نشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرًا في مدونتها عن هجوم داعش الأخير الذي استهدف قلب مدينة بن قردان جنوب شرق تونس. واعتبر التقرير أن الهجوم الخطير هذا يمثل إنذاراً بامتداد الصراع من ليبيا التي تبعد حدودها قرابة 30 كم عن المدينة، وهو ما يتطلب من النخب السياسية في تونس استجابة حقيقية لمواصلة الكفاح لتحقيق الاستقرار في البلاد التي تعرضت لثلاث هجمات إرهابية كبيرة العام الماضي.
وكان عشرات المقاتلين التابعين لداعش قد شنوا هجومًا كبيرًا فجر السابع من مارس الجاري. حيث اقتحم عشرات المقاتلين مراكز المدينة وحاولوا السيطرة على المنشآت الأمنية الرئيسية فيها. فيما تم التعامل معهم من قبل عدد من الوحدات النظامية والمتخصصة والشرطة والحرس الوطني والجيش التونسي حيث حاصر المدينة بضع مئات من الجنود وقاموا بالدفاع عن المباني المستهدفة والرئيسية في المدينة.
تسببت الأحداث بإيقاع عدد كبير من القتلى وصل إلى 36 قتيل بين مقاتلي داعش ووصلت عدد قتلى أجهزة الأمن التونسية إلى قرابة 11 فيما سقط 7 مدنيين خلال الاشتباكات. وعلى الرغم من عدم تبني داعش حتى الآن لهذا الهجوم، إلا أن العديد من المصادر تربط بينه وبين القصف الأمريكي الذي تعرضت له بعض مناطق داعش في 19 فبراير والذي أدى إلى تدمير مخيم لداعش يبعد 170 كم عن مدينة مصراته الليبية وأودى بحياة قرابة 40 مقاتل من داعش معظمهم من التونسيين.
و على الرغم من نجاح قوات الأمن التونسية في التصدي للهجوم إلا أنه ما زال يمثل سابقة جديدة لم يحدث لها مثيل منذ أحداث “انقلاب قفصة” في 27 كانون الثاني 1980. حيث قام الحزب التقدمي المدعوم من ليبيا والمخابرات العسكرية الجزائرية بالسيطرة على المدينة المركزية التونسية ” قفصة” ودعا من هناك إلى ثورة شعبية تونسية عارمة. على تونس أن تتوقع المزيد من الهجمات المقبلة وهو ما يتطلب من السلطات التونسية الاستعداد لتخفيف آثار هذه الهجمات من خلال النقاط السبعة التالية:
- هذا الهجوم لميكن مجرد هجوم إرهابي. بل كان هجومًا متزامنًا على ثكنة للجيش والمقر المحلي للحرس الوطني ومركز للشرطة في المدينة بالتزامن مع عمليات اغتيال استهدفت ضابط الجمارك وضابط شرطة وعضو من وحدة مكافحة الإرهاب التابعة للحرس الوطني. وبهذا ترقى هذه المحاولة إلى التمرد المحلي حيث قام على إثر تنسيق متقن بين 50 عضوًا من الخلايا النائمة لداعش في بن قرادن. وصف العملية بأنها إرهابية فقط سيحجب الكثير من الأهداف السياسية للهجوم ككسب تأييد جزء من سكان المدينة حتى وصل بهم الحد لدعم سيطرة عسكرية على المدينة. فيما تم بث رسائل الجهاديين عبر مكبرات المساجد عند الفجر في محاولة لتوزيع الأسلحة على المتمردين. وبهذا الشكل، يشبه الهجوم هذا ما جرى في أحداث قفصة عام 1980.
- في هذه الأحداث لم تكن أعداد مقاتلي داعش كافية وارتكب مقاتلوها أخطاءً تكتيكية كثيرة على الرغم من معرفتهم الجيدة بالتضاريس. لكن قوات الأمن التونسية لا تملك دائمًا الميزة العددية. ولذل فعلى الجيش التونسي والحرس الوطني والشرطة مضاعفة يقظتها وسرعة استخلاص العبر التشغيلية والاستراتيجية. فعلى بعد بضعة كيلومترات من بن قرادن تقع بلدة جرحيس والتي تعد محطة للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وكذلك مدينة جربة التي تعد مركزًا سياحيًا هامًا وتحوي عددًا من أبناء الجالية اليهودية في تونس والذين قد يكونون عرضة للاستهداف. أما في المناطق الغربية من تونس فيمكن للإرهابيين استغلال المناطق الجبلية على طول الحدود مع الجزائر وذلك للاستفادة من أي أزمة جديدة لمهاجمة ضواحي مدينة القصرين أو الوصول إلى مركز مدينة سيدي بوزيد.
- محاولة التمرد التي وقعت في بن قردان لا ترتبط فقط بالقضية التونسية الليبية، وهي في الواقع مشكلة إقليمية تتطلب رد فعل إقليمي ولا سيما زيادة وتعزيز التعاون الأمني والاستراتيجي بين الأمن التونسي والجزائري. فالجغرافيا النفسية التي تتبناها داعش لا تلتزم بأي من الحدود التي تم إنشاؤها في مطلع القرن العشرين شمال إفريقيا. ووفق خبراء في مجموعة الأزمات الدولية فإن حلم داعش يكمن في إعادة إقامة الحدود التاريخية لسلالة الأغالبة التي حكمت بين عامي 800 و 901م في إمارة شبه مستقلة مقرها تقريبًا في مقاطعة أفريكا التاريخية الرومانية، وشملت وقتها منطقة طرابلس غرب ليبيا ومعظم مناطق تونس الحديثة والنصف الشرقي من الجزائر. وضمن هذه الرؤية، تشكل بن قردان نقطة الربط الاستراتيجي للمنطقة “المحررة” التي من شأنها أن تربط جنوب شرق تونس بغرب ليبيا. ومنذ فترة طويلة تهيمن على المنطقة الحياة التجارية من قبل الاقتصاد الموازي والسوق السوداء على أساس كونها سوق صرف للعملات الأجنبية بشكل غير رسمي بالإضافة إلى التهريب وهو ما يمكن أن يشكل عبرها نقطة التقاء بين الجهاديين وشبكات الإجرام الإقليمية.
- على الطبقة السياسية والإعلامية في تونس تجنب أي محاولة للاستفادة من الهجوم هذا للقيام بتصفية حسابات بينية أو إحياء الفجوة بين الإسلاميين والعلمانيين. فالهدوء والحفاظ عليه يعد مطلبًا أساسيًا الآن ويجب الحفاظ على تونس بعيدًا عن هذه المهاترات.
- هناك حاجة ملحة لإيجاد خطاب وطني جديد قادر على معالجة الفوارق الإقليمية والاجتماعية ولا سيما شعور الإقصاء التاريخي لدى سكان مناطق جنوب تونس. أثرت الهجمات الإرهابية خلال العام الماضي الخطاب القديم عن “الوحدة الوطنية” الذي تقدمت به القيادة السياسية التونسية. وسيكون على تونس بذل المزيد من الجهد للحفاظ على ثقافة التسوية والحفاظ على مكاسب المجتمع المدني التي تحققت خلال أعوام 2013 و2014 وهي التي مكنت النشطاء السياسيين من اللجنة الرباعية للحوار الوطني من الفوز بجائزة نوبل للسلام عام 2015.
- على قوات الأمن أن تتعامل بشكل مدروس واحترافي حال استجواب سكان بن قردان الذين يشك في تقديمهم دعمًا لوجستيًا أو غير ذلك من دعم لداعش في هجمتها الأخيرة. حجم الهجوم الذي وقع يعني أن عدد هؤلاء يقدر بالمئات وأي موجة اعتقالات عشوائية في صفوف المواطنين أو تعذيب المواطنين بوحشية سيؤدي إلى تغذية مشاعر الإحباط للسكان ويزيد من دعم داعش مستقبلًا.
- لا يمكن تأمين الحدود التونسية الليبية دون تعاون حقيقي من السكان المحليين، وخاصة عصابات التهريب التي تعمل في المنطقة. وأي محاولة لمكافحة هذه العمليات بالتزامن مع قتال الجهاديين سيؤدي إلى تبديد الطاقة ومن المرجح أن يغذي الاستياء المحلي من الدولة خاصة وأن جل الاقتصاد المحلي في البلدة يعتمد على التهريب. وفي سبيل ضمان تعاون السكان، يجدر بالحكومة أن تعمل على إنشاء مناطق تجارة حرة والتي من شأنها أن تضفي شرعية على جزء كبير من التجارة الحدودية.