هذا المقال منقول عن موقع نداء بوست
باسل حفار
شباط/فبراير 2022
مع اقتراب الثورة السورية من ذكراها الحادية عشرة، تشتعل السويداء بحراك يتابعه السوريون بشغف.. يطالب برحيل النظام بعد عجزه عن الوفاء بشيء من وعوده في تحقيق الأمن والاستقرار أو تأمين فرص العمل والقوت اليومي.
على هامش هذه الاحتجاجات والأصوات المتململة من الساحل ودمشق وحلب وحمص وغيرها من المناطق التي يتبجح بشار الأسد ونظامه بسيطرته عليها، نشرت بثينة شعبان (مستشارة الرئاسة لدى النظام التي يُنظر إليها على أنها ناطقة باسمه)، مقالاً تحت عنوان: “لحظة من فضلكم”، كل ما ورد فيه يشير إلى شيء واحد: هذا النظام لم يتعلم شيئاً من السنوات الماضية من الاحتجاجات، وما زال يعيش ويتحرك بنفس العقلية الغبية الإجرامية الإقصائية التي أودت بحياة الملايين من السوريين و شردتهم ودمرت مدنهم وقراهم.
أكدّت شعبان في مقالها أن النظام ما زال ينظر إلى المتظاهرين على أنهم عملاء وإرهابيون وأن الاستجابة لمطالبهم -برأي النظام- تعني تدمير البلد وتحطيم استقراره، وأنّ ما يجري في سوريا هو في الحقيقة مؤامرة من إسرائيل والعثمانيين والأمريكيين والإرهابيين -لتدمير هوية و منجزات ومكتسبات السوريين التي بناها النظام طوال السنوات الماضية-، وأن سوريا كانت أفضل بلد في العالم لأنها كانت الأكثر أماناً وهو ما جعل الآخرين يسعون لتدميرها، بسبب الحسد -على حد تعبيرها-.
رغم ذلك تقر شعبان -في نفس المقال- بأنّ كلاً من دمشق -المحسودة بسبب الأمن والأمان والاستقرار-، وبيروت -التي يحكمها حزب الله بدعم من إيران والنظام-، تسرح وتمرح فيهما شبكات التجسس الإسرائيلية وتعمل على أدق التفاصيل ومن ضمنها العناية بصياغة الشعارات المناهضة للنظام التي يتم رفعها خلال المظاهرات، وأسماء الجهات التي تُذكر فيها.
ولا تتوقف شعبان عند هذا الحد بل وتقول أيضاً أنه لا يوجد شك بأن العملاء الذين لم يتم اكتشافهم في معظم الدول العربية أكبر عدداً بكثير من هؤلاء الذين تمّ اكتشافهم، وهي باستخدام كلمة “عملاء” هنا إنما تشير إلى المتظاهرين والنشطاء والسياسين المعارضين وكل ما له علاقة بمعارضة النظام، وهم كثر وغير مكتشفين على حد قولها.
وبعد رسم هذه الصورة المضطربة السوداوية عن الواقع الذي تعيشه بثينة شعبان هي ونظامها، وبعد كل الحديث عن المؤامرات و الحصار والاستهداف الذي تشارك فيه قوى إقليمية ودولية وتقطيع أوصال الوطن والحرب العسكرية والإعلامية والإرهاب، والدمار الذي لحق بالدولة ومؤسساتها، تُطمئن بثينة شعبان السوريين إلى أن كل هذا لا يعني (إطلاقاً) أن تحسين الأحوال من المُحال، ولا يعني أيضاً أننا يجب أن نستسلم لما فرضه علينا الآخرون.
وهنا تأتي الطامة الكبرى في مقال بثينة عندما تبدأ بالتدليل على إمكانية تحسن الأحوال بالحديث عن السنوات العشر الماضية من الدمار والتشريد والإجرام الذي مارسه النظام وحلفاؤه، على أنها نموذج الصمود والانجاز والعبور الذي يستحق أن ننظر له بعين الامتنان والتقدير، وأن نتفاءل بما جرى باعتباره مثالاً لما سيكون عليه مستقبل سوريا على يد النظام وحلفائه وأصدقائه، مثنية على (حذاقة) الأدوات (الرائدة) التي استخدمها جيشها (الباسل).
أما بالنسبة للمواطن العادي فبالاضافة إلى التفاؤل الذي يجب أن يشعر به بمجرد النظر لنتائج إدارة النظام للوضع في سوريا خلال السنوات الماضية، فيجب عليه أيضاً أن يغلق أذنيه وعينيه -وغالباً عقله- عن سماع ومشاهدة أقاويل وإشاعات حرية التعبير وحقوق الإنسان وإرساء أسس ديمقراطية، لأن هذه الطروحات مصدرها الطابور الخامس وهي سبب زعزعة كيان الدولة وزعزعة ثقة المواطنين بدولتهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم، -على حد تعبير بثينة-.
الحقيقة أنّ هذا النظام وشخوصه لا يمكن أن يتحول إلى منظومة منجزة لديها القدرة على تقديم الخدمات والقيام بواجباتها وأعبائها أمام شعبها، ومهما حاولنا أن نقنع أنفسنا أن في تركيبته من يمكن أن يحاول على الأقل، نجد أنفسنا أمام كتابات وطروحات مثل مقالات بثينة شعبان، تؤكد على الفشل الذي سينفجر بوجه هذا النظام عاجلاً أو آجلاً.
قد يستغرق الأمر وقتاً، وقد يحدث حراك في منطقة ما قبل منطقة أخرى، ولكن النتيجة المترتبة على نظرة النظام للصراع وطريقة إدارته في مناطق سيطرته لا يمكن أن تنتهي إلا لتفتيت سوريا إلى كيانات صغيرة على أساس جغرافي أو عرقي أو ديني مذهبي أو شيء آخر.
الجنوب السوري و درعا تحديداً -التي أصر النظام على محاصرتها ودخولها وفرض سيطرته المزعومة عليها-، مثال واضح على القدرة المتدنية للنظام لتحسين أوضاع أي منطقة بعد السيطرة عليها، وحجم الحقد والرغبة بالانتقام التي تعميه عن أي فعل منجز.
منذ 2018 وحتى الآن لا يمر يوم واحد في الجنوب السوري دون كارثة أمنية أو إنسانية أو عسكرية، خطف واغتيالات و اقتحامات واعتقالات وبطالة وثأر وتجارة ممنوعات.. الخ، والأمر نفسه بالنسبة لحمص وأحياء ومناطق دمشق التي حاصرها النظام وهجر أهلها منها قبل أن يفرض سيطرته عليها.
أما ريف ومناطق إدلب وحلب التي سيطر عليها النظام قبل عامين فلا تزال خاوية مدمرة على عروشها بعد أن اقتحمتها عصابات النظام العسكرية والأمنية فسرقت ونهبت كل شيء فيها بما ذلك قبور أهلها و أبنائهم.
أما مراكز المدن الكبيرة فتئن تحت وطأة الغلاء وارتفاع أسعار الخبز والوقود و مؤشرات التضخم وتدني الأجور ومعدلات الهجرة والعنوسة والجريمة وفقدان الأمن.
ووسط كل هذه الأزمات يأتي قرار رفع الدعم الذي يتخلى فيه النظام رسمياً عن سياسة “الدعم الحكومي” لفئات محددة من المجتمع السوري، للمواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي، من خبز ومحروقات بشتى أنواعها، لاسيما مادتي البنزين والمازوت وأسطوانات الغاز.
تشير التحليلات المتعلقة بمستقبل سوريا إلى احتمالية ظهور ما يربو عن 15 كياناً (كنتون) في المشهد السوري إذا استمر الوضع على ما هو عليه، والقمع لن يزيد الأمر إلا سوءً.
لطالما كانت الدوافع لقيام ثورة أو حراك من نوع ما ضد هذا النظام قائمة ومنذ اليوم الأول لوجوده في السلطة، وطوال السنين الماضية كانت ولا زالت استراتيجية النظام لمواجهة أي تحرك ضده، لا ترتكز على معالجة هذه الأسباب والمشكلات، وإنما على تقوية وتعزيز أدوات القمع والكبت ومنع السوريين من مجرد التفكير بحقوقهم أو النظر لمستقبلهم.
ومن يظن أنّ النظام يسلك مسلكاً مختلفاً اليوم أو أنه يفكر مجرد تفكير في التعامل بطريقة مختلفة فهو أيضاً -مثل بثينة- لم يتعلم من الـ 40 عاماً الماضية من مقارعة النظام شيئاً.