لا صوت اليوم يعلو فوق معاناة سوريا، حتى أن صدى المأساة لم يعد يتردد فقط في جنبات الشرق الأوسط، بل تخطى الحدود ليفرض نفسه على سباق الرئاسة الأمريكية.. ولا رابحَ اليوم مثل الأسد؛ الذي كانت رأسه على وشك الطيران، لولا أن أنقذه القيصر الروسيّ بعدته وعتاده، ولا بأسَ أن يكون الثمن دماء شعبه.. وليسَ يحمل اليوم عبئًا أكثر من أردوغان، المطالَب بإطفاء الحرائق في الداخل والخارج، وإدارة الملفات المتضاربة، والتعامل مع الشركاء المتشاكسين، فضلا عن المتربصين.
هذا هو واقع المنطقة، وهو أيضًا خلاصة التغطيات الصحفية الأجنبية لما يحدث في بلادنا.
كارثة بشرية واستراتيجية
استهجنت صحيفة وول ستريت جورنال استمرار وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في الثرثرة بينما تُوسِّع القوات الحكومية السورية والروسية حصارها الدموي على حلب، قائلة: “من حظ أوباما وكيري أن الانتخابات الرئاسية التمهيدية تشغل اهتمام واشنطن، وإلا ربما لاحظ مزيد من الناس الكارثة البشرية والاستراتيجية التي تتكشَّف في سوريا”.
وأضافت الصحيفة الأمريكية: “لا غروَ أن تأجلت محادثات السلام في جنيف الأسبوع الماضي بعد مرورٍ وقتٍ قصير من بدايتها؛ فلم يكن هناك سلامٌ أصلا يمكن الحديث بشأنه. بل أصبحت الكارثة السورية صداعا مؤلمًا، لدرجة أن أعضاء مؤيدين لأوباما في مؤسسة الأمن القومي طالبوا الرئيس بالتخلي عن سياسة “دعها تحترق”.
معاناة مفزعة
اهتمت صحيفة الجارديان بتصريحات المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل التي أعربت فيها عن فزعها من المعاناة الناجمة عن القصف الروسي في سوريا، فيما تقترب القوات الحكومية المدعومة بالغارات الجوية من تطويق حلب.
وأضافت الصحيفة البريطانية: “هذا التقدُّم (الحكومي) المدعوم روسيًا أجبر عشرات الآلاف من المدنيين على الفرار من حلب، وهم عالقون الآن بالقرب من الحدود التركية، في ظل غياب المؤشرات على أن السلطات في أنقرة ستستجيب للضغوط الدولية المتصاعدة للسماح بدخول المزيد من اللاجئين”.
الرياح السورية.. حيث يشتهي الكرملين!
وفي مقاله المنشور على صحيفة نيويورك تايمز، وصف الكاتب الصحفي المخضرم روجو كوهين ما يحدث في سوريا بأنه وصمة عارٍ في جبين الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف: “بالتأكيد لا تزال إدارة أوباما تتشدق بأن الأسد جزء من المشكلة وليس الحل، وأن استمرار الرئيس السوري خلال جزء من الفترة الانتقالية السياسية لا يعني أن بإمكانه المواصلة لأبعد من ذلك. لكن الرياح السورية تسير الآن حيثما يشتهي الرئيس السوري بوتين، في غياب أي التزامٍ مقابل من الرئيس أوباما”.
بوتين/أوباما.. سياسة واحدة!
وأردف الكاتب: “الشيء المقلق أن سياسة بوتين في سوريا أصبح من الصعب التمييز بينها وبين سياسة أوباما. معتبرًا أن “سياسة بوتين هي ذاتها السياسة الأمريكية؛ لأن الولايات المتحدة لم تقدم أي بديل جاد”. متوقعًا أن يطول عذاب “حلب”.
وختم الكاتب بالقول: “لقد فات أوان حدوث تغيير كبير في سياسة أوباما تجاه سوريا، ومن الوهم المحض توقع ذلك. لكن ينبغي على الرئيس أن يستفرغ جهده- كما اقترحَ تقرير أعده مايكل ايجناتييف في كلية كنيدي بجامعة هارفارد- لقبول عددٍ أكبر من اللاجئين السوريين هذا العام؛ وزيادة المسموح به من 65 ألفًا إلى 100 ألف.
أما “إذا سمحنا للخوف بإملاء سياساتنا؛ فسيفوز الإرهاب” كما أشار التقرير”.
“ترامب”.. وفزَّاعة اللاجئين!
برغم هذا الفشل الدولي في الميدان، لا يزال الساسة الغربيون يستخدمون اللاجئين كفزاعة، وورقة انتخابية لمداعبة خيالات المناهضين للهجرة. وآخر مظاهر ذلك ما ذكره موقع بزنس إنسايدر أن رجلا طرح سؤالا عاطفيًا لى المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب اليوم الاثنين في نيوهامبشاير قائلا: “هل تستطيع أن تنظر للأطفال اللاجئين في وجوههم، وتمنعهم من دخول الولايات المتحدة”. وهو السؤال الذي أجاب عليه ترامب بالإيجاب، محذرا من إمكانية أن يكون آباءهم لديه علاقة بتنظيم الدولة.
وهذه ليست المرة الأولى، فقد سبق أن تعهد “ترامب” بإعادة جميع اللاجئين السوريين الذين استقبلتهم الولايات المتحدة إلى سوريا إذا انتخب رئيسا للبلاد، قائلا في أكتوبر الماضي، حسبما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية: “سمعت أننا نريد أن نستقبل 200 ألف سوري، واسمعوني، يمكنهم أن يكونوا من تنظيم الدولة الاسلامية”، مشيراً إلى أنهم “200 ألف جندي، وهم سيأتون إلى أمريكا كجزء من هجرة جماعية”.
بشار يكسب.. وأردوغان يخسر!
وتحت عنوان “روسيا في تركيا: الأسد يكسب وتركيا تخسر؟” نقلت ديميترا ديفوتيس عن “أوراسيا جروب” قولها: “إن التدخل العسكري الروسي يمكن أن يساعد نظام الرئيس بشار الأسد على استعادة ما لا يقل عن ثلثي غرب سوريا، بما في ذلك حلب، بحلول نهاية عام 2016”.
وأضافت: “هذا يزيد من احتمالية انزلاق تركيا إلى الحرب، ودفع المزيد من اللاجئين إلى أوروبا”. مشيرةً إلى أن تركيا مضطرة للرد حفظًا لماء الوجه، ورغم ذلك استبعدت إطلاق عملية برية في سوريا قريبًا.
لكن كما علَّمنا التاريخ، برغم قتامة المشهد، لا أحد يستطيع الجزم بما سيحدث غدًا في الشرق الأوسط، رغم كثرة التكهنات، وجرأة التنبؤات.