هذا المقال هو خلاصة 210 مقابلة أجرتها كاتبة هذا المقال مع صناع السياسات والخبراء الحاليين والسابقين في 15 دولة، من بينها الدول الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، فضلاً عن دول معنية بأزمات الشرق الأوسط، مثل “إسرائيل” وإيران، فلسطين وسوريا ولبنان واليمن والعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في محاولة للإجابة عن سؤال:
كيف يمكن للولايات المتحدة أن تعالج التوترات الإقليمية المتعلقة بإيران على أفضل وجه ؟
هذه المقالة مترجمة عن موقع Foreign Affairs
سنام وكيل: نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.
22 شباط 2021
ترث إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مجموعة من القضايا المتعلقة بإيران: دولة تمتلك برنامجاً نووياً متقدماً وترسانة صواريخ بالستية عابرة للقارات وسياسة إقليمية للسيطرة بالوكالة عبر دعم مجموعات محلية. سيكون أول هذه المخاوف هو الأكثر إلحاحاً على الإدارة الجديدة لمعالجته: فمنذ مايو 2018، عندما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وبدأ في زيادة ضغط العقوبات على طهران، سارعت الحكومة الإيرانية إلى تطوير قدراتها النووية، وتقليل وقت الاختراق – الفترة التي يمكن خلالها القفز لإنتاج سلاح نووي – من سنة واحدة إلى عدد من الأشهر فقط.
أوضح بايدن أنه يعتزم إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي والالتزام ببنوده إذا فعلت إيران الشيء نفسه. وقد أشارت إيران إلى أنها أيضاً مستعدة للعودة إلى التزاماتها، طالما أن الولايات المتحدة ترفع العقوبات، لكن العملية لن تكون بهذه البساطة التي يوحي بها تبادل التصريحات هذا.
لكي يكون الاتفاق النووي مستداماً، يجب عزله عن الانتكاسات السياسية المستقبلية، ويتطلب ضمان مثل هذه الاستمرارية من الموقعين معالجة نقاط الضعف في الصفقة، والتي تشمل طول الجداول الزمنية وشروط عقوبات snapback/سنابباك، بالإضافة إلى مشاكل لم يشملها الاتفاق، مثل برنامج الصواريخ الإيراني والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار. بدون خطة إقليمية، ستظل أجندة إدارة بايدن بشأن إيران والشرق الأوسط الأوسع عرضة لمعارضة الخصوم الحزبيين في واشنطن وشركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
يخشى منتقدو الاتفاق النووي لعام 2015، سواء داخل الولايات المتحدة أو في إسرائيل ودول الخليج العربية، أن تتخلى إدارة بايدن عن ضغطها على إيران إذا عادت إلى الاتفاق بسرعة كبيرة وألغت العقوبات. وبدلاً من ذلك، دعت هذه الأصوات البيت الأبيض إلى الدخول في مفاوضات جديدة، تؤدي إلى تخفيف العقوبات فقط عن إيران مقابل حل وسط بشأن القضايا المعلقة، لكن طهران استبعدت بشكل قاطع مثل هذا النهج، قائلة إنها لن تدخل محادثات أوسع بعد عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الأصلي.
وينظر جيران إيران إلى مثل هذا الاحتمال بقلق، حيث يسعون إلى سياسة أمريكية تعمل على ترويض التوترات الإقليمية المتصاعدة وتمنع طهران من إثارة الأزمات في الجوار. لم تحقق حملة “الضغط الأقصى” التي أطلقها ترامب هذه الغايات – في الواقع، تضمن رد طهران بـ “المقاومة القصوى” احتجاز الناقلات واستهداف منشآت النفط السعودية بوقاحة. هذه الدول تخشى بحق من أن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 دون قيود إضافية، تهدد بمزيد من تمكين أنشطة إيران الإقليمية، ولدى البلدان نفسها مخاوف أكبر بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وقد أُصيبت بالإحباط من الدعوات الأمريكية لتقاسم الأعباء وإنهاء “الحروب إلى الأبد” ومن التناقضات السياسية التي تشير إلى تقلبات في الأولويات الأمريكية.
كيف يمكن للولايات المتحدة أن تعالج التوترات الإقليمية المتعلقة بإيران على أفضل وجه؟ سعيت أنا وزملائي في تشاتام هاوس للإجابة على هذا السؤال من خلال المقابلات التي أجريناها مع 210 من صناع السياسات والخبراء الحاليين والسابقين في 15 دولة، من بينها الدول الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، فضلاً عن دول متورطة في أزمات الشرق الأوسط، مثل “إسرائيل” وإيران، فلسطين وسوريا ولبنان واليمن والعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
المسارات المتوازية
في الفترة مابين تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر من عام 2020، أجرينا استبياناً لمن قابلناهم حول أفضل السبل لإدارة وحل النزاعات في الشرق الأوسط، سألناهم عن الصعوبات والتوترات الجيوسياسية الموجودة في المنطقة وكيف يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد تؤثر على البيئة الأمنية، وبحثنا في تصوراتهم عن جذور التوترات الإقليمية وسعينا إلى توصيات لمعالجتها، مع إيلاء اهتمام خاص لدور إيران في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن.
لم ير الخبراء والسياسيون الذين قابلناهم أن بالإمكان معالجة القضايا الإقليمية بشكل شامل في حوار مباشر واحد مع إيران، كما لم يتوقع غالبية المستجوبين أن تتنازل طهران عن دعمها لوكلائها الإقليميين أو أن تحد من برنامج الصواريخ البالستية، ورأى معظمهم أن أسلوب عزل إيران يأتي بنتائج عكسية مقارنة بإسلوب العمل الإقليمي على إيجاد حلول للمشاكل.
لمعالجة السلوك الإقليمي المزعج لإيران، أوصى الخبراء بمعالجة كل صراع إقليمي على حدة، وبالتوازي، من خلال مناقشات متعددة الأطراف بين الجهات الفاعلة ذات الصلة، يمكن للمشاركين أن يتعاملوا بشكل جماعي مع مخاوف مثل الميليشيات والصواريخ والانتشار، وأيضاً على مسارات متوازية.
سألنا المشاركين في الاستطلاع عن الخطوة الأولى التي قد تساعد في استقرار المنطقة؛ من بين الذين تمت مقابلتهم، فضل 45٪ العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في هذا الصدد، وأفادوا بأن العودة إلى الاتفاق ستساعد في استعادة التعاون عبر الأطلسي (التعاون الأوربي الأمريكي)، ووقف برنامج إيران النووي، وبناء الثقة بين طهران وواشنطن، علاوة على ذلك، فإن إحياء الاتفاق من شأنه أن يقلل التوترات في دول، مثل العراق، التي وقعت بين أقصى ضغط من واشنطن وأقصى مقاومة من طهران.
ومع ذلك، شدد معظم الخبراء على أن الولايات المتحدة يجب أن تدخل الاتفاق النووي مرة أخرى مسلحة بخطة عمل واضحة لمعالجة أوجه القصور فيها. وشدد المشاركون على وجه الخصوص على الحاجة إلى مخطط لحل النزاعات الإقليمية بعد العودة. وأشاروا إلى أنه فور الانضمام إلى الاتفاق النووي في عام 2015، وسعت إيران تواجدها في العراق واليمن ولبنان وسوريا، لذلك يجب على إدارة بايدن العودة إلى الاتفاقية بخطة محددة بوضوح للعمليات الإقليمية الموازية والمتعددة الأطراف التي ستتبعها بسرعة. يمكن للإدارة من خلال جعل هذه العملية مستمرة قدر الإمكان تهدئة مخاوف المعارضين في الكونغرس وكذلك المعارضين الإقليميين، طالما أن إدارة بايدن تتشاور وتنسق مع الشركاء الإقليميين بشأن خططها.
وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى أنه من خلال إنشاء مسارات موازية لحل النزاع، يمكن لإدارة بايدن أن تظهر أنها تعمل بإسلوبها الخاص ولا تكرر ما عملته إدارة أوباما. مثلاً يمكن أن تصر على التزام جميع الأطراف بالمشاركة في عملية المتابعة كجزء من التفاوض على الاتفاق النووي وتنفيذه، ويمكن إغراء إيران بالمشاركة بوعدها بتخفيف عقوبات أو استثمار إضافي، سيكون تأمين التزام طهران أمراً حاسماً لتهدئة مخاوف اللاعبين الإقليميين.
أكثر من 50 في المائة من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أوصوا بأن يكون المسار الأول الموازي هو المسار الذي يجمع جميع الأطراف المشاركة في الحرب في اليمن، بما في ذلك إيران. مسار ثان يجب أن يدعم الحوار بين دول الخليج، من أجل تعزيز الثقة والتعاون فيما بينها وتعزيز آليات حل النزاعات، ومن المهم بشكل خاص للحد من النفوذ الإيراني، أن يكون مسار ثالث لإحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ومسار رابع يعالج الصراع في سوريا، ويمكن أن تعمل المسارات الأخرى على تدابير بناء الثقة على مستوى المنطقة في مجالات مثل الدبلوماسية الصحية، والسياحة الدينية، والتبادلات الشعبية، والتجارة، والبيئة.
قوة من أجل الاستقرار
بقدر ما سعى من تمت مقابلتهم إلى إدخال المشاكل الإقليمية في عملية إقليمية، فقد أكدوا أيضاً على أن الولايات المتحدة لديها دور حاسم تلعبه في تحقيق الاستقرار في المنطقة، حيث أعرب المشاركون في الاستطلاع، وخاصة من المنطقة، عن قلقهم من أن التزام الولايات المتحدة المتذبذب تجاه الشرق الأوسط من شأنه أن يولّد حالة من عدم اليقين تقوض أمن المنطقة، فمن بين من تمت مقابلتهم، قال 33 في المائة أن عدم اليقين الناشئ عن تناقضات السياسة الأمريكية جعل المنطقة أقل أمناً وكان 57٪ من هؤلاء عراقيون، و50٪ إماراتيون، و45٪ سعوديون. ومما لا يثير الدهشة، أن 30٪ فقط من الإيرانيين الذين استطلعنا آرائهم و 23٪ من الإسرائيليين رأوا الولايات المتحدة قوة استقرار في المنطقة، لكن 50٪ من الأمريكيين الذين تمت مقابلتهم رأوا أن للولايات المتحدة دوراً حاسماً في تسهيل عمل المسارات الموازية.
تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن إدارة بايدن لديها فرصة لطي صفحة سنوات ترامب وسياسات الصفقات في الشرق الأوسط، ويمكن أن يكون عصر بايدن حقبة المشاركة متعددة الأطراف واستقرار الصراع، حيث تدعم الولايات المتحدة دول الشرق الأوسط في اتخاذ خطوات تدريجية لمعالجة الصراعات الإقليمية، وخاصة تلك التي تشمل إيران، ويمكن لمثل هذه العملية في نهاية المطاف أن ترسي الأساس لانفراج وحوار إقليمي أوسع.
الآراء والمصطلحات الواردة في هذه الترجمة لا تعبر بالضرورة عن رأي وتوجهات مركز إدراك للدراسات والاستشارات