شهد شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 نقطة تحول غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، حيث شهد سقوط نظام بشار الأسد وبدء المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى تصاعد خطير في التدخلات العسكرية الإقليمية. فيما يلي تقرير إحاطة مفصل يضم أبرز التطورات في هذا الشهر:
أولاً: التطورات العسكرية والأمنية الداخلية
شهد شهر كانون الأول/ديسمبر 2024 استكمال عملية “ردع العدوان” العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة، والتي أسفرت عن السيطرة على مناطق واسعة وإسقاط النظام.
1. الإسقاط العسكري للنظام وتغيير السيطرة:
• سقوط النظام: أعلنت المعارضة السورية سيطرتها على العاصمة دمشق وإسقاط حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من 50 عامًا، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024. وغادر الأسد وعائلته البلاد قبل وصول المعارضة إلى العاصمة.
• امتداد السيطرة: تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على كامل مدينة حماة، ومطار حماة العسكري، وسجن حماة المركزي، حيث حررت سجناءه، ومبنى قيادة الشرطة، وذلك في 5 ديسمبر/كانون الأول.
• التقدم نحو حمص: في 6 ديسمبر/كانون الأول، واصلت قوات المعارضة تقدمها وسيطرت على مدينتي الرستن وتلبيسة، اللتين تعتبران بوابتي حمص الشماليتين. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، سيطرت فصائل “ردع العدوان” على مركز مدينة حمص.
• السيطرة على حلب وريفها: تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على سجني حلب وحماة المركزيين، وحررت عددًا كبيرًا من الأسرى منهما، كما سيطرت على مواقع عسكرية هامة في ريف حلب الشرقي والشمالي، مثل مطار كويرس، والفوج 111، والكلية الجوية ومساكن الضباط، وكلية المدفعية في الراموسة، والمحطة الحرارية والأكاديمية العسكرية شرقي حلب، بالإضافة إلى مدينة تل رفعت شمالي حلب.
• جبهة الجنوب (6-7 ديسمبر): أعلنت غرفة عمليات الجنوب في 6 ديسمبر/كانون الأول عن انطلاق المعارك ضد قوات النظام في درعا والسويداء والقنيطرة، بهدف الوصول إلى دمشق وإنهاء “حكم الاستبداد”. وأعلنت غرفة عمليات الجنوب في 7 ديسمبر/كانون الأول السيطرة على كامل مدينة درعا، بينما أعلن النظام رسميًا انسحاب قواته من درعا والسويداء في اليوم نفسه. كما سيطر جيش سوريا الحرة على جبل غراب الاستراتيجي ومدينة القريتين بريف حمص، وتمكن من فك الحصار عن مخيم الركبان.
2. الانتشار الأمني وعمليات التسوية:
• حلول الفراغ الأمني: في أعقاب سقوط النظام، ظهرت جماعات إجرامية استغلت الفراغ الأمني لتنفيذ عمليات نهب وتخريب واسعة، حيث شهدت محافظتا طرطوس واللاذقية، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، عمليات نهب استهدفت منشآت حيوية مثل مصنع أدوية وقطار نقل عام.
• الإجراءات الأمنية: أطلقت القوات الأمنية حملات مكثفة للسيطرة على الوضع، وشنت حملة أمنية واسعة شمالي القرداحة أسفرت عن مقتل ثلاثة مسلحين وإصابة عشرة آخرين. وأُرسلت تعزيزات عسكرية إلى درعا، ونُشرت نقاط تفتيش مع تعزيزات أمنية في سلمية وريفها.
• مراكز التسوية: أعلنت إدارة العمليات العسكرية في 21 ديسمبر/كانون الأول عن افتتاح مراكز تسوية لجميع عناصر النظام السابق في محافظة دمشق، بدءًا من 22 ديسمبر/كانون الأول، في مبنى الدفاع المدني في القطيفة، ومديرية منطقة التل، ومبنى أمن الدولة في الكسوة، وناحية شرطة قدسيا. وطالبت العناصر بمراجعة المراكز لاستكمال الإجراءات وتسليم الوثائق والمعدات.
3. تحركات قسد والفصائل الأخرى:
• رفع علم الاستقلال: أعلنت ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قرارها برفع علم الاستقلال السوري فوق جميع مناطق سيطرتها في شمالي وشرقي سوريا.
• تحركات قسد الميدانية: دخلت ميليشيا قسد قرى بريف الرقة الشرقي بعد انسحاب قوات النظام منها، واستولت على مواقع عسكرية للنظام في دير الزور في 6 ديسمبر/كانون الأول.
• دعوات للحوار: أعرب قائد ميليشيا قسد “مظلوم عبدي” عن استعداده للحوار وحل المشكلات مع تركيا، كما أشار إلى أنهم مستعدون للتواصل مع إدارة العمليات العسكرية عبر الأمريكيين.
ثانياً: التطورات السياسية والإدارية والحوكمية
شهدت القيادة الجديدة تحركات سريعة لإعادة تشكيل المشهد الإداري بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
1. الحكومة الانتقالية والتعيينات الرئيسية:
• تكليف حكومة تصريف أعمال: تم تكليف حكومة الإنقاذ السابقة برئاسة محمد البشير بمهمة تصريف الأعمال.
• تعيين وزير الخارجية: كلّفت “القيادة العامة” في دمشق “أسعد حسن الشيباني” بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السورية الجديدة في 21 ديسمبر/كانون الأول 2024.
• تعيين وزير الدفاع: عُيّن مرهف أبو قصرة وزيرًا للدفاع في حكومة تصريف الأعمال في 21 ديسمبر/كانون الأول، وتمت ترقيته إلى رتبة لواء في 29 من الشهر نفسه.
• تعيين رئيس جهاز الاستخبارات العامة: أعلنت القيادة العامة للإدارة السورية تعيين أنس خطاب رئيسًا لجهاز الاستخبارات العامة بالبلاد في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024.
2. الإجراءات المؤسسية والإدارية:
• القطاع المالي والمصرفي: عادت البنوك والمؤسسات المالية للعمل اعتبارًا من 15 كانون الأول/ديسمبر 2024.
• الجمارك: صدر قرار بإلغاء الرسوم الجمركية. كما صدر قرار بعزل 18 مديرًا للجمارك في المنافذ البرية والبحرية واستبدالهم بآخرين.
• التعليم: استأنفت المدارس والجامعات عملها بعد سبعة أيام من سقوط النظام. واتُّخذت قرارات بإلغاء المواد المرتبطة بالنظام السابق مثل القومية، ورفع أعلام الثورة السورية في المدارس والصفوف. كما تم تجميد الاتحاد الوطني لطلبة سورية.
3. الحريات والمشهد الاجتماعي:
• الحريات العامة: لم تُسجّل حالات تدخل في اللباس أو الممارسات الدينية أو إغلاق الأماكن العامة، مثل محلات السهر.
• المنظمات الأهلية: تم حلّ معظم الجمعيات المحسوبة على النظام، مثل “قناديل” و”الأمانة السورية للتنمية”. وصدر قرار من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، والطلب منها التقدم بطلب ترخيص من جديد.
• الأحداث الاجتماعية المحدودة: حدثت حالات محدودة أثارت بعض القلق، منها حادثة حرق شجرة الميلاد في السقيلبية.
ثالثاً: التطورات الإقليمية والدولية (التحركات الإسرائيلية والردود)
شهد شهر ديسمبر/كانون الأول تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا غير مسبوق بعد سقوط نظام الأسد.
1. العمليات العسكرية الإسرائيلية:
• انهيار اتفاق فض الاشتباك والتوغل في المنطقة العازلة (8 ديسمبر): أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انهيار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وأمر بالاستيلاء على المنطقة العازلة. وتم الاستيلاء على الشريط العازل الحدودي مع الجولان المحتل دون مقاومة.
• القصف الجوي الواسع: أعلن الجيش الإسرائيلي في 10 ديسمبر/كانون الأول تنفيذ أكثر من 350 غارة ضد أهداف في سوريا منذ 8 ديسمبر 2024، مدعياً تدمير ما بين 70% إلى 80% من القدرات العسكرية الاستراتيجية، بما في ذلك القوات البحرية.
• الأهداف المستهدفة: استهدف الطيران الإسرائيلي في 8 ديسمبر/كانون الأول مركز البحوث العلمية ومطار المزة ومواقع عسكرية في جبل قاسيون ومنطقة جمرايا. وفي 9 ديسمبر/كانون الأول، استهدفت غارات مستودعات أسلحة وذخيرة في محافظتي طرطوس واللاذقية، ومطار القامشلي وشنشار وعقربا، والفرقة التاسعة في مدينة الصنمين واللواء 43 بمحافظة درعا. واستمرت الغارات في 13 و16 ديسمبر/كانون الأول على مواقع عسكرية في محافظات عدة.
• التوغل البري في الجنوب: دخلت قوات إسرائيلية عدة كيلومترات داخل المنطقة العازلة مع سوريا. وتوغلت القوات الإسرائيلية في قرى بمحافظتي القنيطرة (مثل كودنة في 13 ديسمبر، وصيدا الجولان في 17 ديسمبر، وجباتا الخشب والرفيد في 20 ديسمبر) ودرعا (مثل معرية في 16 ديسمبر).
• استهداف المعابر: في 27 ديسمبر/كانون الأول، أعلن قائد سلاح الجو الإسرائيلي استهداف 8 معابر على الحدود السورية – اللبنانية، رداً على محاولة تهريب أسلحة مزعومة لحزب الله.
• ملف الجولان: في 10 ديسمبر/كانون الأول، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن هضبة الجولان ستبقى إلى الأبد جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل. وفي 15 ديسمبر/كانون الأول، أقرت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع خطة بقيمة 40 مليون شيكل لزيادة عدد المستوطنين وتوسيع البنية التحتية في الجولان المحتل.
2. ردود الأفعال الدولية والإقليمية:
• الإدانات: أدانت كل من قطر والسعودية وسلطنة عمان وجامعة الدول العربية انتهاكات إسرائيل واحتلالها مواقع جديدة في المنطقة العازلة، وطالبت باحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
• الاحتجاجات الشعبية: خرجت مظاهرات في قرية معربة بمحافظة درعا، وفي بلدة خان أرنبة بمحافظة القنيطرة، ضد التوغل الإسرائيلي والمطالبة بانسحاب القوات الإسرائيلية من سوريا.
• الحراك الدبلوماسي في دمشق: أصبحت دمشق مركزًا للحراك الدبلوماسي، حيث شهدت زيارات مكثفة لوفود دولية وإقليمية تمثل دولًا مثل تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وقطر والكويت، لمناقشة الدعم الاقتصادي والتنموي وخطط المرحلة الانتقالية.
رابعاً: الوضع الاقتصادي والخدمي
• أسعار السلع: انخفضت أسعار السلع والمواد الغذائية في معظم مناطق سوريا، مقارنة بفترة النظام البائد، ويعزى ذلك إلى انخفاض سعر صرف الدولار، وإزالة الحواجز الأمنية التي كانت تفرض إتاوات، ودخول سلع ومنتجات من تركيا والأردن.
• خدمات الكهرباء: شهدت المدن الكبرى، مثل حلب ودمشق، تحسنًا طفيفًا في خدمات الكهرباء، حيث ارتفعت ساعات التغذية في بعض المناطق الى ساعتين أو 4 ساعات يوميًا.
• قطاع المحروقات: أعلن وزير النفط فتح المجال أمام القطاع الخاص لاستيراد المواد البترولية إلى سورية دون السماح بتوزيعها، وأعلنت الوزارة تحديد أسعار المحروقات بالدولار الأميركي.
• النظافة العامة: استأنفت البلديات عملها تدريجيًا في تسيير سيارات القمامة بالمدن الكبرى.
