نشر مركز “كارنيغي” للدراسات تحليلا حول آفاق ومشاكل وعقبات المحادثات السورية في أستانا، التي تجمع كلا من روسيا وإيران وتركيا وسوريا؛ متمثلة في المعارضة والنظام.
في هذا الصدد، ذكر المحللون والخبراء العسكريون والسياسيون، أن محادثات أستانا أظهرت تعاونا بين روسيا وتركيا وإيران حول الشأن السوري. ومما لا شك فيه، أن هذه المبادرة السياسية الحاسمة في تطور الأحداث السورية، التي قدمتها ثلاثة أطراف غير عربية؛ الأتراك، الروس، الإيرانيون، بحاجة إلى دعم من الدول العربية. ولذلك، فمن المهم انضمام الأردن، والسعودية، وبعض دول الخليج العربي الأخرى. والجدير بالذكر، أن الجولة الجديدة من المفاوضات في جنيف، ستكون اختبارا جيدا لخطورة التنسيق في أستانا.
في منتصف الشهر الجاري، أقيمت جولة جديدة من المحادثات السورية في أستانا، ويرى الكثيرون أن هذه المحادثات هي محاولة من موسكو لإبراز دورها الرائد، وخلق بديل لمحادثات جنيف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. مع ذلك، لا يمكن الإقرار بأن أستانا ستلغي جنيف، فالأهداف الرئيسية لاجتماع أستانا تسعى لخلق منصة جديدة وإضافية للأطراف المشاركة في الصراع السوري، إذ تمنحهم هذه المحادثات فرصة لمناقشة القضايا الهامة والتفاصيل الدقيقة، والاستعداد للتوجه فيما بعد إلى اجتماع جنيف لإجراء المزيد من المناقشات والتوصل إلى حلول مناسبة.
وفي السياق نفسه، يلتقي في أستانا ممثلون عن المعارضة السورية والحكومة السورية للمرة الأولى منذ عدة سنوات، ليستمعوا إلى بعضهم البعض. تلك المعارضة السورية المسلحة، التي تلعب دورا مؤثرا وفاعلا في سوريا على المستوى العسكري، والتي تمكنت من الالتزام بالهدنة المقترحة في أستانا، خلال المحادثات الأولى.
بالإضافة إلى ذلك، يشارك اللاعبان الإقليميان الأكثر فعالية في الحرب السورية؛ تركيا وإيران، في المحادثات، وقد لعبا دورا كبيرا في التوصل لجمع الأطراف المتنازعة والتوسط فيما بينها، وبالتالي التوصل إلى اتفاق الهدنة. كما تخلق مفاوضات أستانا جوا أكثر ملاءمة لإجراء المحادثات في جنيف.
وعلى الرغم من رفض بعض فصائل المعارضة السورية المشاركة في المفاوضات، إلا أن فصائل أخرى أعلنت مشاركتها. ويذكر أن من أهم أسباب رفض بعض فصائل المعارضة السورية المشاركة في هذه المحادثات، عدم ثقتها فيما يخص الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وعدم إطلاق سراح أسرى الحرب، وحصار بعض المناطق من طرف قوات النظام السوري، بدعم من الجيش الروسي والإيراني.
وعلى الرغم من مشاركة الدول الثلاث العاملة على إنجاح هذه المحادثات؛ روسيا وإيران وتركيا، إضافة إلى حضور ممثلين عن الحكومة السورية والأمم المتحدة والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين يعتبرون المحدثات غير فاعلة دون مشاركة المعارضة.
فضلا عن ذلك، ومع عدم مشاركة المعارضة، شمل جدول أعمال المحادثات الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى مناقشة بقية المشاركين. ومن بين تلك المشاكل والقضايا الهامة، رسم خرائط للتخلص من الجماعات الإرهابية، ومسألة الأكراد، وتنسيق العمل المشترك في محاربة الإرهاب.
علاوة على ذلك، يعد انضمام الأردن إلى عملية التفاوض دليلا على أن الأبواب مفتوحة أمام كل من يريد المساهمة في تسوية الوضع في سوريا. أما مشاركة المسؤولين الأمريكيين في المفاوضات، فتعبر عن رغبة واشنطن في مواكبة التغييرات في سوريا، إلا أن فريق وزارة الخارجية الأمريكية لا يعد منسقا بشكل كامل، كما أن إدارة ترامب تعيش العديد من المشاكل الداخلية.
من جانب آخر، أصبح الوجود العسكري الروسي في المنطقة محدودا؛ فبالإضافة إلى التخفيض من القوات الجوية وعدد المدربين العسكريين للجيش السوري، يوجد عدد محدود من القوات الخاصة الروسية. ويذكر أن أسباب وجودهم تقتصر على ضمان تنفيذ العمليات الإنسانية، والمصالحة بين الأطراف المتحاربة.
والجدير بالذكر، أن الوجود العسكري الروسي المكثف لم يعد يخدم مصلحة روسيا لعدة أسباب؛ أهمها أن القوة العسكرية الروسية على الأراضي السورية تكلف الميزانية الروسية الكثير، وتمثل عبئا على الاقتصاد الروسي. إلى جانب ذلك، أدى تنامي الوجود العسكري الروسي في سوريا إلى خلق مشاعر السخط بين الشعب الروسي على سياسة بلادهم.
في هذا السياق، علينا أن نتذكر موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا، المزمع إجراؤها في آذار/مارس من السنة القادمة 2018، لذا من غير المرجح أن يخاطر فلاديمير بوتين بمستقبله السياسي، ويقدم على التوسع في عملية توسعية خطيرة في سوريا. فضلا عن ذلك، يعد تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في أسرع وقت ممكن من مصلحة موسكو؛ إذ ستظهر للناخبين الروس النتائج الإيجابية لتدخل بلادهم العسكري. وعلى هذا الأساس، يمكن افتراض مواصلة روسيا العمل بمرونة إلى حد ما.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن واشنطن تحاول إبراز نفسها على الساحة السياسية في سوريا منذ بدء الصراع السوري سنة 2011. وتقدم الدعم المالي للمعارضة المعتدلة، التي تحولت في نهاية المطاف، إلا أن كل جهود الولايات المتحدة الأمريكية باءت بالفشل، ما أدى إلى التخفيض التدريجي لحجم تورط واشنطن في الشرق الأوسط. والجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لم تسمح بوضع إستراتيجية مستدامة في سوريا، على عكس العراق.
في الوقت الراهن، المجموعة الوحيدة التي تدعمها واشنطن على الأراضي السورية هي الأكراد السوريون. ويذكر أن أكراد سوريا من القوى الفاعلة في محاربة الإرهاب، لذا تمنحهم الولايات المتحدة كل ما هو ضروري؛ من أسلحة ومستشارين عسكريين وأموال، دعما لنفوذها في المنطقة أيضا.
بشكل عام، بالإضافة إلى الأكراد السوريين، يوجد غيرهم من اللاعبين الفاعلين والقادرين على تغيير الوضع في سوريا، ومن بين أولئك اللاعبين إيران والميليشيات العسكرية الشيعية، التي تدعم “حزب الله”، بالإضافة إلى الجيش التركي وجماعات المعارضة السنية، علاوة على جيش النظام السوري، الذي يحظى بدعم من إيران وروسيا.
وعلى الرغم من أن مفاوضات أستانا تمتلك العديد من المزايا والعيوب، إضافة إلى الإمكانات الكبيرة التي تحظى بها هذه المفاوضات، إلا أنها تفتقر للشرعية من وجهة نظر الشارع العربي، خاصة أن البلدان الثلاثة التي تسهر على نجاح هذه المفاوضات ليست عربية. ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإن الغالبية العظمى من البلدان العربية تعتبر الدور الروسي في المنطقة سلبيا.
وفيما يتعلق بالمبادرة الروسية التركية الإيرانية، فهي بحاجة ماسة إلى دعم من الدول العربية، وخاصة الأهم والأكثر تأثيرا منها، على غرار المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج. ومن المنطقي مشاركة الدول العربية لمحاولة حل النزاع في سوريا؛ إذ يعتبر انضمام الرياض إلى مفاوضات أستانا، دعما وتعزيزا لشرعية هذه المفاوضات.
ولهذا، يعد من المهم أيضا، انضمام الأردن إلى محادثات أستانا. ونظرا للعلاقة بين الأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ككل، أصبحت المملكة الأردنية تلعب دور الوسيط بين قوى المعارضة المسلحة في جنوب سوريا والمفاوضين. علاوة على ذلك، ونظرا لحدوده المشتركة مع سوريا، يمكن أن يساهم الأردن في الحد من التوترات بجنوب سوريا.
في كل الحالات، فإن المبادرة التي أطلقتها روسيا وتركيا وإيران، ساهمت في خلق منصة جديدة للنقاش، وإطلاق العملية السياسية، واستئناف المفاوضات في جنيف. كما توجد فرصة كبيرة لانضمام الدول العربية إلى عملية أستانا، إذا تأكدت من مدى فعالية هذه المفاوضات. وفي غضون ذلك، فإن الكثيرين يعتمدون على جهود موسكو وأنقرة وطهران، ومدى قدرتها على تقديم التنازلات.