الرجل الذي خلق الشرق الأوسط يظهر كمحاولة من قبل كريستوفر لتغيير “الأفكار المسبقة” عن جده، السير مارك سايكس، وهو الرجل الذي يجسد اسمه الغطرسة الاستعمارية والجهل الارستقراطي بشكل جلي. لكن، هل يستطيع كريستوفر حقاً إنقاذ واحد من أكثر من شوهت سمعتهم في الشرق الأوسط؟
كان مارك سايكس ممثلاً لواحد من الأطراف (الإنجلو –فرنسية) التي تفاوضت حول تقسيم الشرق الأوسط بعد هزيمة الجيوش العثمانية، ونتيجة لذلك خرجت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وكانت عبارة عن سلسلة من الخطوط المرسومة في منقطة الشرق الأوسط لإنشاء “مناطق النفوذ” البريطانية والفرنسية. هذا الاتفاق السري الذي وقع في منتصف الحرب العالمية الأولى وبموافقة روسية، جلب الكثير من الانتقادات لأنه تجاهل مصالح المنطقة وتناقض مع الوعود التي قطعت للقادة المحليين. والأكثر وضوحاً أنه يتعارض مع وعود الحكم الذاتي التي قدمت لقادة الثورة العربية: وعندما سمع لورنس عن هذا الاتفاق قال:” لقد دعوناهم للقتال في صفوفنا بعد أن كذبنا عليهم”.
مرحلة ما بعد الحرب التي تسعى الاتفاقية إلى فرضها تتقاطع مع الخطوط القبلية والدينية على حد سواء. وهو أمر أقرت به داعش عندما أطلقت على الاتفاق انه جاء كرمز “للتجزئة المفروضة على المسلمين”. واكتسب زعيمهم “أبو بكر البغدادي” شهرة كبيرة بلقب ” مدمر الحدود” خاصة بعد تصوير رجال ملثمين يدمرون خطوط سايكس بيكو بين العراق وسوريا. هذه الخطوط الدينية والقبلية عوامل مهمة كان على سايكس أن يفهمها جيداً قبل الاتفاق.
للوهلة الأولى، يظهر السير مارك سايكس على انه كان كبش الفداء. فإفراط في الامتيازات ورعاية من قلب المؤسسة وتعيين شخصي من قبل السيد كتشنر الذي كان نشطاً في الوقت الذي كانت بريطانيا لا تزال تحكم فيه نصف العالم. لكن شيئاً واحداً يميز هذه الكتاب وهو الاعتماد على الاوراق الخاصة بسايكس لتقديم صورة أكثر تعقيداً واقناعاً من الرسم المتحركة “توف” والتي تعد من الدعامات عبر العديد من فترات التاريخ تلك.
وكإبن وحيد لمالك الأراضي “يوركشاير” فاحش الثراء، نشأ سايكس وهو يملك 3000 فدان من العقارات، مع العديد من الموظفين والمعلمين والخيول وكلاب الصيد والحدائق لكن دون الكثير من الاتصال مع والديه. فمشاكل والديه العائلية دفعت والدته إلى اتخاذ عشيق لها والهرب معه إلى لندن للعب القمار ومعاقرة الخمر.
بعد أن خدم في حرب “البوير – the Boer war” أمضى السنوات التي تقع بين عودته في عمر 23 والحرب العالمية الأولى في النشاط المكثف. فقد كتب كتباً، بما في ذلك تلك المتعلقة برحلاته إلى الشرق العثماني وهجائه للعثمانيين واستفادته من الخبرات العسكرية هناك. وساعدت روابطه العائلية في الحصول على تعيينات دبلوماسية في كل من أيرلنديا وإسطنبول. وانتخب أيضاً عضواً في البرلمان في محاولته الثالثة، حيث تحدث هناك بشكل جيد وعاطفي عن المواضيع التي فهمها. عرف ايضاً بمعاداته للسامية، وهو شيء – وفق مؤلف الكتاب- كان نموذجياً “لرجل في منزلته وانشغاله” على الرغم من أن استاذه في كامبريدج تفاجأ بمشاعره الشديدة هذه.
وعندما اندلعت الحرب، كان سايكس يعمل كقائد لكتيبة من جنود الاحتياط، ولكن بدلاً من أن تخدم كتيبته في فرنسا جذب رجاله انتباه تشرشل وكيتشنر، وفي نيسان 1915مت تعيينه في اللجنة البريطانية المخصصة في النظر في العواقب المحتملة لسقوط الإمبراطورية العثمانية.
لورنس الذي قابل سايكس في الشرق الأوسط وصفه بأنه “محامي الخيال غير المقنع في العالم” ووصفه أيضاً بأنه الرجل الذي يحمل “حزمة من الأحكام المسبقة والحدس ونصف العلوم” وهو “الذي سيأخذ جانباً من الحقيقة ويسلخها عن ظروفها ويضخمها ويطورها ثم يصنع منها نموذجاً”.
أما المفوض المدني للبصرة (في العراق حالياً) فقد قال أن سايكس:” عبقري في التعميم الايجابي لكنه ليس دقيقاً دائماً”. هذا النوع من الأفكار محجوبة في هذا الكتاب، وبعد عامل على لجنة الحكومة الأولى أرسل سايكس لإجراء المفاوضات مع الفرنسيين وهي الطريقة التي أعطي اسمه لهذه المعاهدة الكارثية.
وفي عام 1918 قال الرئيس الأمريكي “وودرو ويلسون” أنه يجب أن يعطى العرب “فرصة دون مضايقة أبداً من أجل التنمية المستقلة” وحتى سايكس نفسه قال بوجوب تغيير صياغة الاتفاق. وفي يوم انتهاء الحرب، وصف الجنرال اللنبي، من قيادة قوات التحالف في منطقة الشرق الأوسط، سايكس بأنه “زميل جيد، لكنه متصدع، ويجب أن يتم تمزيق اتفاقية سايكس بيكو بطريقة ما” توفي سايكس بعد ثلاثة أشهر في أحد فنادق باريس إثر إصابته بـ”الانفلونزا الاسبانية” وكان حينها يبلغ من العمر 39 عاماً. ووفق الكتاب، فإن المأساة الكبيرة في حياته كانت في موافقته على هذه الاتفاقية :” لو عاش لفترة أطول لكان قد خاض نضالاً من أجل تغييرها” وفق الكتاب.
يظهر كريستوفر سيمون سايكس جده في ضوء أكثر وضوحاً، فهو تضرر من أمه وابيه، وظهر على السطح مدفوعاً بالحماس، وكن في عميق مشاعره حباً لزوجته وكان أباً مسلياً في المنزل ويراقب العالم من أجل التسلية – الكتاب يظهر الكثير من رسوماته التخطيطية.
لكن لم تكن هناك أصوات أخرى كافية لجعل هذه الصورة المقربة كافية الوضوح. فمع نهاية الكتاب يظهر عنوان مبرر تقريباً وهو : لم يقم السير سايكس بإنشاء الشرق الاوسط الحديث لكنه كان يلعب لعبة كبيرة وعثراته كانت جزءً من عملية خلق الظروف التي انتجت الظلم وساهمت في ازدهار الصراع. قبل وفاته، قيل أنه وضع رؤية لما بعد الحرب في عالم خالٍ من الدبلوماسية السرية ولكن مع “العدالة والأمن والتعويض”. وهذه هي الأشياء التي يقاتل الناس من أجلها في الشرق الأوسط منذ الأزل.
هذه المادة مترجمة من موقع صحيفة الجارديان للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا