لا صوت يعلو اليوم فوق صوت الإعلان الروسي المفاجئ بسحب القوات الرئيسية من سوريا، الذي قوبل حتى الآن في الصحف الأجنبية بكثيرٍ من التشكيك، وقليلٍ من الترحيب الحذر.
امنحوا الأولوية للشعب السوري
تحت عنوان “بوتين قد يكون حقق أهدافه في سوريا.. لكن السلام يعني منح الأولوية للشعب” نشرت مجلة نيوزويك مقالا لـ سليل شيتي، الأمين العام الثامن لمنظمة العفو الدولية، استهله بالإشارة إلى أن إعلان بوتين انسحاب الجيش الروسي من سورية لا يرقى إلى مستوى تغيير قواعد اللعبة كما قد يأمل كثيرون.
وقال: “جاء الانسحاب الروسي في وقت رمزيّ، وتحديدًا بعد خمس سنوات منذ أول موجة احتجاجات كبيرة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. لكن زعم الرئيس بوتين أنه “حقق أهدافه” يثير العديد من التساؤلات. فهل يعني هذا اعتقاده بأن المجموعة التي تطلق على نفسها “الدولة الإسلامية” قد هزمت؟ أم أنه يعترف ضمنيًا بأن أهداف الحقيقية لم تكن أبدًا ما صرَّح به علنًا؟”
وأضاف: “معهما كانت الوعود التي ستصدر خلال الأيام المقبلة، يجب ألا ننسى عدة أسئلة حاسمة: ما الذي يجب فعله لحماية مصالح السوريين العاديين على المدى الطويل؟ ما هو المطلوب لضمان أن الأهوال التي تعرضوا لها لن تتكرر مرة أخرى؟ كيف يمكن حمايتهم من انتهاكات كافة الأطراف، خلال هذه الفترة التحولية وربما الأكثر حساسية؟”.
الروس لا يغادرون.. فقط يُقَلِّصون تواجدهم
نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا لـ سمدار بري خلُصّ إلى أنه “برغم الخفض الملحوظ للتواجد الروسي في سوريا، لا ينوي بوتين الخروج تماما من البلاد. بل ستحتفظ موسكو بالسيطرة على الأصول الاستراتيجية في الدولة المنقسمة، إلى جانب قدرٍ كبيرٍ من النفوذ أيضًا.
وأضافت: “تصرَّف بوتين في سوريا دون الكثير من المشاعر تجاه بشار الأسد، الذي وصفه محللو الكرملين مؤخرًا باعتباره زعيمًا غير شرعي وضعيف ومتعَب ومُرهَق. في النهاية، كانت روسيا هي التي تمسك بزمام الأمور في البلد المفتت طيلة الأسهر الستة الماضية، ولم تفعل ذلك لصالح الأسد، ولكن من أجل حماية مصالح موسكو الاستراتيجية”.
وأردفت الكاتبة الإسرائيلية: “حتى لو غيَّرت روسيا وجهها، واختفى الأسد، فإن مسكو لا تخطط للاستغناء عن أصولها، التي يمكن أن توسع انتشارها في كل ركن من أركان الشرق الأوسط. ولا يأبه بوتين إذا أصبحت سوريا في نهاية المطاف فيدرالية مكونة من ثلاثة كانتونات. وتعتزم روسيا الاحتفاظ بالمنطقة العلوية، والمحور الذي يربط دمشق مع الساحل في الشمال. أما ما يحدث في المنطقة الكردية أو مرتفعات الجولان فسيكون من اختصاص حزب الله، في ظل غياب روسيا هناك لضمان استقرار الأمور. لكن الأسد يعرف أن ليس بإمكانه الوثوق في رجال نصرالله تماما”.
وختمت بالإشارة إلى بوتين- الذي يتبع نهج أوباما السلبي ذاته- وصل أيضا إلى استنتاج مفاده أن نزيف الحرب في سوريا يمكن أن يكلفه سياسيًا في الداخل. مستدركة: “على أي حال، حتى لو كان العديد من المقاتلين يحزمون حقائبهم ويغادرون، فإن الروس لا يغادرون سوريا. إنهم فقط يقلصون تواجدهم هناك”.
لا تثقوا في انسحاب بوتين
تحت عنوان “لا تثقوا في انسحاب بوتين من سوريا” نشر موقع بلومبرج فيو مقالا لـ ليونيد بيرشيدسكي، استهله بالقول: “لا ينبغي أن يؤخد إعلان بوتين غير المتوقع على عِلاَّته: ألم يُصدِر إعلانات مشابهة في الماضي كي يظهر لشركاء التفاوض الغربيين إلى أي مدى يمكن أن يكون بناء؟ لكنه يمتلك دائمًا أجندة خفية”.
ورأى الكاتب أن التفسير الرسمي للانسحاب لم يُخطئ فيما يتعلق بالدور الذي لعبه سلاح الجو الروسي، لكن الغرض الأكثر ترجيحًا من هذا الانسحاب أشار إليه بتوين حين قال: “آمُل أن قرار اليوم سيكون إشارة جيدة لكافة أطراف النزاع. وأتمنى أن يزيد ذلك بشكل كبير من ثقة جميع المشاركين في هذه العملية”.
ولفت الكاتب إلى أن بوتين لجأ إلى أسلوبٍ مماثلٍ في يونيو 2014، بموازاة بدء المحادثات التي توصلت لاحقًا إلى أول وقف إطلاق نار في شرق أوكرانيا. في وقت لاحق من ذاك الشهر، طلب بوتين من برلمانه الشكليّ سحب التصريح الممنوح له بإجراء عمليات عسكرية في الأراضي الأوكرانية. ولم تكن روسيا قامت بذلك رسميًا أبدًا، رغم إرسال القوات والمدربين والأسلحة الروسية لمساعدة المتمردين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا. ومع ذلك، اعتبر بوتين- وفق المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف- هذا الإعلان بمثابة لفتة ملائمة في بداية المفاوضات بين المتمردين وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لكن هذا الوقف لإطلاق النار لم يستمر سوى لفترةٍ وجيزة. وسرعان ما تصاعد القتال مرة أخرى، ومُني الجيش الأوكراني من أكثر هزائمه إذلالا في بلدة إلوفايسك”.
تطوُّر مهم
ورغم أن هذا المعنى ذاته لفت إليه ناثان هودج في صحيفة وول ستريت جورنال حين قال: إنه “من غير الواضح كم تبقى من الطائرات الروسية في سوريا”، فيما قال ماكس فيشر: “كانت هناك دائما إشارة إلى أن بوتين يفتقر إلى الكثير من الاستراتيجية العسكرية، وغالبا ما يأمل في تحقيق مكاسب سياسية ضيقة”.
رغم ذلك، وصف المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانسحاب الجزئي للقوات الروسية في سوريا بأنه “تطور مهم”، معربًا عن أمل فريقه في أن يكون لذلك “أثر إيجابي” في المفاوضات الرامية إلى إيجاد حل سياسي للحرب في سوريا و”الانتقال السياسي السلمي في البلاد”، بحسب البيان الذي نقلته صحيفة واشنطن تايمز.
تمهيد الطريق لخروج الأسد؟
في تحليلهما الذي نشرته فورين بوليسي تحت عنوان “الانسحاب الروسي قد يمهد الطريق أمام خروج الأسد”، قال بول ماكليري وجون هدسون إن قرار موسكو يمكن أن يشير إلى أنها تبحث عن وسيلة للخروج من الصراع، وقد ينتهي بحكومة سورية يقودها شخص غير الأسد.
وتحدث الكاتبان عن شعورٍ متزايد بالثقة بدأ يتسلل إلى بشار الأسد بعد الإنجازات التي حققها على الأرض، لدرجة وضع خطوط حمراء بشأن المفاوضات، وهو ما أيّده أندرو تابلر، خبير الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، غير مستبعدٍ أن تكون الخطوة بمثابة “ضغطٍ على الأسد لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات”.
فيما لفت جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الاوسط جامعة اوكلاهوما، إلى أن بوتين بعث بهذا الإعلان برسالة إلى واشنطن التي أحبطت موسكو برفضها التعاون لمحاربة تنظيم الدولة.
وقال كريستوفر كوزاك، المحلل في معهد دراسات الحرب: “من المرجح أن بوتين يشعر بأنه في وضع يمكنه من استخلاص أقصى فائدة من المفاوضات الحالية بأقل تكلفة ممكنة. أما الموقف المتشدد من الأسد، والذي يشعل إمكانية العودة إلى الصراع، فإنه يهدد هذه المكاسب على المدى الطويل”.