الحصول على المقال بصيغة ملف PDF
جيفري فيلتمان: كان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية.كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية الأمريكية، من ضمنها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى.
هرير بليان: كان مدير برنامج حل النزاعات في مركز كارتر، وعمل في البلقان وأوروبا الشرقية والدول المستقلة والناشئة عن الاتحاد السوفيتي والشرق الأوسط وأفريقيا، وفي المنظمات الحكومية الدولية (الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا) والمنظمات غير الحكومية (مجموعة الأزمات الدولية وغيرها).
مقال مترجم عن موقع Responsible Statecraft
(الآراء والتوجهات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وتوجهات المركز)
سيرث الرئيس المنتخب “جو بايدن” أزمة عمرها 10 سنوات في سوريا ولا تزال تشكل تحديات استراتيجية وإنسانية حادة بالنسبة للولايات المتحدة، لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز مصالحها.
يُعرف أحدنا(يقصد نفسه والكاتب المشارك معه في كتابة المقال) منذ سنوات بأنه من أشد المنتقدين للرئيس السوري بشار الأسد ولسياسات سوريا الداخلية والخارجية، في حين كان الآخر منتقداً قوياً لفكرة أن الضغط وحده سيغير ما نعتبره سلوكاً إشكالياً، ولا تزال خلافاتنا السياسية قوية، خاصة فيما يتعلق بالرئيس الأسد، مما يجعل توصيتنا المشتركة أكثر أهمية، في الواقع، نتفق على أنه باستثناء مواجهة تهديد داعش في شمال شرق سوريا، وهو محور مهم، فقد فشلت السياسة الأمريكية منذ عام 2011 في تحقيق نتائج إيجابية.
تشمل المصالح الأمريكية في سوريا القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك صراع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وروسيا وتركيا، وصراع تركيا والجماعات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وهناك اهتمام آخر مهم وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج رد الفعل الشعبوي.
نجحت السياسة الأمريكية الحالية – التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها – في شل اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي، حيث فشلت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها بالضغط على الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة، وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.
أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إحداث نقص حاد في العملة السورية وساهمت في انهيارها كاملاً، لكنها لم تضعف الدعم الرئيسي للأسد من قبل جمهوره المحلي ولم تُغير سلوك النخبة الحاكمة، لقد وضعت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش وجعلت كلاً من روسيا وتركيا وإيران المتحكمين الرئيسيين بمستقبل سوريا. في غضون ذلك، توقفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية.
والأسوأ من ذلك، أن العقوبات المطبقة على سوريا تؤدي بشكل غير مباشر إلى عواقب إنسانية كبيرة من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب وتدمير الطبقة الوسطى السورية التي تعتبر عاملاً مهماً للاستقرار والإصلاح طويل الأمد، وفي المقابل من الصعب الافتراض أن من يقود سوريا اليوم يعاني بسبب هذه العقوبات.
تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً بين استمرار النهج الحالي، الذي حقق نجاحاً مؤقتاً بالنسبة لدولة فاشلة في الأساس، أو بدء عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى تقديم إطار عمل مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والقابلة للتحقق، والتي في حال تنفيذها، ستقابلها مساعدة موجهة وإعادة نظر في العقوبات من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الهدف من هذا الإطار هو وقف دوامة الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يُمكّن من إحراز تقدم في مختلف القضايا، ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية، دون أن يتصدى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، مع أنه أمر مرفوض من الولايات المتحدة، وهذا النهج الجديد أيضاً لا يُحاسب أي أحد على الوفيات والدمار المروع في سوريا- لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.
تم وضع اللبنات الأساسية لمثل هذا الإطار في ورقة بحثية صادرة عن مركز كارتر في أوائل كانون الثاني (يناير) وتستند إلى المشاورات المكثفة التي أجراها المركز مع السوريين على جميع جوانب الانقسامات السياسية في البلاد وكذلك المجتمع الدولي.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة كوفيد 19 في سوريا من العقوبات، كما يجب أن يحظى تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري بنفس القدر من الأهمية، وسيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للتغيير للعقوبات الأمريكية والأوروبية.
لن يتم منح هذه التسهيلات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة تم التفاوض عليها مع الحكومة السورية، ومن شأن آليات الرصد التأكد من تقدم هذه المفاوضات، وستشمل هذه الخطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإزالة ما تبقى من الأسلحة الكيميائية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بإيجابية وفعالية في اجتماعات الأمم المتحدة في جنيف، والقبول يالمزيد من اللامركزية.
بالمقابل يجب ألا تتكون لدينا أوهام كبيرة؛ فإن حواجز النجاح في هذه المسألة كثيرة، إذ لم تُظهر القيادة السورية الاستعداد لتقديم تنازلات، وتحقيق تقدم في هذا النهج الجديد التدريجي يتطلب استجابة سورية قابلة للقياس، ففي حال اكتفى نظام الأسد بمجرد التشدق بالإصلاح فيجب أن يؤدي هذا إلى تعليق التسهيلات الأمريكية والأوروبية وقد يؤدي إلى فرض عقوبات “سريعة”.
تخلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا المطلب منذ سنوات، لكنهم استمروا في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في تحقيق أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي.
هذا الاقتراح ليس هدية للحكومة السورية، المسؤولة عن القسم الأكبر من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية، بل مضمون هذا الاقتراح هو أنّ إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011.
نعتقد أنه من خلال الإعلان لقائمة تفاوضية من الخطوات المتبادلة، سيكون بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا ضمنياً ممارسة نوع مختلف من الضغط على سوريا لتحقيق الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن،
والتغيير الحالي في الإدارة الأمريكية يوفر فرصة لدراسة واختبار هذا النهج الجديد.