العديد من إنجازاته تحت التهديد، و ليس دونالد ترامب هو السبب وراء كل ذلك
عندما اختار دونالد ترامب الأسبوع الماضي سحب الثقة من الاتفاق النووي الذي عقده باراك أوباما مع إيران بدا ذلك متناسباً مع نمط السياسة الخارجية الصاعدة للرئيس. ولدى الانسحاب من الاتفاق التجاري للشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، وإعلانه “إلغاء” انفتاح الولايات المتحدة على كوبا، بدا ترامب مصمماً بشكلٍ مشابهٍ على تفكيك إنجازات أوباما في الشؤون الدولية. وقد قال لي بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي السابق لأوباما: “يبدو من المبدأ التنظيمي لكيفية تعامله مع السياسة الخارجية أنه يحاول جزئياً أن يبدو وكأنه يفعل عكس سلفه”.
ولكن بقدر كون إرث سياسة أوباما الخارجية تحت التهديد، فإن ترامب ليس وحده فقط مصدر ذلك التهديد. فبعض الانجازات تتلاشى لأسبابٍ لا علاقة لها بازدراء الرئيس الـ 45 الواضح للرئيس الـ 44. ويعتمد إرث أوباما جزئياً على رهاناته بأن بعض الدول (ككوبا وإيران وبورما) ستستجيب بمرور الوقت للدبلوماسية التي وصفها الرئيس السابق ذات مرةٍ لـذي أتلانتيك (The Atlantic) بأنها “عنصر القوة الأمريكية التي يقدرها بقية العالم بوضوح”.
ولكن في الوقت القصير الذي انقضى منذ أن ترك أوباما منصبه، لم تُسدَّد هذه الرهانات دون لبس. فجهود إدارة أوباما لتشجيع انتقال بورما إلى الديمقراطية، وتهيئة الظروف المواتية للقادة الإيرانيين للاعتدال، على سبيل المثال، تتعرض الآن لخطرٍ كبيرٍ بسبب الإجراءات التي تتخذها تلك الحكومات. يثير هذا القصور تساؤلاتٍ حول إن كان أوباما، الذي يعتبر نفسه واقعياً، متفائلاً بشكلٍ مفرطٍ بشأن إمكانيات الالتزام.
وعلى العكس من ذلك استمر ترامب تماماً في بعض مبادرات سلفه، واحتفظ ترامب ببعض السمات الجوهرية لحملات أوباما ضد داعش وبرنامج الأسلحة النووية في كوريا، وليس بنفس الأسلوب طبعاً. كما يحجب التركيز على سجل أوباما التحدي الأوسع الذي يطرحه ترامب على تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية التي تمتد على مدى عقود.
بالنظر إلى الحالات التي تتجاوز الأحداث فيها سيطرة ترامب في تقويض سياسات أوباما فقد قام أوباما بأول زيارة رئاسية أمريكية إلى بورما، لمكافأة الإصلاحات الديمقراطية للحكومة العسكرية الاستبدادية في بورما. وتقوم قوات الأمن في بورما الآن (وبمعارضةٍ ضئيلةٍ من قادة الأمة المنتخبين ديمقراطياً وشبه المفوضين، بمن فيهم الناشطة الديمقراطية المعروفة أونغ سان سو كي) بالتورط فيما أدانه مسؤولو الأمم المتحدة على أنه “تطهيرٌ عرقيٌ” ضد مجموعة أقليةٍ مسلمة، في حين أدى إحراق القرى وذبح مئات آلاف المدنيين الروهينغا إلى النزوح إلى بنغلاديش. وقد كان من الصعب توقع هذه النتيجة. ففي أواخر عام 2016، وحالما رفع أوباما العقوبات الأمريكية عن بورما، نفذ الجيش حملة الأرض المحروقة الوحشية في البلاد ضد الروهينغا.
ثم هناك الانفتاح على كوبا. حيث طردت إدارة ترامب 15 دبلوماسياً كوبياً من الولايات المتحدة مؤخراً، كما سحبت موظفين غير أساسيين من كوبا وحذرت الأميركيين من السفر إلى الجزيرة. لم يفعلوا ذلك لمحو سياسة أوباما في كوبا، بل لأن أحداً ما (ليست هناك أدلة علنية بعد إن كان هو الحكومة الكوبية) على ما يبدو قد تسبب بمرض لما يقرب من أربعٍة وعشرين دبلوماسياً أمريكيا، ربما باستخدام أسلحة صوتية غامضة. (اعترف رودس بأن الحكومة الأمريكية كان عليها الرد على الهجمات على مسؤوليها، لكنه قال إن رد فعل ترامب كان “انتقامياً” جداً).
أما بالنسبة لعدم وجود إصلاحات ديمقراطية من قبل حكومة كاسترو منذ أن هبط أوباما في كوبا لـ”دفن آخر آثار الحرب الباردة بين الأمريكيتين”، فقد قال رودس: ” لقد شرعوا في عجلة الإصلاح، الذي أعتقد أنه كان متوقعاً. لم نعِد قط بتحولٍ سريع في النظام السياسي الكوبي، وما أردنا رؤيته هو المزيد من المشاركة، والمزيد من الاستثمارات في القطاع الكوبي الخاص، وفي نهاية المطاف تعزيز الإصلاح في كوبا من خلال سفر الأمريكيين والتجارة الأمريكية والأفكار الأمريكية وغيرها من الأفكار التي تصل إلى الكوبيين”.
وفي تلك الأثناء افتخر أوباما بنفسه لإبقائه الولايات المتحدة خارج المستنقعات العسكرية الجديدة، ساعياً لترك “حظيرة نظيفة” لخَلَفه، ولكن فشله في وقف تقدم الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، وفي إضعاف حركة طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة في أفغانستان، وفي إيقاف المذبحة في سوريا، أثقل إدارة ترامب باحتمال نشوب صراعاتٍ عسكريةٍ جديدةٍ أو متجددةٍ في تلك البلدان.
فعلى سبيل المثال، فقد حاجج ترامب، لدى إعلانه عن زيادة القوات في أفغانستان، بأن خطط أوباما للحرب كانت تركز بشدةٍ على الجداول الزمنية للانسحاب بدلاً من “الظروف على الأرض”. وادعى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي مايكل أنطون، في شرحٍ لسبب شن ترامب ضرباتٍ ضد الحكومة السورية لاستخدامها الأسلحة الكيميائية، بعد أن تراجع أوباما عن قرارٍ مماثل عام 2013، أن الرئيس يعتقد أنه سيساعد على استعادة “الحزم الأمريكي في الحرب”.
وحتى مع إيران فإن الوضع أكثر تعقيداً ممَّا تتحدث عنه عناوين الأخبار حول رفض ترامب المصادقة على اتفاق أوباما النووي. (تجدر الإشارة إلى أن ترامب قد أبقى الاتفاق غير منقوص، لكنه طلب من الكونغرس النظر إن كان من الواجب على الولايات المتحدة أن تبقى في الاتفاق، أو أن تنسفه أو أن تسعى إلى تنقيحه تشريعياً). ولطالما أصرّ مسؤولو إدارة أوباما على أن الاتفاق النووي كان فقط اتفاقاً لمنع الإيرانيين من الوصول إلى الأسلحة النووية. وقد كانت اتفاقية 2015 ناجحةً بالحكم عليها من خلال هذه الأهداف المحدودة، وقد اتفقت حكومة الولايات المتحدة ومفتشو الأمم المتحدة والقوى العالمية التي ناقشت الاتفاقية جميعاً على أن الإيرانيين ملتزمون بالالتزامات التي تعهدوا بها مقابل تخفيف العقوبات الدولية.
ويبقى ما أمِله بعض مسؤولي إدارة أوباما، وما لم يتحدثوا عنه صراحةً إلا نادراً، من أن إيران قد تعتدل في سلوكياتها في الشرق الأوسط حالما تسقط قيود معينة عن النشاطات النووية الإيرانية بعد 10 أو 15 سنة، وكما أشار كبير مستشاري أوباما للشرق الأوسط حتى عام 2015 فيليب غوردن، فإن جزءاً من نظرية الإدارة في التفكير بخصوص شروط “الإنهاء” كان “أن الانفتاح والمشاركة يصنعان دوائر التعاون”، وأن معظم الإيرانيين، وخاصة الشباب الإيرانيين، “يريدون تغيير نظامهم”. وقال: “عندما تنضم إيران إلى “المجتمع الدولي”، وعندما تصبح أقل شعوراً “بانعدام الأمان”، فإن جيلاً جديداً من القادة قد يدركون “أنهم سيخسرون أكثر باتباع نهج المواجهة”.
غير أن غوردون اعترف بأنه لا توجد “ضمانات”. وبينما تعاونت إيران ضمنياً مع الولايات المتحدة ضد داعش منذ التوقيع على الاتفاق النووي، فقد تابعت المواجهة مع أمريكا في مناطق أخرى. وواصلت إيران تطوير الصواريخ الباليستية، ورعاية الجماعات المسلحة مثل حماس وحزب الله التي تعتبرها الحكومة الأمريكية منظماتٍ إرهابية. ومع اجتثاث تنظيم الدولة الإسلامية، انتزعت الجمهورية الإسلامية النفوذ من الولايات المتحدة في العراق، وضمت قواتها مع روسيا وحزب الله لدعم بشار الأسد خصم أمريكا في سوريا. وكما ذكر روبن رايت من النيويوركر: ” في الواقع إيران في وضعٍ في المنطقة أقوى بكثيرٍ اليوم ممَّا كانت عليه قبل سنتين أو قبل خمس سنوات”. وهذا هو “الأساس الذي تستند إليه إدارة ترامب في سياستها الجديدة”.
وذكر أوباما في شرح نظريته حول المشاركة الدبلوماسية في عام 2009، أنه “في ضوء مخاوف الثورة الثقافية، بدا اجتماع نيكسون مع ماو أمراً لا يمكن تبريره، ولكنه بالتأكيد ساعد على وضع الصين على طريق رفع الملايين من مواطنيها من الفقر، والتواصل مع مجتمعاتٍ منفتحة”. ولكن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن حركة ذهاب نيكسون إلى الصين لا تؤدي دائماً إلى النهوض الاقتصادي والتكامل الدولي، وما يلي ذلك أحياناً هو تجارب الصواريخ الباليستية، ودبلوماسيون مذعورون، وتطهيرٌ شبه كاملٍ لمجموعة عرقيةٍ بأكملها.
وكانت هناك مساحاتٌ استطاع فيها ترامب أن يواصل سياسات أوباما إلى حدٍ كبير، مثل الحملة العسكرية ضد داعش في سوريا والعراق، ونهج الإدارة السابقة تجاه البرنامج النووي لكوريا الشمالية، بما في ذلك التدريبات العسكرية، ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي، واستخدام العقوبات للضغط على كوريا الشمالية في المحادثات (مع الاستثناء الصارخ للخطاب المتصاعد للإدارة حول بدء حرب أخرى على شبه الجزيرة الكورية).
وحتى عندما بدا ترامب يقوم بهدم مبادرات عهد أوباما، كانت الحقيقة في كثير من الحالات أقل دراماتيكية. فقد أشار رودس إلى أنه في حين أن ترامب قد فرض بعض القيود الجديدة على علاقات السفر والأعمال الأمريكية، بالإضافة إلى القيود المفروضة على كوبا (التي لم يتم تنفيذها بعد)، إلا إنه لم يقطع العلاقات الدبلوماسية التي استعادها أوباما. وأضاف رودس أن الولايات المتحدة، فيما يخص لاتفاق باريس للمناخ، لا تستطيع الانسحاب الكامل حتى عام 2020؛ ممَّا يعني أن الإدارة المستقبلية يمكن أن تعود إليه مرةً أخرى، وأن كل الدول الأخرى ستلتزم بالاتفاق، ما يعني “أنه سيبقى الإطار الذي سيتعامل العالم من خلاله مع التغير المناخي”.
وقد أعربت دانيال بليتكا، النائبة الأولى لرئيس معهد المشاريع الأمريكية، عن شكوكٍ مماثلةٍ بشأن أفعال ترامب، لكنها قالت إن تلك الأفعال لم تمتد في العديد من الحالات إلى حدٍ كافٍ لقلبِ مبادرات أوباما. وقالت لي: “أعتقد أن إدارة ترامب هي [مجرد] سياسةٍ عشوائيةٍ، وليست سياسةً إيديولوجيةً، ولا تستند إلى مبدأ”. “وبقدر ما تراجعت الأمور، فقد تراجعت من حيث التسميات لا من حيث المعنى لكي تقلب فعلياً فشل السنوات الثماني السابقة”. كما أشارت بليكتا إلى أنه في سوريا، على سبيل المثال، ” لم تقل إدارة ترامب: “إننا بحاجةٍ إلى جهدٍ منهجيٍ للتراجع عن إخفاقات إدارة [أوباما]، وإظهار أن أمريكا هي منبر الحرية الإنسانية في العالم مرةً أخرى “، ما يقولونه هو: “يا للهول، لقد كان هجوم الأسلحة الكيميائية مرعباً، فلنقصف هؤلاء الأشخاص””.
لقد أوضح ترامب أيضاً أن تمرده يمتد إلى مدىً أبعد من الإدارة السابقة، ووفقاً لجيرمي سوري، مؤرخ الرئاسة الأمريكية في جامعة تكساس في أوستن، فإن ترامب لم يرفض فقط اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، بل أشار إلى أن اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة مع كندا والمكسيك (التي تم تنفيذها في ظل حكم بيل كلينتون، بعد أن وضع أساسها رونالد ريغان وجورج بوش الأب) قد تكون المقبلة.
ورغم أنه من الشائع أن تحاول إدارةٌ جديدةٌ أن تميز نفسها عن سابقتها، فقد قال سوري إن ما يميز ترامب هو أنه “يحاول في الواقع التراجع عن هذه الالتزامات الاستراتيجية الأوسع التي سبقت أوباما، ويعود الكثير منها إلى رونالد ريغان”. ومن الشائع أن يقوم الرؤساء بإجراء تعديلاتٍ تكتيكيةٍ على سياسات سلفهم (انظر إلى محاولة أوباما الخروج من العراق بسرعة دون تغيير جذري في الدور الأمريكي في الشرق الأوسط)، ونتيجةً لذلك عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الكبرى للسياسة الخارجية الأمريكية، كان هناك في الغالب استمراريةٌ أكثر من التغيير، من إيزنهاور وكينيدي إلى بوش وأوباما.
ولهذا السبب شعر رودس بالجزع إزاء معالجة ترامب المتقلبة للالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة مع إيران وحلفائها الأوروبيين والصين وروسيا كجزءٍ من الميثاق الدولي. وقال رودس يبدو أن قرار ترامب بعدم المصادقة على الاتفاق النووي ينبع من “الرغبة في تمزيق الصفقة … والبحث عن تبرير لتمزيق الصفقة”. وأضاف أنّ مخاطر هذا النهج قد لا تكون واضحةً بعد، ولكنها ستتوضح. وقال: “هناك طرف آخر للأشياء التي تقوم بها في السياسة الخارجية، الأمر يستغرق وقتاً لتظهر التبعات. يمكن أن تشعر أنه ليس هناك أي تكلفة للوقوف وعدم المصادقة على صفقة إيران. لكنك تلعب لعبةً جادةً و خطرةً من حيث التبعات، سواءً أستأنفت إيران برنامجها النووي أم لا، وسواءً أتحدى الأوربيون العقوبات الأمريكية الإضافية أم لا، و سواءً كان هناك خطر نزاعٍ متزايدٍ في الشرق الأوسط أم لا، وسواءً أتعرض الدولار كعملةٍ احتياطيةٍ في العالم للخطر أم لا؛ لأننا نواصل استخدام عقوباتنا كامتدادٍ للسياسة الداخلية”.
وعرض جون كيلي رئيس أركان ترامب، فى حديثه للصحفيين في الأسبوع الماضي، تفسيراً مختلفا للسياسة التي يتبعها ترامب. وقال كيلي: “لا أقصد أي انتقادات لأسلاف السيد ترامب”، قبل أن يوجه الانتقادات بثقة “ولكن كان هناك الكثير من الأشياء الفظيعة، من وجهة نظري، من تبعات تم إزاحتها من الطريق إلى حدٍ كبيرٍ حتى الآن، ويجب التعامل معها”.
المصدر: ذا أتلانتيك
الكاتب: يوري فريدمان
الرابط: https://www.theatlantic.com/international/archive/2017/10/trump-obama-foreign-policy-iran/542727/