نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية تقريراً بعنوان: الجيل الجديد من قادة دول الخليج ، تحدث عن بروز جيل جديد من الحكام الشباب الخليجيين في المنطقة، وأشارت المجلة إلى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي وإلى الأمير تميم بن حمد أمير قطر وإلى الإصلاحات الإماراتية الأخيرة التي شملت تعيين عدد من الشباب في مناصب قيادية هامة بالدول الخليجية.
يلمح التقرير إلى الصعوبات التي تواجه الحكام الشباب في تغيير نظم الحكم في الخليج، والتي من ضمنها سيطرة العائلات الحاكمة وصعوبة التغلب على اللوبيات الموجودة بها،بالإضافة إلى التوجه العام الحالي بعدم الإيمان بالحلول الديمقراطية لدى الشباب الخليجي بشكل عام خاصة بعد الانهيارات الكبيرة التي حدثت أمام أعينهم ابتداءً باحتلال العراق عام 2003 وما اعقبه من فوضى وصولًا إلى نتائج الربيع العربي.
ويؤكد التقرير على ضرورة تلبية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لمطالب الأجيال الجديدة في الخليج من أجل ضمان استمرار العلاقات الجيدة مع الأطراف الحاكمة هناك بما فيهم الأمراء الشباب القادمون، ولخص التقرير مطالب الأمراء الخليجيين بما قاله الأمير السعودي محمد بن سلمان حين طالب أمريكا بالوضوح والصراحة في تعاملها مع السعودية :” ما أتمناه منك أن تتحدث بالشيء الذي تعتقد فيه فعلًا”.
أخيرًا، التقرير يتحدث عن أن التغيير الحالي بأنظمة الحكم وتشبيبها على أنها فرصة لا تتكرر كثيرًا وربما يجب على الولايات المتحدة الانتظار لأجيال من أجل تكرارها، ولذا على الولايات المتحدة المسارعة إلى تعزيز العلاقات الخليجية – الأمريكية ونقلها إلى مرحلة أبعد من مراحل التسليح والتعاون العسكري المتبادل.
فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:
بعد عقود من احتلال الثمانيين لمناصب القيادة في دول الخليج، بدأت هذه الدول في تقديم قيادات أصغر سنًا. ففي 10 فبراير الجاري، أعلن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، عن تعيينه لمجلس وزراء جديد يضم ثمانية وزراء جدد يصل متوسط أعمارهم إلى 38 عامًا.وكان أحد المعينيين الجدد (وزير الشباب) يبلغ من العمر 22 عامًا. وقبل ذلك بأسابيع قليلة، قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بتعيين وزير شاب جديد لقيادة وزارة الخارجية وهو محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي لم يتجاوز 35 عامًا من عمره بعد. وهذا يشير إلى أن وجه القيادة في الخليج آخذ بالتغيير نحو جيل أكثر شبابًا.
و على الرغم من كبر سن معظم حكام دول المنطقة إلا أن أيام سيطرة المسنين على قيادة دول الخليج تبدو وكأنها في طريقها للاختفاء. حاليًا لا يعد أمراً غريباً أن يتولى منصب رئاسة الوزراء أو ولاية العهد من هو في الأربعينات أو الخمسينات، وهو ما دفع نحو إيجاد فجوة عمرية كبيرة بين الحكام وأولياء العهود في دول مثل البحرين والمملكة العربية السعودية. ولكن هذه التعيينات الأخيرة قد تدفع إلى ايجاد جيل جديد من الحكام و أولياء العهود يغيرون هذه العادة. وهو ما قد يدفع المنطقة نحو إيجاد قيادات شابة جديدة غير تلك المتقدمة بالعمر والتي تبوأت مناصب قيادية لفترة طويلة.
حركة التشبيب (ليست) ضمن ثورة
تشمل حركة التشبيب هذه إيجاد عدد من وزراء التكنوقراط الذين يتبنون نهجًا سياسيًا تحليليًا بشكل عام. وأولياء العهود الذين تقل أعمارهم عن 55 عامًا عملوا على جلب نظرة جديدة ومختلفة للسياسة الإقليمية والدولية عما كان عليه الحال مع أسلافهم.
فجميع هؤلاء عاشوا تفاصيل حرب الخليج وغزو الكويت في أعوام 1990 و 1991 وما أعقبها من تحولات. وكان من ضمنهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. أمضى أولياء العهود هؤلاء المزيد من الأوقات خارج بلدانهم لاكتساب تعليمًا متقدمًا. وعلى العكس من أسلافهم ركزوا دراستهم في أمريكا بدل التوجه إلى القاهرة أو لندن أو باريس. ومع ذلك، فإن أي محاولة غربية لقراءة وفهم تفاصيل أثر ذلك على السياسة الخليجية يجب أن تكون حريصة على عدم الخلط بين الخبرة والشباب والإصلاح السياسي.
فلا يمكن تجاهل ضغط النظام الوراثي على عمليات التطوير والإصلاح. ففي ديناميكيات القوة الأسرية، تقلق القيادات الشابة من الخلفاء المنافسين كما يفعلون حيال الجمهور المضطرب. فالسلالات الحاكمة خلقت بيئات معادية للإصلاح السياسي. ولا يمكن للقيادة الحاكمة إجراء تغييرات هيكلية في النظام السياسي يمكن أن يجرد الأسرة الحاكمة من قوتها وتمكينها مخافة التعرض للطرد من هذه القيادة. فمثلًا واجه ولي عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، هذه المشاكل حين حاول القيام بتنفيذ إصلاحات جذرية بعد الاضطرابات السياسية عام 2011 وهو ما عرضه لرد فعل عنيف من الفصائل المتشددة داخل الأسرة الحاكمة. في هذه المنطقة وهذه الحالات أكثر من غيرها، قد يكون الدم الأكثر إهدارًا من الماء.
من المعقول أن نرى القادة الشباب يعينون معاصريهم في مناصب رئيسية ولكن ذلك يكون فقط بعد توطيد سلطتهم الخاصة. وهو ما تطلب من الأمير تميم – حاكم قطر- أكثر من عامين ونصف لإجراء إصلاح جذري في حكومته. ولكن عندما فعل ذلك، كان هناك 3 من معاونيه الجدد في سن أقل من 45 عامًا.
وفيما تملك المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى مواهب سياسية مماثلة تنتظر بعيدًا عن الأضواء، حيث اكتسبت مواهب سياسية جيدة وخبرات كبيرة عبر شغلها مناصب دبلوماسية متعددة في واشنطن وأماكن أخرى. وعلى سبيل المثال، يمثل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير البالغ من العمر 53 عامًا، خبرة دبلوماسية كبيرة ساهمت في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية خلال الفترة الماضية. فيما يقوم سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة البالغ من العمر 42 عامًا والذي يعمل نيابة عن وزير الخارجية الإماراتي البالغ من العمر 43 عامًا وكلاهما بلا شك سيكونان من الشخصيات البارزة في جهاز السياسة الخارجية للإمارات خلال السنوات القادمة وهو ما سيكسب الدولة الخليجية نجاحًا مميزًا في مجال العلاقات الخارجية كقوة إقليمية صاعدة.
في الواقع، هناك أسباب أخرى تدفعنا للاعتقاد بابتعاد الشباب الجدد عن الديمقراطية كخيار في الحكم. فمن المرجح أن تربط الديمقراطية بالأحداث الدامية التي شهدها العراق عام 2003 أو عقب الفوضى التي نتجت عن الربيع العربي. فهؤلاء الشباب رؤوا بأم أعينهم بعض الأمثلة الديمقراطية التي سقطت على عكس الأجيال السابقة الذين عاصروا انهيار جدار برلين. وفي استطلاع للرأي أجري في السعودية، أظهر أن الأكبر سنًا اتجهوا لدعم أكبر للديمقراطية، فيما تراجعت احتمالات دعم الديمقراطية بين الشباب في أعمار 26 – 35 عامًا. وبهذا تأتي الديمقراطية كأولوية أخيرة للأجيال الحاكمة الشابة في العائلات الملكية الخليجية المختلفة.
مواكبة العصر
من المرجح أن يتبنى الجيل القادم من قادة الخليج نموذجًا بديلًا في الحكم يسمى “الحكم الرشيد”. والذي من شأنه أن يركز على تقديم الخدمات العامة بشكل فعال وتحسين إدارة الأمور العامة ومتابعة الإصلاحات الاقتصادية التي تضمن الازدهار على المدى الطويل من دول مجل التعاون الخليجي.
كل من الأمير القطري تميم وولي العهد الإماراتي البالغ من العمر 54 عامًا، محمد بن زايد، يسعون إلى تبسيط بيروقراطيات دولهم الحكومية من خلال تعزيز تكنولوجيا المعلومات واعتماد مبادرات الحكومة الإلكترونية ومواكبة الابتكارات المختلفة وتعزيز القوى العاملة المواطنة في بلادهم.
الإمارات من جهتها سنت مؤخرًا سلسلة من الاصلاحات الهادفة لدعم وتعزيز استقرار الاقتصاد المحلي عبر مشاريع مدعومة من قبل ولي العهد. من جهته قام الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع ونائب ولي العهد السعودي البالغ من العمر 30 عامًا بتعزيز مفاهيم مماثلة في السعودية وإضافة خطط طموحة لزيادة الاعتماد على الذات في مجال الأمن الوطني.
في مجال الدفاع، ساهم القادة الشباب بترك بصمتهم بشكل كبير.معلنين على ما يبدو أنه عصر جديد من النشاط العسكري في المنطقة. فعلى سبيل المثال يعرف محمد بن سلمان على انه المهندس الأول للحملة السعودية في اليمن. لكن الإمارات، او كما يعرفها الأمريكيون الآن ( سبارتا الصغرى) أصبحت مثالًا على هذا التوجه في المنطقة. فأبناء ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان وأبناء حاكم دبي وئيس الوزراء الإماراتي محمد بن راشد آل مكتوم يشاركون ضمن صفوف الجيش الإماراتي في اليمن.
يتطلع قادة الخليج الشباب إلى بناء جيوشهم من خلال الاستثمار في تطوير قوات العمليات الخاصة وزيادة التعاون الأمني مع عدد من الدول المختلفة وذلك لتجنب الإفراط في الاعتماد على الولايات المتحدة بصفتها الضامن الوحيد لأمن هذه البلدان. ولا يمكن اعتبار الالتزام الاماراتي العسكري خطوة عابرة، فالإمارات اتجهت إلى فرض التجنيد الإجباري في خطوة تعد الأولى في دول الخليج ولم يسبق لدولة كقطر القيام بها.
قادة المدرسة الجديدة
على صناع القرار الغربيين التخلص من الصورة النميطية التي كانوا يملكون عن القيادة الخليجية سابقًا. فالتصور القطعي الذي امتلكه صناع القرار الغربيين عن الحكام الخليجيين ووصفهم بالضعفاء أصبح الآن من الماضي ولا يمكن وصفه بالدقيق اليوم. ويكمن الخطر في مساهمة هذا التصور في ايجاد توقعات خاطئة عن الشركاء الخليجيين والمتغيرات لديهم عدا عن التقليل من تقدير القيادة الجديدة للبلدان الخليجية.
ولكن من خلال الاعتراف بالتغيرات الحاصلة ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون أكثر حرصًا على عدم الاستهزاء بالطاقات الشبابية الجديدة ووصفها بأنها متهورة. كثيرًا ما صنعت الصحافة تصورات خاطئة عن القيادة الخليجية الشابة الجديدة وكان آخرها عن محمد بن سلمان، حين وصفته بعض الكاريكاتورات بالبعيد عن المشهد السياسي وغير القادر على ايجاد ارادة سياسية، إلا أن الواقع هو العكس تمامًا.
بلا شك، يتيح الصعود الحالي لجيل الشباب الجديد الفرصة لتحديث هام وضروري لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة الخليج. فلفترة طويلة جدًا، تراجعت صيغ تعامل واشنطن مع المنطقة إلى ما يشبه الانحصار في صفقات الأسلحة والمعدات العسكرية لمكافحة الإرهاب. وبشكل واضح، باتت مبيعات الأسلحة هي العمود الفقري للتفاعل الأمريكي مع المنطقة، وهو ما دفع العديد للسخرية من هذا الأمر عن طريق تمثيل مقياس العلاقات السعودية – الأمريكية بالذخائر الموجهة أو عن طريق توصيف العلاقة الإماراتية الأمريكية بمقدار تطور تصدري طائرات F-16 .
وكما تستثمر الحكومات الخليجية الحالية في المجال الحكومي الإلكتروني وتطوير القطاع الخاص وتحقيق مبادرات الابتكار، فبإمكان واشنطن تحقيق استثمار جيد أكبر عبر التعاون مع القوى الإقليمية. وهو ما سيساعد بدوره دول الخليج على بناء قدراتها وتطوير ثقتها وتوسيع علاقاتها مع الولايات المتحدة.
يجب على الغرب التحديد مباشرة مع الساعين للسطلة في المنطقة. وهو ما تضمنه طلب محمد بن سلمان بالصراحة والوضوح حين قال :” ما أتمناه منك أن تتحدث بالشيء الذي تعتقد به فعلًا”. يجب على الولايات المتحدة ضمان تحقيق هذا الطلب. فحل مشاكل الخليج لا ينحصر فقط بتوريد مزيد من الأسلحة، وبالتأكيد فهذه ليست حربًا أو مجالًا للتنافس السعودي الإيراني في التسليح. وبشكل واضح، فإن تحول الأجيال وتغيرهم لا يحدث كثيرًا ولذا فعلى الولايات المتحدة وحلفائها استغلال الفرصة لبناء علاقة أكثر وضوحًا وإفادة مما كانت عليه في السابق وفق ما يطلب الأمراء الشباب الجدد.