الكتاب: صعود الديمقراطية الوظيفية ومستقبل الشرق الأوسط
المؤلف: إلزا معلوف
الناشر: SelectBooks
تاريخ النشر: 21 أكتوبر 2014
عدد الصفحات: 304
لماذا أصيبت الديمقراطية ونظام “شخص واحد، صوت واحد”، بالاختلال إلى هذا الحد؟ كيف يمكن للعملية الانتخابية القائمة على أساس صوت الشعب، أن تزيد من الاستقطاب السام في واشنطن، وتأتي بالإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، وتجعل حماس تدير زمام الأمور في غزة؟ ما الذي يتسبب في أن تحصل مجموعة ذات أيديولوجية متطرفة مثل داعش على السلطة؟
الإجابة على هذه الأسئلة، وغيرها الكثير حول ما يعانيه الشرق الأوسط ونماذج الحكم المختلفة، هي محل اهتمام إلزا معلوف في كتابها المعنون “الظهور!: صعود الديمقراطية وظيفية ومستقبل الشرق الأوسط”.
نموذج تطوري
رغم تطوُّر العديد من قيمنا الإنسانية، وممارساتنا التجاريّة، إلا أننا لا زلنا نستخدم نموذجًا خطيًّا بسيطًا لحكم عالمٍ أصبح شديد التعقيد. وليكون الحكم فعالا، يجب أن يحدث تحول في طريقة التفكير، بما يضع الديمقراطية على المسار التطوري، أو ما تسميه المؤلفة الديمقراطية الوظيفية.
وتُظهِر الأبحاث أن التطور البشري والثقافي تراتبيّ بطبيعته؛ ما يشير إلى أن بنية حكم تدريجية. وإلى جانب بعض مفاهيم علم النفس الاجتماعية وحل النزاعات التي طورتها المؤلفة في دراستها الميدانية عن الشرق الأوسط، استخدمت نموذج نظم القيم التي طورتها الدكتوره كلير جريفز والدكتور دون بيك لتوضيح فكرة الحكم التطوُّريّ.
وترى المؤلفة أن كل ثقافة لديها القدرة على التطور إلى ثمانية مستويات معروفة من الوجود الإنساني، وإنتاج ستة هياكل مميزة من الحكم. وها هي الأنظمة الست التي تحدد نموذج الديمقراطية الوظيفية، حسبما أوردته المؤلفة:
(1) المَلَكية الخيرية: هذا النموذج من الحكم مناسب للثقافات القبلية، وتلك الناشئة في المراحل البطولية من التطور الثقافي. ويتجسد اليوم في السعودية والإمارات، والمغرب في شكل حداثي. الشيء المهم هو تذكُّر أن هذا النموذج من أشكال الحكم يعمل بشكل خاص في إطار هذه الثقافة الفريدة من نوعها.
(2) الحكم المطلق المنظّم: وهو مناسب للثقافات التي تمر بمراحل تطور إقطاعية وفردية. ويمثل أصل تشكيل الدولة، والخطوة التالية في الشرق الأوسط. ويتناسب مع الثقافة التي تنتقل من قوة الأنا الفردية إلى سلطة المؤسسة.
وقد أثبت التاريخ أن هذا النوع من الانتقال الثقافي كان الأصعب على الإطلاق. إذ يجب أن يكون الحكم صارما في هذه المرحلة من التطور حتى يدرك الشخص العادي قوة وسيادة القانون وتبعات انتهاكه. وبمجرد تدشين طبقة صلبة من المؤسسات، سوف تظهر القيم الأكثر تعقيدًا بشكل طبيعي وتصبح مستدامة.
وذكرت الكاتبة أن كوان لي، مهندس سنغافورة الحديثة، هو الزعيم الأكثر نجاحا في تجسيد هذا النموذج في العصر الحديث، حيث جمع عصبة من القبائل تتحدث أربع لغات مختلفة ولديهم خلفيات دينية متباينة تحت راية دستور واحد ولغة واحدة.
وترى الكاتبة أن الجيش المصري أيضًا يمثل نموذجًا لهذا النظام، قائلة: “رغم اعتقاد الغرب أن هذا النظام يحرم بعض الناس من حقوقهم، إلا أنه أفضل بكثير من جماعة الإخوان المسلمين التي أرادت أن تحكم لخمسمائة عام. وتاريخيا، أحَبَّ الشعب المصري الجيش. وأعلن الرئيس الحالي، السيسي، بعضًا من خطط التنمية الأكثر طموحا في تاريخ مصر الحديث: أنشأ 15 مدينة صناعية، وعزز دعائم القطاع الزراعي والسياحي والبنية التحتية في مصر”.
مضيفة: “إن احترام المؤسسات هو الأساس الذي تبنى عليه مستويات أكثر تعقيدًا من الديمقراطية”.
(3) ديمقراطية الحزبين أو الديمقراطية متعددة الأحزاب: وهو النظام الذي يمثل الأغلبية أو الأغلبية المطلقة من الناخبين عبر عملية “شخص واحد، صوت واحد”. هذا النموذج مناسب فقط للثقافات التي تؤمن بقوة المؤسسات وسيادة القانون.
ونجد نظام الحزبين في الولايات المتحدة، والخطوة التالية هي النظام متعدد الأحزاب، حيث يتم تمثيل الأغلبية المطلقة من الناخبين، وليس فقط أصوات 50% + 1. وإن كانت الديمقراطية متعددة الأحزاب، في ظل غياب الهدف المشترك، تنطوي على خطورة أن يستمر الفائز في الاستثئار بكل شيء، ضاربا عرض الحائط بأصوات ما لا يقل عن 49% من الناخبين.
(4) الديمقراطية الاجتماعية: وهي شائعة في الثقافات المتجانسة المتقدمة التي لديها وجهات نظر عالمية مماثلة فيما يتعلق بالعمل وحقوق الإنسان والبرامج الاجتماعية. إذ تتشكل الحكومات الائتلافية لتوفير الاحتياجات المشتركة ومصلحة الناخبين. وهذا النظام شائع في أوروبا. حيث يعتقد أن التدخل الحكومي جيد لتقييد حرية السوق في محاولة لإعادة توزيع الموارد لصالح الطبقات الدنيا.
ومع ذلك، فإن الديمقراطية الاجتماعية التي تدعو المهاجرين دون دمجهم بشكل جيد في منظومتها القيمية يمكن أن تصبح مرتعا خصبا للآراء المتطرفة. وظهور أحزاب اليمين المتطرف في بلدان مثل هولندا، والنرويج، وفرنسا تمثل أعراضًا لذلك.
(5) الديمقراطية الوظيفية: وهي التي تدمج مجموعة كاملة من النماذج السابقة، بما يناسب الاحتياجات الفريدة لكل ثقافة. حيث يمكن أن يصبح الحل هو: مزيج من الديمقراطية متعددة الأحزاب والديمقراطية الاجتماعية التي تلبي طموحات الأغلبية الساحقة من الناخبين وليس فقط الـ 50% + 1، بينما تعادي الـ 49% الآخرين. وهي بالتأكيد لا تلبي المصالح الخاصة الضيقة. وقد بدأنا نشاهد أمثلة على الديقمراطية الوظيفية في الدول الإسكندنافية، كما بدأت تظهر في المدن الغربية الذكية مثل واشنطن ولندن.
(6) الديمقراطية الهولونية: وهي الحوكمة العالمية من خلال مبادئ التنظيم الذاتي حيث يصبح أصغر جزء مطابق للمجموع. والهدف من ذلك هو ضمان بقاء الجنس البشري. لكن هذا النظام لن يظهر خلال بضعة قرون، بيد أنه قد يتسارع خلال فترة الكوارث البيئية والبشرية الكبيرة.
الفوضى الحالية ومستقبل الشرق الأوسط
وخلُصَت المؤلفة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمر بأصعب مراحل التجربة الإنسانية؛ حيث تنتقل المنطقة من تركز السلطة في يد الزعيم الفرد إلى حكم المؤسسات. مستشهدةً بظهور مجموعة أكثر دموية بكثير هي داعش، بينما تراجَع تأثير القاعدة، فيما تواصل سوريا طريقها نحو التفكك، ولا يزال اللاجئون يتدفقون على الدول المجاورة بأعداد كبيرة. لكن رغم مأساوية هذا المشهد، تلفت الكاتبة إلى أن الشرق الأوسط إنما يمر بالطقوس ذاتها التي مرّ بها الغرب، حتى ارتقى الوعي الجماعي إلى مستوى الإيمان بقوة المؤسسات وليس بالحرب.
وتضيف الكاتبة: “رغم أن المهمة التي نحن بصددها هائلة، لا يزال على الولايات المتحدة أن تلعب دورا حاسما. أما السياسة الخارجية الغربية السلبية تجاه المنطقة فستشجع روسيا والصين وإيران على مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. وفي هذا الإطار، ينبغي أن تواكب السياسة الخارجية الأمريكية هذا التطور. ويجب أن يكون هناك تحولا نموذجيًا من التدخل العسكري إلى بناء القدرات البشرية في المنطقة. وهذه هي الحدود المقبلة التي ستشكل السياسة العالمية.