على مدار العامين الماضيين، ركزت واشنطن اهتمامها على مناطق شمال سوريا فقط، حيث عملت على محاولات لتعزيز القوى الديمقراطية السورية ودعمها لمحاربة قوات داعش وهزيمتها، وهو ما تسبب في تقليل اهتمامها بالمناطق الجنوبية من سوريا. وهو ما كان عين الخطأ.
والآن تملك الولايات المتحدة فرصة جيدة لتوطيد علاقاتها وتوسيعها وفق مكاسب (المتمردين) الأخيرة، فبرنامج مساعدات متواضع نسبياً يمكن أن يساعد الفصائل المحلية هناك في طرد مقاتلي داعش من الجيب الصغير الذي يتواجدون به هناك، خاصة وأن مقاتلي داعش بدؤوا يذوبون تدريجياً في جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة – أعداد المقاتلين المتشددين هناك لا يمكن مقارنتها بأعداد الفصائل الأخرى- وبالمجمل فإن بناء القدرات العسكرية لقوات (المتمردين) وتحسين النظام الهش الحاكم في تلك المنطقة من شأنه أن يحول هذه القوات في نهاية المطاف إلى تهديد حقيقي لقوات الرئيس السوري بشار الأسد المتمركزة في دمشق.
ويمكن لهذه الخطة أن تحمل في ثناياها فوائد أخرى، خاصة وأن خطوة دعم وتقوية (المتمردين) في الجنوب قد يساهم في إقناع ما يصل إلى نصف مليون درزي يتواجدون في المنطقة الجنوب غربية من مدينة السويداء بالابتعاد عن نظام الاسد وتحقيق تحالف حقيقي مع قوات (المتمردين) المعارضة.
وفي حالة إنشاء تحالف بين (المتمردين) في المنطقة بدرجة أفضل تسليحاً وأكثر توحداً هناك، يمكن أن تتغير الكثير من الامور، وبلا شك فإن هذا سيساعد الدروز و(المتمردين) على التغلب على الشكوك المتبادلة بينهما، خاصة وأن (المتمردين) أبدوا حرصهم الشديد على عدم مهاجمة جبل الدروز في كثير من الأحيان.
يمكن للولايات المتحدة أن تسهل هذه العملية وتعززها، ففي عام 2013، أسست الولايات المتحدة لغرفة خاصة لقيادة العمليات العسكرية في مدينة عمان الأردنية، أشرفت هذه الغرفة على توجيه الأسلحة والنقود لقوات المعارضة في الجنوب، لكن المساعدات الأمريكية لقوات (المتمردين) في الجنوب لم تكن لتصل أبداً إلى مستوى تلك المساعدات التي نالتها الفصائل المتمردة في مناطق شمال سوريا وفي حوض نهر الفرات.
يمكن تبرير هذا الأمر، فأمريكا رتبت أولوياتها لتشهد تدمير داعش في مدينة حلب والسيطرة على مدينة الرقة – عاصمة داعش – الواقعة في مناطق شمال سوريا، ولكن هذا لا يمنع أبداً من توجيه بعض الدعم التكميلي لقوات (المتمردين) في الجنوب حيث تعد قوات (المتمردين) المعتدلة هناك أكبر حجماً من قوات داعش وجبهة النصرة.
وفي حال أقدمت الولايات المتحدة على توريد المزيد من الأسلحة للمتمردين في الجبهة الجنوبية، يصبح بالإمكان إلحاق هزيمة ناجحة بقوات داعش في المنطقة التي ما زالت تقاوم حتى الرمق الأخير هناك ولم تتم هزيمتها.
ميدانياً، تتحكم قوات داعش بالمنطقة الجنوبية الغربية من الجولان السوري، سبق للمتمردين أن شنوا هجمات ضد شركاء داعش هناك مثل لواء شهداء اليرموك ولواء المثنى الاصغر عدداً. نجحت هذه المناوشات في منع هذه الجماعات من التوسع شرقاً، إلا أنها لم تنجح في القضاء التام على هذه المجموعات.
في الوقت نفسه، بدت الفصائل المتحالفة مع داعش هناك في طريقها لزيادة قوتها، فكتائب شهداء اليرموك والتي ظهرت في عام 2012 أعلنت مبايعتها لداعش وتلقت إثر ذلك دعماً مالياً من داعش على اعتبار أنها فرعها هناك، بل إن القادة المركزيين هناك تم استبدال معظمهم بآخرين قادمين من الرقة. يملك لواء اليرموك ما يصل إلى 700 مقاتل، وتتزايد أعدادهم بشكل مضطرد.
كما تملك داعش نفوذا هناك عبر لواء المثنى – الذي بايع داعش أيضاً – ويسيطر على أجزاء من الحدود السورية مع كل من الأردن وإسرائيل. وهو ما يمنحه – ويمنح داعش – قدرة على ضرب الدولتين المجاورتين في حال ما قرر التنظيم توسيع أعماله العدائية. ولتجنب كل هذه السيناريوهات المحتملة، يمكن لأمريكا أن تقضي على هذا التهديد عبر تقديم بعض الدعم للجماعات المتمردة هناك بما يتيح لها القضاء على داعش وحلفائها.
وسيكون من الصعب على (المتمردين) القضاء على نفوذ جبهة النصرة هناك، فهي تملك ما يصل إلى 1500 مقاتل، وتسيطر على قطاعات واسعة من الجنوب. وتتعاون هذه المجموعة مع المجموعات غير المتشددة في كثير من الأحيان، وهو ما يقلل من احتمال شن هجوم عليها من قبل قوات (المتمردين) هناك. ولكن يمكن لمساعدة امريكية موجهة هناك أن تجعل الأمر ممكناً، وقد يحتاج الأمر إلى جذب أكبر عدد من مقاتلي النصرة بعيداً عن القاعدة وتقديم وعودات مالية ومساعدات عسكرية خاصة لهم. وبشكل عام، ينتمي غالبية مقاتلي النصرة إلى القبائل المحلية التي يمكن أن تقبل عروضاً معينة من المساعدات للابتعاد عن النصرة، وهو ما يتيح تقليل نفوذ النصرة بشكل تدريجي في المنطقة.
وفي حال أقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطة، يمكن أن تتشجع دول كالأردن وإسرائيل على فعل الأمر نفسه. بل إن اتخاذ الولايات المتحدة لخطوة استباقية في الجنوب سيساهم في تعزيز موقف واشنطن لمواجهة روسيا في المفاوضات الجارية لتأمين استقرار وقف إطلاق النار في سوريا، وسيساهم تعزيز قوات (المتمردين) في الجنوب على تجنب خطر قوات الأسد هناك، وحتى الآن بدت روسيا مترددة في الانخراط في الجنوب باستناء عن بعض القصف الذي استهدف مناطق قرببلدة الشيخ مسكين الجنوبية.
يمكن للولايات المتحدة أن تتدارك خطأها في التأخر بالاهتمام بالمناطق الجنوبية من سوريا، ويمكنها لعب دور حاسم في تحويل مجرى الحرب هناك، وهو ما قد يعزز جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتحقيق استقرار في وقف إطلاق النار والحفاظ على الهدوء. وفي الوقت الذي تشهد الجبهة الشمالية الآن فيه حالة من الجمود العسكري، يمكن للتقدم بمناطق أخرى أن يساهم في تطوير الاستراتيجية الأمريكية في الحرب ويعدل كفة المكاسب المفقودة خلال الفترة الماضية.
إيهود يعاري: صحفي إسرائيلي ولد سنة 1955 متخصص في قضايا الشرق الأوسط. أجرى مقابلات مع عدد من الشخصيات المهمة والمرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي كياسر عرفات وحسين بن طلال وحسني مبارك وعدد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين.يعمل حالياً في القناة الثانية الإسرائيلية وباحث مشارك ضمن مركز دراسات الشرق الأدنى. ساهم في تأليف كتاب انتفاضة مع زئيف شيف، كتاب يظهر وقائع الانتفاضة الفلسطينية لعام 87.