أغسطس 14, 2024

التطبيع في سوريا: فشل الدبلوماسية الدفاعية

في أواخر شهر مايو/أيار 2024، عيّنت السعودية أول سفير لها في سوريا منذ أن أغلقت سفارتها في دمشق قبل 12 عامًا. ولم تكن عودة السفير السعودي سوى الخطوة الأخيرة من جانب الدول العربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد

ستيفن هايدمان – 2 آب/أغسطس 2024

مترجم عن معهد بروكينجز

في أواخر شهر مايو/أيار 2024، عيّنت المملكة العربية السعودية أول سفير لها في سوريا منذ أن أغلقت سفارتها في دمشق قبل 12 عامًا. ولم تكن عودة السفير السعودي سوى الخطوة الأخيرة من جانب الدول العربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد. 

ففي عام 2018، كانت الإمارات العربية المتحدة أول من أعاد العلاقات مع دمشق (رغم أنها لم ترسل سفيرًا إلى سوريا إلا في يناير/كانون الثاني 2024)، حيث أطلقت خطوة الإمارات العربية المتحدة عملية إعادة تأهيل لنظام عومل باعتباره منبوذًا إقليميًا منذ عام 2011 بسبب قمعه الوحشي للاحتجاجات الجماهيرية. 

وتبعتها جهات إقليمية أخرى، بما في ذلك الأردن والبحرين، إلا أن التطبيع لم يكتسب زخمًا حقيقيًا إلا في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في فبراير 2023. 

وبعد أشهر قليلة، في مايو 2023، صوتت جامعة الدول العربية على قرار استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، منهية بذلك تعليقاً لعضوية سوريا في الجامعة العربية يعود تاريخه إلى عام 2011.

بالإضافة إلى ذلك، أنشأت العديد من الدول العربية، بما في ذلك الأردن والمملكة العربية السعودية والعراق ولبنان ومصر، لجنة اتصال عربية بشأن سوريا للتفاوض على عودة سوريا إلى الحظيرة العربية، وهو ما جاء مصحوباً باحتمال تزويد سوريا بالدعم المالي الذي تحتاجه بشدة. 

ومنذ ذلك الحين، عاود بشار الأسد مشاركته في اللقاءات الإقليمية بشكل روتيني، بما في ذلك القمة الطارئة في نوفمبر 2023 بشأن غزة حيث ندد بالعنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين – متناسياً تواطئه المباشر في القتل الوحشي لمئات الآلاف من المدنيين السوريين.

لقد بدأ جيران سوريا في تطبيع علاقاتهم مع دمشق بعد سنوات من العزلة والإجراءات العقابية التي فشلت في إحداث تغيير في سلوك نظام الأسد، بينما تتزايد مخاوفهم بشأن الآثار الجانبية للأزمة الاقتصادية السورية على الاستقرار الإقليمي.

وتمثلت الجزرة التي قدموها، كما زعموا، في أن نهج حوافز متدرجة تقدم للأسد، من الممكن أن يحقق ما لم تحققه سياسة تعتمد على العصي.

وتضمنت الأجندة العربية ثلاث قضايا ملحة بشكل خاص: الحاجة إلى تهيئة الظروف التي تسمح بالعودة الآمنة للاجئين؛ وإنهاء أو على الأقل الحد من إنتاج وتهريب الكبتاجون، وهو مخدر كان يتدفق إلى المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية؛ واحتمال أن تؤدي العودة إلى الحظيرة العربية، -إلى جانب أموال الخليج-، إلى تقليص نفوذ إيران في سوريا.

اليوم وبعد مرور عام على عودة النظام إلى الجامعة العربية، ما الذي أحدثه التطبيع؟ لقد منح التطبيع الاعتراف والشرعية لنظام قاتل، وفشل في كل النواحي الأخرى. 

فقد اتخذت الأنظمة العربية خطوات أحادية الجانب دون أي تحركات مقابلة من جانب الأسد. فلم يؤد التطبيع إلى أي تقدم ملموس نحو الأهداف التي سعى إليها أعضاء لجنة الاتصال العربية. إذ يتعرض اللاجئون الذين أجبروا على العودة إلى سوريا من لبنان للاعتقال والتعذيب، والغالبية العظمى غير راغبة في المخاطرة بالعودة الطوعية. بينما تستمر كميات هائلة من الكبتاجون في التدفق عبر حدود سوريا، بدعم مباشر ومشاركة من شخصيات بارزة في النظام بما في ذلك شقيق الرئيس ماهر الأسد. وفي غياب أي محاولة جادة من جانب النظام للقضاء على التهريب، وجدت الأردن نفسها مضطرة لمهاجمة مواقع لإنتاج المخدرات داخل سوريا، وأسقطت طائرات بدون طيار تحمل المخدرات، ونشرت جيشها لمواجهة عصابات التهريب المسلحة التي تحاول اختراق الحدود، كما لم تكن استراتيجية خطوة مقابل خطوة ذات فعالية في تخفيف النفوذ الإيراني في دمشق. 

وفي مواجهة تعنت الأسد، انقلب التفاؤل الحذر الذي ظهر في العام الماضي إلى اعتراف قاتم بحدود التطبيع وعمق عناد نظام الأسد. ففي السابع من مايو/أيار 2024، أي بعد مرور عام واحد على استعادة جامعة الدول العربية لعضوية سوريا، علقت لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا اجتماعاتها. ورغم أنه تم الإعلان عن اجتماع مستقبلي في بغداد ، ولكن لم يتم تحديد موعد له بعد.

وعلى الرغم من إخفاقاتها، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن الأنظمة العربية ليست مستعدة بعد لإعادة التفكير في تعاملها مع نظام الأسد. وبدلاً من ذلك، فقد قامت بترسيخ التطبيع كشكل طبيعي من أشكال السياسة. فلم تكتف المملكة العربية السعودية بإعادة وفد دبلوماسي إلى دمشق في أواخر مايو/أيار، بل وعمدت الى مخالفة العقوبات الأمريكية أيضًا عبر إرسال قطع الغيار التي يحتاجها النظام للحفاظ على أسطوله من الطائرات المدنية المتدهور بشدة، كما استؤنفت الرحلات الجوية بين دمشق والرياض،

والواقع أنه ومع تعثر المفاوضات الجماعية، فقد غيرت الأنظمة العربية مسارها، لتركز على تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز مصالحها الخاصة. 

وحتى قبل إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أنشأت عُمان وسوريا لجنة مشتركة عُمانية سورية، وزار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دمشق في منتصف عام 2023 -وهي أول زيارة من نوعها منذ أكثر من 10 سنوات- بينما أجرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مؤخرًا مناقشات حول تعزيز العلاقات الثنائية مع نظرائه من مصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة.

وفي الوقت الذي تواصل فيه سوريا المشاركة في القمم الإقليمية، بما في ذلك اجتماع جامعة الدول العربية الأخير في المنامة، فلا شك أن الأسد يفضل التعامل مع الدول المجاورة على أساس ثنائي وليس متعدد الأطراف. ولا سيما أن هذا النهج يمكّن الأسد من إعطاء الأولوية للتواصل الدبلوماسي.

وفي إشارة إلى تجاهله النسبي لأولويات الأردن -باعتبار أن عمّان من أشد المنتقدين لتورط نظام الأسد في تجارة الكبتاجون، ويقال إنها قادت الجهود الرامية إلى تعليق عمل لجنة الاتصال العربية- فقد بدا أن العلاقات الأردنية السورية أكثر برودة من علاقات النظام مع دول الخليج. 

ولا يعني أي من هذا أن الأنظمة المجاورة قد وضعت جانباً انعدام ثقتها العميق في الأسد. والواقع أن أنظمة الخليج تفضل تعريف نهجها تجاه سوريا باعتباره نهج المشاركة أو “عدم العزلة” بدلاً من التطبيع. بالمقابل يشكو المسؤولون السوريون بهدوء من رفض أنظمة الخليج تقديم دعم مالي كبير لدمشق.

وبالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى عزلة نظام الأسد ومعاقبته كاستجابة ضرورية لسلوكه -ودوره الموثق في العنف الجماعي والجرائم ضد الإنسانية التي تشمل أكثر من 300 استخدام معروف للأسلحة الكيميائية ، ورفضه المستمر لتقديم معلومات عن مصير أكثر من 125000 معتقل محتجزين في نظام سجون وصفته هيومن رايتس ووتش بأنه ” أرخبيل التعذيب “، وسرقته المنهجية لممتلكات النازحين قسراً ، ودوره في تجارة الكبتاجون- فقد أثبت التطبيع أنه نتيجة خاسرة للجميع. فهو يكافئ إجرام النظام، ويقوض احتمالات المساءلة، ويسهل تجنب العقوبات. لذا فإن المعنى الحقيقي خلف استراتيجية “شيء مقابل لا شيء” هذه، هو أنها عملية تملص بامتياز.

وعلاوة على ذلك، فإن الإصرار على التطبيع له عواقب وخيمة على الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. فسوف تتعثر جهود الحكومات المجاورة التي تعمل على الحد من تدفقات المخدرات غير المشروعة بسبب رفض نظام الأسد اتخاذ إجراءات صارمة ضد تجارة المخدرات. وعلى نحو مماثل، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الحوافز المقدمة في مقابل التطبيع سوف تقنع نظام الأسد بتغيير مساره وخلق الظروف المواتية للعودة الطوعية للاجئين. وفي كل الأحوال، سوف تدفع الحكومات العربية ثمناً باهظاً للانغماس في عملية تطبيع كانت متساهلة إلى حد معيب في مغازلتها لنظام الأسد.

وبعيداً عن جيران سوريا، فقد أعطى خطاب التطبيع رخصة لقادة اليمين المتطرف في أوروبا للضغط من أجل عودة اللاجئين السوريين ورفض طلبات اللجوء التي تقدم بها السوريون، ففي أوائل يونيو/حزيران 2024، أكد مسؤولون من سبع دول أوروبية -النمسا، وجمهورية التشيك، وقبرص، واليونان، وإيطاليا، ومالطا، وبولندا-، أن الظروف في البلاد “تطورت” بما يكفي لإعادة النظر في وضع اللاجئين السوريين. ومؤخرا، قضت محكمة ألمانية بأن سوريا أصبحت الآن آمنة لعودة اللاجئين ، وهو ما يتناقض مع الحقائق على الأرض. 

إن الترياق الواضح لاستراتيجية تمنح نظام الأسد فوائد سخية دون الحصول على أي شيء في المقابل هو وقفها. ولقد حان الوقت للحكومات الإقليمية للاعتراف بعدم جدوى التطبيع وتغيير المسار.

جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، يحتاج جيران سوريا إلى التأكيد على أن نظام الأسد سيدفع بنفسه، وبشكل مباشر، ثمنًا باهظًا لاستمراره في رفض التعاون سواء فيما يتعلق باللاجئين، أو الكبتاجون، أو القضية الأكبر المتمثلة في إيجاد طريق للخروج من الصراع بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.

إن نظام الأسد ليس طبيعيًا. ولن يستفيد جيرانه من التظاهر بأنه كذلك.

من جانبها، سيكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تبذل جهوداً أكثر حزماً لعكس مسار التطبيع وتأكيد وضع نظام الأسد كدولة منبوذة. وينبغي أن تتم هذه التحركات الآن، قبل تغير الادارة الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2025، عبر نشر الأدوات الدبلوماسية المتاحة لها -بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية الأكثر قوة من خلال العقوبات المفروضة من قِبَل أطراف ثالثة- للتأكيد بشكل أكثر حزما على نواياها فيما يخص عرقلة عملية التطبيع المعيبة بشدة. 

حتى الآن، اكتفت الإدارة إلى حد كبير بالنفوذ المحدود الذي منحه لها الكونجرس من خلال قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين. ولم تفعل أكثر من التعبير عن التشكك في التطبيع مع توضيح أنها لن تفعل شيئا لمعارضته. ففي مارس/آذار 2023، قالت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى “باربرا ليف” إن رسالة الإدارة الأمريكية كانت “إذا كنت ستتعامل مع النظام، فاحصل على شيء في المقابل”، الآن ومع وجود الأدلة على فشل التطبيع، فقد حان الوقت للإدارة الأمريكية أن تبتعد عن الهامش، وتستعيد أي نفوذ يمكنها حشده، وتحث مجلس الشيوخ على عدم عرقلة قانون مكافحة التطبيع مع نظام الأسد، وتستفيد من الحدود الواسعة للعقوبات التي وقعها الرئيس جو بايدن كقانون من خلال قانون قيصر، لردع الأطراف الثالثة(الجهات الأخرى) عن التعامل مع نظام الأسد. 

مع عدا ذلك، فإن البديل هو مضي الأسد في استعادة مكانته ببطء، مما يعرض اللاجئين العائدين قسراً لعنف النظام، واستمرار تدفق الكبتاجون خارج سوريا واستمرار معاناة عامة السوريين.


ستيفن هايدمان: زميل أول غير مقيم – السياسة الخارجية، مركز سياسة الشرق الأوسط

الآراء‭ ‬والمصطلحات‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الترجمة‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬بالضرورة‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬وتوجهات‭ ‬مركز‭ ‬إدراك‭ ‬للدراسات‭ ‬والاستشارات

ضع تعليقاَ