عن موقع (Live Leak)
تزامنًا مع مرور 100 عام على توقيع معاهدة سايكس – بيكو وبالترافق مع الذكرى الخامسة لاندلاع أحداث الثورة السورية، أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على نيته البدء بالتحرك لتطبيق خطة بديلة تفضي إلى تقسيم سوريا في حال فشل وقف إطلاق النار أو في حال فشلت السوريين في الاتفاق على حكومة انتقالية حقيقية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وأضاف كيري في حديثه:” سيكون من الصعب علينا الحفاظ على سوريا إن تأخرنا أكثر من هذا” وأشار كيري أيضًا إلى أن هناك مناقشات واسعة تجري الآن حول إيجاد خطة بديلة في حال ما فشلت المفاوضات الحالية. وبالتزامن مع مرور 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو والذكرى الخامسة لاندلاع الثورة السورية يبدو أن الولايات المتحدة تحاول الإبقاء على الوضع الحالي بغض النظر عن أي معوقات.
يستند وقف إطلاق النار الذي سعت إليه الولايات المتحدة طويلًا على تفاهمات مؤتمر فينا الذي عقد في ديسمبر 2015، والتي هي نفس التفاهمات التي وجدت سابقًا منذ مؤتمرات جنيف وجرى تداولها بشكل كبير.وعبر كل هذه المؤتمرات والمفاوضات التي جرت بين فصائل المعارضة والنظام، كانت توجه الدعوات انتقائيًا لفصائل المعارضة ولعدد محدود منها بحيث تستهدف الجماعات الداعمة لهذا البرنامج.
ووفق متابعين فإن الاستراتيجية المتبعة هي ضم أعضاء النظام المنشقين أو السابقين إلى محادثات جنيف واستبعاد المعارضين الرافضين بشدة لبقاء الأسد منها ووصفهم بالإرهابيين كدعم للموقف الأمريكي في الحفاظ على سيطرة النظام، ولا يمكن تصنيف وقف إطلاق النار الحالي بشكل متناقض مع هذه السياسة إذ يحقق بشكل أساسي أهداف الاستراتيجية الأمريكية في سوريا.
وظهر هذا جليًا في تغطية قناة الجزيرة الإخبارية حيث وصفت في إحدى تقاريرها:” في بداية الصراع، وقفت الولايات المتحدة ضد بشار الأسد علنًا، لكنها أبقت قيودًا عديدة على المعارضة وقدمت وعودًا كاذبة لهم. والآن بات يظهر الموقف الأمريكي الحقيقي أمام الجميع، فالولايات المتحدة لن تقف ضد الأسد بل إنها الآن تقبل به وتشاركه طاولة مفاوضات واحدة بل وتعتبره زعيمًا لسوريا”.
ولبعض الوقت، شكلت سياسة تقسيم سوريا، وبشكل أعم المنطقة العربية، سياسة عامة للولايات المتحدة. أما اليوم، فإن المسؤولين الأمريكيين باتو ينفثون الرماد في خططط عفا عليها الزمن لالتهام العالم العربي لتحقيق الطموحات الأمريكية لكن دون الحديث عنها علنًا. استخدمت الولايات المتحدة مصطلحات متعاقبة ك” غرق في الرمال” و”قوس الأزمة” “البلقنة” و” الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” وكانت كل هذه المحاولات تهدف للابتعاد عن اتفاقية سايكس بيكو التي وجدت في العام 1916 وكانت تهدف إلى حماية سيادة ومصالح أوروبا في المنطقة وهو الإرث الاستعماري الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم.
وفي عام 2006، قام اللفتنانت كولونيل المتقاعد رالف بترزز بتوضيح ما اسماه بـ” حدود الدم” في مقال نشره في مجلة القوات المسلحة والتي شرح فيها أن هذه الحدود تنتج من إعادة تشكيل الحدود الآسيوية والشرق أوسطية عبر تداخلات عرقية وطائفية وقبلية.
تفكيك سوريا وجزء كبير من الشرق الأوسط كان منتظرًا من قبل المحافظين الجدد وتحديدًا من قبل بوش الذي حاول وفق وثيقة كشف عنها تحمل اسم ” استراتيجية جديدة لتأمين فضاء الشرق الأوسط”. حيث دعا فيها إلى إسقاط صدام حسين وتقسيم سوريا. وتشير الوثيقة إلى استخدام التقسيم كوسيلة للسيطرة على الوضع القائم منذ فترة طويلة كجزء من الأجندة الأمريكية في المنطقة.
ويحتمل فعلًا أن تكون حدود المعارك الحالية في سوريا هي نفسها التي أشارت إليها الولايات المتحدة. فالمناطق الشمالية من سوريا خضعت تاريخيًا لسيطرة العرق الكردي انطلاقًا من الحسكة إلى كوباني فالحدود التركية. أما المناطق الشمالية من محافظة إدلب عبر نهر الفرات إلى الرقة وعلى طول الحدود العراقية السورية تتمتع بأغلبية سكانية سنية.
محور الدولة السورية (على الرغم من كون غالبيتهم سنة) يتمثل في دمشق وحمص وحماة حيث يسيطر نظام الأسد بالإضافة إلى محافظة اللاذقية حيث تقيم الطائفة العلوية السورية، هذه المناطق بإمكانها أن تصبح دولة قائمة بحد ذاتها. هذه الخريطة وإن بدت جديدة إلا أنها فعليًا لا تختلف عن الخريطة الفرنسية الأولية بعد اتفاقية سايكس بيكو. حيث حاول الفرنسيون إجراء هذه التعديلات على خارطة سوريا في محاولة لتسهيل السيطرة عليها خلال عشرينيات القرن الماضي.
وعلى أي حال فإنّ أي خريطة يقترحها كيري ومستشاريه كحل في سوريا عليها أن تجيب السؤال الملح في اختلافها عن الوضع الحالي في شيء؟ وهل ستكون ” الخريطة الجديدة” قادرة على الحياة طويلًا؟.
فشلت سايكس – بيكو سابقًا لانها احتوت على تناقضات كبيرة مع قيم وثقافة الشعوب في المنطقة، وحتى بعد 100 سنة من قيام هذا الاتفاق، ما زالت الحدود التي رسمها لا تحظى باعتراف شعوب المنطقة وهو السبب الرئيسي في الفشل الحاصل اليوم. هدفت هذه الحدود إلى إيجاد مجموعات جديدة لم تكن موجودة في السابق على أمل ترك شعوب المنطقة لهويتها الإسلامية وتبني الهوية القومية. وفعليًا قبل 100 عام لم يكن هناك أي تعريف يشمل ( سوري أو عراقي أو أردني أو لبناني)، فهذه القوميات جاءت – حرفيًا – من العدم.
ما يطرحه المسؤولون الأمريكيون ومؤسسات الفكر والرأي الآن لا يختلف كثيرًا عن السابق، فهو محاولة لتأسيس هويات عرقية وطائفية جديدة في المنطقة. ونسخة أوباما- كيري الجديدة من سايكس بيكو تقوم على إقامة حدود تعتمد مزيدًا من الانقسامات الطائفية والتي في أغلب الظن ستكافح من أجل البقاء لانها تستند على تجمعات لا تملك تأثيرًا كبيرًا في المنطقة ككل وهذا هو السبب الذي سيطيح بمخطط كيري ويدفعه للفشل.
إعلان كيري عن خطته لتقسيم سوريا يأتي في سياق فشل الولايات المتحدة في إجبار فصائل المعارضة السورية في التخلي عن مطلبهم بإحداث تغيير حقيقي في سوريا رغم كل المؤتمرات والضغوطات التي مورست عليهم. وكما تدخل سوريا عها الخامس في الحرب، لم يكن يتوقع أحد أن يستمر الشعب السوري في معركته لخمس سنوات متتالية، بل لم يتوقع أحد أن يسبق الأسد المعارضة في الحصول على دعم خارجي ( روسي) لدعم بقاء نظامه في الحكم.
وقف إطلاق النار الحالي أقرب إلى الفشل منه إلى النجاح على جيمع الأصعدة، وذلك لأنه لا يحتوي على تسهيل لإرادة الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام ولا يأخذ الاتفاق في الحسبان هذه الجماعات ولا إلى حد كبير تحديد مستقبل الثورة في سوريا.