لم تكن الخلافات التي تفجرت بين الفريق الأول عبد الفتاح البرهان -قائد الجيش السوداني- من جهة، وقائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو” الملقّب بـ “حميدتي” من جهة أخرى، وليدة اللحظة، وإنما سبقتها إرهاصات كثيرة وطفت إلى العلن بشكل مطرد منذ أيار/مايو عام 2021، حيث غرقت البلاد في حالة من الفوضى السياسية والاحتجاجات والبيانات المضادة للجيش، وتراجعت نسبة المساعدات الدولية، وبات من الواضح نقص المواد الأساسية كالخبز والوقود، ومن ثم -بعد شهور من المفاوضات- بوساطة من رئيس الوزراء حينها “عبد الله حمدوك”، وأعضاء مدنيين من مجلس السيادة، تم نزع فتيل الأزمة بين البرهان وحميدتي، ووقعت قوى سياسية -خاصة كتلة المعارضة المدنية-، وقوى الحرية والتغيير، والمجلس المركزي، والنظام العسكري، اتفاقية بينية عُرفت باسم “الاتفاق الإطاري” في 5 ديسمبر 2022.
ولكن وبعد هذه المصالحة، ما لبث الطرفان(البرهان وحميدتي) أن توافقا على الانقلاب على الاتفاق، وإنهاء الشراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وسار المخطط التوافقي حتى يوم تنفيذ الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلا أن حميدتي خرج بعد أشهر ليعلن فشل الانقلاب، والعجز عن تشكيل حكومة تنفيذية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وتدهور الأوضاع الأمنية، كما لوحظ تمركزه في إقليم دارفور غربي السودان، حيث أعلن بشكل متكرر انتقاداته لأداء الأجهزة الأمنية الموالية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
لم تنفّذ بنود الاتفاق الإطاري، وبدلاً من ذلك اشتعلت المواجهات بين طرفي السلطة العسكرية في السودان خلال الأيام القليلة الماضية بين الجيش السوداني بقيادة “عبد الفتاح البرهان” الذي يصل عدده بحدود 200 ألف ويتمتع بقدرات تسليحية، وقوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو” التي يصل عددها لحوالي الـ 100 ألف مقاتل، في منعطف خطير يهدد تماسك البلاد.
هذا التقرير يسلط الضوء على أسباب الخلاف وتطوراتها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتسلسل الزمني للأحداث والمآلات المتوقعة ضمن المعطيات الاولية المتوفرة حتى الآن.