تواجه سوريا أزمة مائية حادة ومتعددة الأبعاد، تفاقمت خلال العقد الماضي جراء تداخل عوامل المناخ المتغير، النزاع المسلح المدمر، وسوء الإدارة المزمن للموارد. وفقاً لتقارير حديثة، انخفض نصيب الفرد السنوي من المياه العذبة إلى أقل من 500 متر مكعب، متجاوزاً بذلك عتبة “الفقر المائي” حسب المعايير الدولية، مع استمرار هذا التراجع في عام 2025 بفعل جفاف تاريخي هو الأشد منذ الخمسينيات.
شهدت البلاد، خلال السنوات الماضية، موجات جفاف متواصلة بلغت ذروتها في شتاء 2024-2025، الذي كان الأكثر جفافاً منذ 1956، مما أدى إلى انخفاض غير مسبوق في تدفق الأنهار والسدود، وجفاف الينابيع الرئيسية مثل عين الفيجة في دمشق (من 10-20 متر مكعب/ثانية إلى 2 متر مكعب/ثانية فقط).
هذا الجفاف أدى إلى تراجع إنتاج المحاصيل الأساسية، مثل القمح، بنسبة تصل إلى 40%، مما يهدد أكثر من 16 مليون سوري بانعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات الأمم المتحدة، كما يعاني أكثر من نصف السكان من انقطاع منتظم في مياه الشرب الآمنة، إذ أدى الصراع وسياسات نظام الأسد، إلى خروج ثلثي محطات معالجة المياه ونصف محطات الضخ عن الخدمة، مع تفاقم الوضع بسبب تدمير البنية التحتية في 2025.
أدى انخفاض تدفق نهر الفرات إلى أقل من نصف المستويات المتفق عليها دولياً إلى ارتفاع مستويات الملوثات وانتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل تفشي الكوليرا في نهاية 2022 (حوالي 50 ألف حالة مشتبهة و98 وفاة)، بالإضافة إلى حالات التهاب الكبد الوبائي الناتجة عن اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي في مناطق متعددة. في 2025، استمر هذا التهديد مع زيادة الحالات في الشمال الشرقي، مثل دير الزور والحسكة، حيث يعتمد الملايين على شاحنات المياه الباهظة التكلفة.
لا تقتصر هذه الأزمة على الجوانب الصحية والغذائية فحسب، بل تمتد إلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي؛ فقد فقد آلاف المزارعين مصادر رزقهم، مما دفع أسر ريفية كاملة إلى النزوح بحثاً عن الماء والعيش. هذه التحديات تحول أزمة المياه في سوريا إلى قضية أمنية وبيئية كبرى تتطلب تدخلات عاجلة مبنية على أسس علمية ودولية.
يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على طبيعة الأزمة، كما يتناول أبرز التحديات، ويمر سريعاً على الجهود المبذولة في هذه الفترة لاستصلاح قطاع المياه، مع اقتراح توصيات وإجراءات على المدى القصير والمتوسط، مستفيداً من تجارب دولية ناجحة في إدارة الشح المائي، لتعزيز الأمن المائي والاستدامة في سوريا.

