يأتي قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي لعام 2026 (NDAA 2026) بوصفه أحد أهم التشريعات الأميركية الكاشفة لمقاربة واشنطن للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. فالقانون لا يقتصر على تحديد أطر الإنفاق العسكري أو أولويات التسليح، بل يُعيد تعريف طبيعة الشراكات الأمنية الأميركية، ويُدرج قضايا الاستقرار، والحوكمة، والسلوك السياسي للحكومات والفاعلين المحليين ضمن صلب المعادلة الأمنية.
وتُظهر النسخة التوافقية التي أقرّها الكونغرس في 10 ديسمبر، ثم مجلس الشيوخ في 17 ديسمبر 2025، انتقالاً واضحاً من منطق إدارة الملفات المنفصلة إلى تصور يقوم على ترابط ساحات الصراع والتهديدات، ويجسّد ذلك مزيجاً متقدّماً بين أدوات “القوة الصلبة” -التمويل، التسليح، وبناء القدرات- وأدوات “الضبط السياسي/القانوني” -الاشتراطات، الشهادات، والتقارير الإلزامية- بما يحوّل الدعم الأمني الأميركي إلى أداة مشروطة بالسلوك والأداء، لا مجرد امتياز تحالفي ثابت.
وفي هذا الإطار، يعيد التشريع ضبط معادلة التعامل مع الشرق الأوسط عبر إعادة تموضع استراتيجي نطلق عليها “الانسحاب إلى الأعلى” تقوم هذه الاستراتيجية على نقل المسؤوليات السيادية والعبء الإداري إلى الحكومات المحلية، وربط الدعم المالي والعسكري بمعايير أداء ورقابة صارمة ودورية، والاحتفاظ بدور واشنطن كمرجعية أمنية عليا وضامن أخير للاستقرار، بالتالي، تبتعد واشنطن عن الإدارة المباشرة للملفات لصالح إدارة التحالفات والملفات عبر أدوات رقابية مشددة.
ضمن هذا السياق العام، يبرز الملف السوري بوصفه أحد أهم الملفات حضوراً و حساسية داخل نص القانون على صعيد الشرق الأوسط، ليس فقط من حيث حجم التكرار -إذ وردت الإشارة إلى سوريا ومشتقاتها أكثر من خمسين مرة- بل من حيث نوعية المحاور التي تناولها التشريع، ويعكس هذا الحضور المكثف إدراكاً تشريعياً أميركياً بأن سوريا تمثّل حالة اختبار مركزيّة لمعادلة “ما بعد العقوبات”، حيث يجري الجمع بين إلغاء “قانون قيصر” من جهة، وتثبيت منظومة رقابية صارمة من جهة أخرى، تشمل مكافحة الإرهاب، البيئة الأمنية، الملفات السيادية الحساسة، وشروط الانفتاح الدبلوماسي.
وعليه، يهدف هذا التقرير الصادر عن مركز إدراك للدراسات إلى تقديم قراءة تحليلية لمكانة سوريا/الشرق الأوسط في قانون NDAA 2026، من خلال تفكيك منطق التشريع، ورصد أدواته، وتحليل دلالاته السياسية والأمنية، بما يساهم في فهم أوسع لاتجاهات السياسة الأميركية تجاه سوريا والمنطقة في المرحلة المقبلة.
