التطورات والأحداث التي شهدتها سوريا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2025، وهي فترة تلت سقوط نظام بشار الأسد مباشرة، واتسمت بتصاعد العمليات الأمنية ضد فلول النظام وبالتحولات الإدارية السريعة والتوغلات الإسرائيلية المتزايدة.
أولاً: التطورات العسكرية والأمنية
شهد الشهر الأول من عام 2025 استمرار الحملات الأمنية والعسكرية التي تستهدف فلول النظام السابق وتنظيمات أخرى، بالتزامن مع توترات على جبهات السيطرة ومع تحركات إسرائيلية في الجنوب.
1. العمليات الأمنية وملاحقة فلول النظام:
• حمص: في 7 كانون الثاني/يناير 2025، أعلنت الجهات الأمنية السورية انتهاء حملة التمشيط الأمنية التي استهدفت أحياء معينة في مدينة حمص، كحيي الزهرة والعباسية. ركزت الحملة على تفتيش مستودعات الأسلحة وتوقيف أفراد متهمين رفضوا تسليم أسلحتهم إلى مراكز التسوية. انسحبت قوات إدارة العمليات العسكرية من المناطق المشمولة بالحملة في 8 كانون الثاني/يناير، مع الإبقاء على حواجز إدارة الأمن العام.
• طرطوس: ركزت الجهود الأمنية على اعتقال أفراد متورطين في أعمال سرقة ونهب. في 6 كانون الثاني/يناير، أعلنت وزارة الدفاع عن اندماج فصائل عسكرية لتعزيز العمليات في المنطقة، وسُجّلت اشتباكات في خربة المعزة بين إدارة العمليات العسكرية وفلول النظام السابق.
• درعا: استمرت العمليات الأمنية المكثفة ضد التشكيلات الموالية للنظام السابق. قامت إدارة العمليات العسكرية، ابتداءً من 8 كانون الثاني/يناير، باعتقال عناصر متورطين في جرائم حرب وترويج المخدرات، في مناطق الصنمين وغباغب وشمال درعا. أُحبطت محاولة لتشكيل مجموعات مسلحة جديدة في الريف الشمالي، واستُعيدت أسلحة مسروقة. في 13 كانون الثاني/يناير، شهدت بلدة غباغب عملية تمشيط أمني لنزع السلاح، أسفرت عن ضبط كميات من الحشيش.
• دير الزور: في 2 كانون الثاني/يناير، اعتقل الأمن العام في المدينة أربعة أشخاص انتحلوا صفة مقاتلي إدارة العمليات العسكرية. في 3 كانون الثاني/يناير، اعتقلت إدارة العمليات العسكرية في البوكمال أكثر من عشرة أشخاص متهمين بقتل عنصرين من قواتها. في 5 كانون الثاني/يناير، شهدت البوكمال حملة أمنية استهدفت عناصر في ميليشيا الدفاع الوطني المعروفين بتجارة المخدرات.
• إدلب: في 15 كانون الثاني/يناير، قُتل شخصان سوريان، أحدهما فتى، في غارة نفذتها طائرة مسيّرة يُعتقد أنها تابعة للتحالف الدولي على أطراف مدينة سرمدا، واستهدفت شخصًا نشط سابقًا في صفوف تنظيم داعش.
2. التوترات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد):
• استمر الاقتتال بين فجر الحرية و(قسد) على محاور مختلفة، ومنها محور سد تشرين.
• شددت (قسد) الإجراءات الأمنية بحق المدنيين في مناطق سيطرتها بالرقة والحسكة.
• شهدت مدينة منبج انفجار سيارة مفخخة بالقرب من المشفى الوطني، وأسفر الانفجار عن إصابات بين المدنيين، وأشارت تقارير أولية إلى ضلوع (قسد) في العملية، حيث استهدف الهجوم عناصر من غرفة عمليات “فجر الحرية”.
• في 28 كانون الثاني/يناير 2025، استهدفت الطائرات الحربية التركية مواقع تابعة لـ(قسد) في محيط بلدة عين عيسى شمال الرقة، وتزامن ذلك مع قصف مدفعي من الجيش الوطني السوري، ما أدى إلى تدمير مستودع ذخيرة وأسلحة ثقيلة لقوات (قسد).
3. التحركات الإسرائيلية:
• القصف: قصف الطيران الإسرائيلي معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية قرب مدينة السفيرة في حلب (3 كانون الثاني/يناير).
• التوغل والانتشار: واصلت القوات الإسرائيلية توغلاتها في الشريط العازل.
◦ توغلت قوات إسرائيلية في بلدتي جباتا الخشب والرفيد في محافظة القنيطرة، وأجرت عمليات تفتيش في المنازل.
◦ ألقت القوات الإسرائيلية قنابل ضوئية في سماء قرية معرية في منطقة حوض اليرموك بمحافظة درعا (24 كانون الثاني/يناير).
◦ بدأت القوات الإسرائيلية إنشاء مهبطين للطيران المروحي في بلدتي جباتا الخشب وحضر في محافظة القنيطرة.
◦ ركبت القوات الإسرائيلية أعمدة كهرباء على الطريق الذي يربط الشريط الحدودي بثكنة الجزيرة على أطراف قرية معرية بحوض اليرموك (25 كانون الثاني/يناير).
◦ توغلت القوات الإسرائيلية في بلدة طرنجة بمحافظة القنيطرة، بالتزامن مع إطلاق نار عشوائي وقنابل مضيئة (31 كانون الثاني/يناير).
◦ في 2 كانون الثاني/يناير، انسحب الجيش الإسرائيلي من محيط مبنى محافظة القنيطرة ومبنى المحكمة، وذلك للمرة الأولى منذ بدء توغله.
• الاعتقالات: اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفي الفرنسي سيلفان ميركاديه والمحامي محمد فياض من القنيطرة أثناء تغطيتهما التوغل البري الإسرائيلي في بلدة الحميدية (8 كانون الثاني/يناير)، وأفرج عنهما في اليوم نفسه.
◦ اعتقلت 5 أشخاص يعملون في رعي المواشي من بلدة صيدا الحانوت بالقنيطرة واقتادتهم إلى الجولان المحتل (22 كانون الثاني/يناير).
• مطالب الإفراج: توجه وفد من وجهاء منطقة حوض اليرموك إلى نقطة تابعة للأمم المتحدة للمطالبة بالإفراج عن الشاب خليل العارف وتوضيح أسباب اعتقاله، بعد اعتقاله في بلدة عابدين (25 كانون الأول 2024/ يناير 2025).
ثانياً: التطورات الإدارية والحوكمية
استمرت الحكومة الجديدة في جهود ضبط أجهزة الدولة وترميمها وإعادة هيكلتها، وسط قرارات إدارية وتنظيمية واسعة.
1. القرارات الإدارية والتعيينات:
• الهيكلة العامة: أصدرت وزارة المالية ثلاثة قرارات إعفاء من الغرامات والرسوم والضرائب يستفيد منها المكلفون إذا سارعوا بالتسديد قبل نهاية آذار/مارس.
• التوظيف والكوادر: صدر قرار بإنهاء عقود 183 موظفًا في سلك القضاء بعدلية اللاذقية مطلع كانون الثاني/يناير 2025. كما تم إنهاء عقود نحو 280 عاملًا ومنح إجازات مأجورة لنحو 900 عاملًا في الشركة السورية للنفط والغاز ونقل النفط في محافظة طرطوس. وعمدت وزارة العدل إلى إنهاء تكليف 14 من القضاة بصفتهم محامين عامين أول في جميع المحافظات.
• المحافظون: تم تعيين محمد عثمان محافظًا للاذقية مكان حسن صوفان، وعلي كدة وزيرًا للداخلية، ومحمد عبد الرحمن محافظًا لإدلب، وعزام غريب محافظًا لحلب.
• التعليم: أصدرت وزارة التعليم العالي قرارًا يقضي بالاعتراف بمعظم الجامعات في سورية، ومنها جامعات أُسّست بعد الثورة في المناطق المحررة، في حين لم تعترف بجامعات عدة مثل جامعات شام والزيتونة. وفي وقت لاحق، استجابت الوزارة للاحتجاجات وأصدرت بيانًا يطلب من تلك الجامعات تجهيز أوراقها لدراسة إمكانية منحها الاعتراف الرسمي.
• المؤسسات المدنية: تم إيقاف عمل بعض المنظمات التابعة لأشخاص من نظام الأسد، مثل مؤسسة (قناديل) في ريف دمشق.
• في 29 كانون الثاني/يناير 2025، اختير أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية، وأُلغي العمل بالدستور، وحُلّ حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع.
2. إصلاحات القطاع الاقتصادي والمالي:
• القطاع المصرفي: أصدر مصرف سوريا المركزي القرار رقم /230/ل/1 بإصدار نشرة يومية رسمية لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، تُعد مرجعًا معتمدًا لتسعير العملات.
• الجمركة والصناعة: أعلنت هيئة المنافذ البرية والبحرية إعفاء الصناعيين من الرسوم الجمركية إذا أرادوا استيراد خطوط إنتاج أو آلات. صدرت قائمة جديدة بالرسوم الجمركية وعُمّمت على جميع المعابر. حلّت وزارة الصناعة غرفة تجارة وصناعة إدلب الموجودة في حماة، ونقلت أعمالها إلى غرفة إدلب.
ثالثاً: التطورات السياسية والاجتماعية
تميز يناير/كانون الثاني بظهور مؤشرات على الانفتاح السياسي والاجتماعي، مع غياب التضييق على الحريات.
1. الحريات والمجتمع المدني:
• لم تُسجّل أي قوانين مقيدة للحريات.
• توسعت رقعة النشاط المدني في عدة مدن، وشملت فعاليات ثقافية ومعارض فنية.
• عُقدت فعاليات واجتماعات لتيارات وأحزاب سياسية عدة دون قيود.
• أعادت المؤسسات والمنظمات في درعا والسويداء تفعيل نشاطها، بعد عدم قدرتها على العمل في الشهر السابق.
• تم إلغاء المواد المرتبطة بالنظام السابق مثل القومية، ورفع أعلام الثورة السورية في المدارس والصفوف.
2. العلاقات الخارجية والدبلوماسية:
• الولايات المتحدة: أصدرت الخزانة الأميركية في 6 كانون الثاني/يناير 2025، قرارًا يتضمن إعفاءات تهدف إلى تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية وتخفيف العقوبات لمدة 6 أشهر.
• المانيا وإيطاليا وتركيا: زار وفد ألماني درعا. استقبل محافظ حلب وفدًا من السفارة الإيطالية بدمشق. التقى النائب عن حزب العدالة والتنمية التركي “ظافر سيركايا” مع محافظي حلب وحماة بشكل منفصل.
• لبنان: في سياق متصل، التقى وفد تقني من وزارة الخارجية السورية في 4 كانون الثاني/يناير عضو المجلس الرئاسي في ليبيا “عبد الله اللافي”.
رابعاً: التطورات الاقتصادية والخدمية
1. الأسعار والوضع المعيشي:
• انخفضت أسعار السلع والمواد الغذائية في معظم المناطق مقارنة بما كانت عليه في عهد النظام البائد.
• يعزى انخفاض الأسعار إلى انخفاض سعر صرف الدولار، وإزالة الحواجز الأمنية التي كانت تفرض إتاوات على البضائع، ودخول سلع من تركيا والأردن.
2. الطاقة والمحروقات:
• أعلن وزير النفط فتح المجال أمام القطاع الخاص لاستيراد المواد البترولية دون السماح بتوزيعها.
• تم تفريغ ثلاث ناقلات نفط بحمولة تعادل 15 ألف طن تقريبًا.
• أعلنت الوزارة تحديد أسعار المحروقات بالدولار الأميركي.
3. الخدمات والبنية التحتية:
• استأنفت المدارس والجامعات عملها بعد سبعة أيام من سقوط النظام.
• عادت البنوك والمؤسسات المالية للعمل اعتبارًا من 15 كانون الأول/ديسمبر 2024 (يشار إلى ذلك في سياق مطلع يناير).
• استؤنف عمل البلديات تدريجيًا لتسيير سيارات القمامة في المدن الكبرى.
• لا تزال الاتصالات تعاني ضعفًا في قوة الشبكة وانقطاع الإنترنت في بعض الأحياء بسبب سرقة الأكبال.
• وقّعت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وبعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر اتفاقيات مشاريع التعاون لعام 2025، تهدف إلى مواصلة الشراكة الإنسانية في 15 مجالًا لدعم المتضررين.
