يحيى السيد عمر: باحث في الاقتصاد السياسي
أَفْرَزت الأَزْمة السُّوريّة مآسِيَ اجتماعيّة وإِنْسانيّة واقْتِصاديّة عِدّة، الأمر الَّذي انْعَكَس سَلْبًا على حياة السُّوريّين جميعًا، وهذا ما تُوَثِّقُه التَّقارير الأُمَميّة، فبَرْنامَج الغِذاء العالَميّ التّابِع للأُمَم المُتَّحِدة قال: إنَّ أَسْعار المَوادّ الغِذائيّة ارْتَفَعتْ عام 2020م بنِسْبة 247%، فما دَلالة هذا الرَّقْم وما مُسْتَقْبَل الأَمْن الغِذائي للسُّوريّين.
تتَعدَّد الأَسْباب الَّتي تقود أَسْعار المَوادّ الغِذائيّة في سوريا للارْتِفاع، وفي مُقدِّمة هذه الأَسْباب مُعَدَّل التَّضخُّم المُرْتَفِع في سوريا، والَّذي بَلَغ عام 2020م ما يَزيد على 263%، والسَّبب الآخَر انْهيار قِيمة اللّيرة السُّوريّة والَّتي خَسِرت 246% من قِيمتها في ذات العام، الأَمْر الَّذي انْعَكَس مُباشَرة على أَسْعار المَوادّ الغِذائيّة.
ومن أَسْباب هذا الارْتِفاع تَراجُع الإِنْتاج الزِّراعيّ المَحَلّي، وارْتِفاع تَكاليف الاستيراد نتيجة العُقُوبات الدَّوْليّة، فعلى الرَّغْم من أنَّ العُقُوبات الدَّوْليّة تَسْتَثْني المَوادّ الغِذائيّة، فإِنّ العُقُوبات الماليّة والمَصْرِفيّة تُؤَثِّرُ على عَمَليّة الاسْتيراد وتَزيد من صُعُوبتها وتَرْفَع من كُلْفَتِها، الأَمْر الَّذي يَنْعَكِس على أَسْعار المَوادّ الغِذائيّة.
ارْتِفاع أَسْعار المَوادّ الغِذائيّة أَدَّى لِزيادة حِدّة الفَقْر في سوريا، لا سيَّما في ظِلّ تَدَنّي مُسْتَوَى الدُّخُول لأَرْقام قياسيّة، فنِسْبة الفَقْر بَلغَتْ 90%، كما انْعَكَس على تَوافُر المَوادّ الغِذائيّة في الأَسْواق، فغالبيّة المَوادّ تُعاني من شُحّ واضِح، ومن مَظاهِر هذا الشُّحّ الطَّوابير الكبيرة على الخُبْز والَّذي يُعْتَبر أَهَمّ المَوادّ الغِذائيّة.
قد يَكُون التَّساؤُل الأَهَمّ هنا: هل يَتَّجِه الأَمْن الغِذائيّ في سوريا لمَزيد من التَّرَدّي أَمْ أنّ هناك انْفِراجات مُتَوَقَّعةٌ؟
تُشير غالِبيّة المُؤَشِّرات الاقتِصاديّة والسّياسيّة إلى أنّ الأَمْن الغِذائيّ في سوريا يَتَّجِه إلى مَزيدٍ من التَّدَهْوُر، وذلك لعِدّة أَسْباب أهَمّها عَدَم وُجُود إمكانيّة لزيادة مُستَوى الدُّخُول في المَدَى المَنْظُور.
حُلَفاء النِّظام ليْسُوا بأَفْضَل حالٍ اقْتِصاديّ، ممّا يَجْعل الدَّعْم المُقدَّم منهم في الجانِب الغِذائيّ مُنخفِض الفاعليّة، وحتَّى على صَعيد الدَّعْم الماليّ ظُرُوفهم الاقْتِصاديّة تَحُول دُون أيّ دَعْم حَقيقيّ، كما أَنّ التَّضَخُّم من المُتَوَقَّع أنْ يَسْتمِرّ في الارْتِفاع الأَمْر الَّذي سيَنْعَكِس على أَسْعار المَوادّ الغِذائيّةِ.
النِّظام السُّوريّ اسْتَنفَذ غالِبيّة أَوْراقِه في مَجال إيجاد حُلُول للواقِع الاقْتِصاديّ، فمِن غَيْر المُتوقَّع أَنْ يَتمكَّن من دَعْم الأَمْن الغِذائيّ لِلسُّوريّين في مناطِق سَيْطَرته، ولَعَلّ أكثر ما يَسْتَطيع فِعْله أن يقدم زيادات دَوْريّة على الأُجُور، إلّا أَنَّ قيمَتها عادة لا تَتَعَدَّى 20 دُولارًا، وبالتالي هي قاصِرة عن إحداث أيّ تَغْيير إيجابي في الدُّخُول.
يَرْتبِط الأَمْن الغِذائيّ بشكل وَثيق بمُسْتوَى الدَّخْل السّائِد، لذلك وفي ظِل وُجُود مُؤَشِّرات تَدُلّ على تَدَنّي مُسْتوَى الدُّخُول فمن المُتَوقَّع أَنْ يَشْهَد الأَمْن الغِذائيّ لِلسُّوريّين تَدَهْوُرًا مُسْتمِرًّا وزيادة مُسْتمِرّة في مُعَدَّلات الفَقْر.