوباما الرافض للتواجد العسكري في البلاد.
إنه لمن الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة تبيّن العدد الفعلي للجنود الأمريكيين الذين يتواجدون على الأرض ويشاركون في المعارك البرية ضدّ تنظيم الدولة في كلّ من سوريا والعراق، إلا أنه تمّ إثبات هذا التواجد بصفة رسمية حينما أُعلن عن وفاة أحد جنود البحرية الأمريكية في العراق خلال الثالث من مايو/أيار. ويعدّ هذا الجندي رسميا ثالث جنديّ يُقتل في العراق منذ عودة الأمريكيين إليها سنة 2014 بهدف التصدي لتنظيم الدولة.
5000 جندي في العراق
التساؤل حول ما إذا كانت هناك قوات برية في كلّ من سوريا والعراق، يبدو أنه قد عفا عليه الزمن؛ فتأكيد التواجد الأمريكي في المعارك أصبح لا جدال فيه، ولكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو ما هو العدد الحقيقي للقوات المنتشرة في هذه المناطق؟ فقد تمّ الإعلان رسميا عن تواجد حوالي 4000 جندي في العراق بهدف تقديم النصائح والتدريبات اللازمة للقوات العراقية خلال معركتها مع تنظيم الدولة.
في المقابل، نقلت الصحيفة الأمريكية “ذو ويك” تصريحات مسؤولون في البنتاغون الذين أفادوا أن العدد الفعلي للقوات هو أقرب إلى حوالي 5000 جندي مع الأخذ بعين الاعتبار الجنود الذين يشاركون في مهامّ مؤقتة أو يتناوبون على التواجد في الداخل. وعلى الرغم من أن واشنطن اعترفت بتواجد القوات في المناطق المذكورة، إلا أن الحكومة الأمريكية رفضت الاعتراف بمشاركتها في القتال مشدّدة على أن دورها يقتصر فقط على تقديم المشورة.
وبالفعل توجّهت في البداية الدفعة الأولى من الجنود الأمريكيين، وعددهم 170 جنديا، إلى بغداد خلال يونيو/حزيران سنة 2014 بهدف تقديم المشورة ومساعدة القوات العراقية على التغلب على تنظيم الدولة الذي غزا جزءا كبيرا من شمال العراق وبدا على وشك اقتحام بغداد، إلا أن العدد تضاعف ليصل إلى حوالي 1550 جنديا بعد ستة أشهر ويتجاوز عددهم خلال أبريل/نيسان سنة 2015 ثلاثة آلاف جندي. وصرّحت قناة “أن بي سي نيوز” الأمريكية أنه مع الإعلان الأخير الذي قام به وزير الدفاع الأمريكي، أش كارتر، حول إرسال مزيد من القوات، فقد تجاوز عدد الجنود الأربعة آلاف.
تعزيزات في سوريا
أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم 25 أبريل/نيسان وصول التعزيزات الأمريكية إلى سوريا، ما يعني إضافة حوالي 250 جنديا إلى الخمسين جنديا المتواجدين أساسا على الأراضي السورية. وقد أعلنت الوكالة العربية السورية للأنباء أنه “في 27 من أبريل/نيسان، وصل حوالي 150 جنديا أمريكيا إلى مدينة رميلان التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا”.
كما أكّدت قناة روسيا اليوم، أن عددا منهم توجهوا مباشرة إلى مدينة الرقة السورية، وذلك حسب ما أفاد به أحد المصادر، حيث انتقدت موسكو وصول الجنود دون موافقة الحكومة في دمشق. ووفقا لموقع “ميليتاري تايمز”، فإن هذه القوات تعمل جنبا إلى جنب مع القوات السورية المحلية وهم ينتمون إلى القوات الخاصة الأمريكية، إلا أن إرسال المزيد من القوات تضمّن أيضا إرسال وحدات طبية وأخرى لوجستية.
كما تتعاون هذه القوات أساسا مع الأكراد المنتمين إلى وحدات حماية الشعب، حيث أظهرت لقطات بثّتها قناة “فرانس24” أن هذه القوات تقاتل جنبا إلى جنب مع القوات الكردية ضدّ تنظيم الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن عددا من الجنود الأمريكيين يقومون بالتدخّل عسكريا لدعم القوات الكردية إذا ما وقعت في مأزق. ويسيطر الجنود الأمريكيون في سوريا على قاعدة جوية في مدينة رميلان بُغية تسهيل نقل الإمدادات إلى المقاتلين المناهضين لتنظيم الدولة.
الموقف الأمريكي الرسمي
كان الرئيس أوباما قد سحب قواته المتواجدة في العراق منذ الحرب التي شنها جورج بوش، وبالتالي فإنه من الصعب عليه أن يعترف بإعادته لتلك القوات وهو ما جعل الجانب الأمريكي حذر ومتخوّف من الإعلان عن تواجد هذه القوات على الأرض، ويبقى من الصعب معرفة العدد الدقيق للجنود الذين شاركوا في مختلف العمليات منذ سنة 2008 والذين يقدّر عددهم بأكثر من 190 ألف جندي في كلّ من أفغانستان والعراق.
وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع أش كارتر، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن “القوات الأمريكية لا تسعى إلى الدخول في حرب وتحل محل القوات المحلية ولكنها تحاول تقديم الدعم الكافي لهذه القوات حتى تتمكن من القضاء على تنظيم الدولة”. وهذا هو السبب الذي دفع بالسلطات الأمريكية إلى عدم الإعلان رسميا عن مقتل الجنود الثلاثة على خلفية الهجمات التي شنّها تنظيم الدولة، ولكن، قد يكون من الصعب شرح ذلك لاحقا إذا ما وقعت المزيد من الخسائر البشرية.