مدخل
أظهرت نتائج فرز أصوات الجولة الأولى من انتخابات القرن في تركيا، أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حصل على 49.4% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية،
وبالرغم من أنه متقدم بنسبة جيدة عن منافسيه (كليجدار أوغلو 44.96% و سنان أوغان 5.2%)، إلا أن النسبة التي حصل عليها أردوغان ليست كافية لاعتباره فائزاً في الانتخابات وهو ما حذا بالمفوضية العليا للانتخابات للذهاب إلى جولة إعادة بين المرشحين الأعلى حصولاً على الأصوات، (أردوغان و كليجدار أوغلو) في 28 أيار/مايو.
على صعيد البرلمان فقد توزعت نتائج الانتخابات البرلمانية حزبياً على النحو الآتي:
- حزب العدالة والتنمية: 267 مقعدًا من 600 بنسبة 44.5% من إجمالي المقاعد
- حزب الشعب الجمهوري: 169 مقعدًا بنسبة 28.2% (من بينها 14 مقعدًا لحزب الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه علي باباجان، إلى جانب 10 مقاعد لحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، و10 مقاعد لحزب السعادة الذي يرأسه تمل كارا مولا أوغلو، و 3 مقاعد للحزب الديمقراطي برئاسة غولتكين أويصال).
- حزب اليسار الأخضر -الوجه الجديد لحزب الشعوب الديمقراطي-: 61 مقعدًا بنسبة 10.2%.
- حزب الحركة القومية -حليف العدالة والتنمية-: 50 مقعدًا بنسبة 8.3%.
- حزب الجيد -حليف الحزب الجمهوري-: 44 مقعدًا بنسبة 7.3%.
- الرفاه الجديد -حليف العدالة والتنمية-: 5 مقاعد وبنسبة 0.8%.
- حزب العمال التركي -حليف الحزب الجمهوري-: 4 مقاعد بنسبة 0.7%.
تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة بسبب الظروف المحيطة بها والعديد من القضايا والملفات التركية أو التي تضطلع بها تركيا والتي ستتأثر بنتيجة الانتخابات هذه الانتخابات، ولذلك تلقى هذه الانتخابات اهتماماً غير مسبوق ويتابع تفاصيلها ومجرياتها العالم كله.
الآلية الانتخابية
بحسب القانون التركي، فيجبُ ألَّا يقلَّ عمر المرشح لمنصبِ الرئاسة عن 40 عامًا وأن يكون قد أكمل تعليمه العالي. ويُمكن لأي حزبٍ سياسي فاز بنسبة 5% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية السابقة أن يتقدَّم بمُرشَّح عنه، ويُمكن للأحزاب التي شاركت في الانتخابات البرلمانية السابقة ولم تصل إلى عتبة الـ (5%) تشكيل تحالفاتٍ فيما بينها وتقديم مرشحٍ مشتركٍ واحدٍ (أو أكثر) طالما تجاوزت حصّة الأحزاب المشكّلة للتحالف ما مجموعهُ 5%، أمَّا المرشحون المستقلّون فيلزمهم للترشح جمع 100,000 توقيع من الناخبين.
سنان أوغان أحد المرشحين الذين لمعوا في الجولة الأولى ترشح للانتخابات الرئاسية كمستقل بعد أن جمع 100 ألف توقيع، ومحرم إينجه الذي تقدم عن حزبه حزب البلد، فقد احتاج إلى جمع 100 ألف توقيع هو الآخر، بعكس أردوغان و كليجدار أوغلو.
عدد من يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات 64٬190٬651 ناخبًا، من بينهم قرابة 5 ملايين شاب تركي (7.5٪ من مجموع المصوتين) يشاركون للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، غالبيتهم ولدوا بعد تولي حزب “العدالة والتنمية” الحكم في البلاد (عام 2002)، كما تشكل النساء قرابة 50٪ من أصوات الناخبين.
إقبال كبير على المشاركة
بلغت نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات 88.84% (54٬724٬880) منها 1.033.040 صوتاً اعتبرت أصواتاً مبطلة(لاغية) بسبب وجود مخالفة من نوع ما، وتعتبر هذه واحدة من أكبر نسبة المشاركة الانتخابية في العالم، أما نسبة المشاركة في الخارج فبلغت 53.20%.
يبلغ متوسط الإقبال العالمي على الانتخابات بحدود 67٪، وتعتبر نسبة المشاركة في الانتخابات في تركيا واحدة من أعلى النسب في العالم والمنطقة، مقارنة بدول أخرى مثل سويسرا: 36%، الولايات المتحدة: 62%، اليابان: 52%، إيطاليا: 74%، البرازيل: 71%.
يمكن إرجاع الإقبال الكبير للناخبين الأتراك على الانتخابات إلى العوامل التالية:
- سهولة التصويت في تركيا، إذ يمكن للمواطنين الأتراك التصويت مبكراً أو عن طريق الاقتراع الغيابي، مما يسهل عليهم الإدلاء بأصواتهم.
- النظام الانتخابي التركي بشكل عام يوصف بأنه عادل وشفاف، مما يشجع المواطنين على التصويت.
- نظام التصويت في تركيا إلزامي فهذا يزيد من حجم المشاركة في الانتخابات
- ارتفاع مستوى الاهتمام السياسي والمشاركة بين المواطنين الأتراك،
بالعموم فإن الشعور بأهمية الانتخابات في تركيا هو العامل الأساس الذي يساهم في ارتفاع نسبة إقبال الناخبين. إذ يعتقد المواطنون الأتراك أن أصواتهم يمكن أن تحدث فرقا في نتيجة الانتخابات، وبالتالي هم أكثر حرصاً على التصويت.
النتائج البرلمانية والرئاسية -الجولة الأولى-
أجريت الانتخابات في جولتها الأولى على مستوى الرئاسة والبرلمان، وعلى عكس كثير من التوقعات فقد حقق تحالف الحزب الحاكم الذي يقوده حزب العدالة والتنمية أغلبية كما أن حلفاءه تمكنوا أيضاً من تحقيق نتائج مرتفعة نسبياً، بالمقارنة مع انتخابات سابقة.
على مستوى الرئاسة: حصل أردوغان على 49.4% من الأصوات -مقارنة بـ 52.6% عام 2018-، بينما حصل كليجدار أوغلو على 44.9%، وحلّ أردوغان الأوّل في 51 محافظة منها 14 مدينة كبرى يتركز أغلبها على سواحل البحر الأسود ووسط الأناضول، بينما تقدّم كليجدار أوغلو في 30 محافظة منها 16 مدينة كبرى، يقع أغلبها على الشريط الساحلي الغربي (معقل حزب الشعب الجمهوري)، وجنوب شرق البلاد (معقل حزب الشعوب الديمقراطي)، بينما لم يحلّ المرشح الثالث في المرتبة الأولى في أي محافظة.
ورغم أن عدد الولايات التي تفوق فيها أردوغان أكثر من تلك التي تفوق فيها كليجدار أوغلو ولكن تراجع أردوغان في ولايات مهمة وكبيرة فوت عليه فرصة الفوز بالأغلبية، فقد تفوق كليجدار أوغلو في أنقرة بنسبة 47.31% مقابل 46% لأردوغان. وفي إسطنبول، تفوق كليجدار أوغلو بنسبة 48.55%، مقابل 46.69% لأردوغان. وفي أضنة، حاز كليجدار أوغلو على 50.89% في مقابل 43.92% لأردوغان. وفي أنطاليا تقدم كليجدار أوغلو بنسبة 53.13% في مقابل 39.85% لأردوغان، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى تأثر المدن الكبيرة أكثر من غيرها بالأزمة الاقتصادية، ومعاناة المواطنين في هذه المناطق من تبعات التضخم أكثر من غيرهم.
كان ملفتاً للنظر تلك النتائج التي حصل عليها أردوغان في الولايات التي ضربها الزلزال في فبراير 2023، فمثلاً في قهرمان مرعش التي نالت القسط الأكبر من الدمار حصل أردوغان على 71.88%، ويرجع ذلك إلى رضا سكان هذه المناطق عن الاستجابة والإجراءات الحكومية وطريقة تعامل الحكومة مع كارثة الزلزال.
بالمقابل فقد حقق كليجدار أوغلو تقدماً ملحوظاً في أغلب الولايات التي صوتت برلمانياً لتحالف العمل والحرية(حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بعلاقاته مع حزب العمال الإرهابي) وهي كل من: (حقاري، شرناق ، دياربكر، باتمان، ماردين، أغري، وان، موس، سيرت، اغدير، تونجلي، بيطليس، كارس).
على مستوى البرلمان: حصل تحالف الجمهور -العدالة والتنمية وحلفائه- على نسبة 49.4% -مقارنة بـ 53.7% في الانتخابات السابقة-، فيما حصل تحالف الأمة -المعارضة- على 35.21%.
مقارنة بالانتخابات الماضية حقق حزب الشعب الجمهوري تقدماً بفارق 3% تقريباً عن الانتخابات الماضية.
لماذا يتراجع حزب العدالة والتنمية ؟
بالرغم من أن حزب العدالة والتنمية حقق نسبة متقدمة على منافسيه إلا أنه وبالمقارنة مع الانتخابات السابقة -قبل 5 سنوات- فقد تراجع ب 7٪ تقريباً.
يمكن تحديد أسباب التراجع في نسبة التأييد للعدالة والتنمية على مستوى البرلمان أو الرئاسة بالنقاط التالية:
- الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا وتهاوي قيمة العملة التركية، وتعتبر المدن الكبرى وخصوصاً إسطنبول المتضرر الأكبر من هذه الأزمة.
- بعض السياسات الخارجية التركية خصوصاً منها المتعلقة بالشرق الأوسط وعدم اقتناع أو استيعاب الناخب التركي لمبررات العديد من هذه السياسات والقرارات خصوصاً فيما يتعلق بالقضية السورية وملف اللاجئين
- أحزاب وجماعات غالبها إسلامية، متضايقة من التحالف المتصاعد بين الحركة القومية وحزب العدالة، رغم الإيجابيات التي حققها هذا التحالف حتى الآن.
- مجموعات وشريحة معينة من الأتراك القوميين المتضايقين من سياسات العدالة والتنمية تجاه اللاجئين ويعتبرونها متهاونة في هذا الملف.
- الانقسامات والانشقاقات التي تعرض لها حزب العدالة خلال الفترة الماضية وخروج بعض رموزه المؤسسين وتحالفهم مع المعارضة.
- إشكالات متعلقة بطريقة معالجة الحكومة لملف “جماعة كولن” والضرر الذي لحق بشرائح معينة بسبب هذا الملف.
- اقتناع شريحة واسعة من الشباب بضرورة التغيير، حيث تنتشر لدى نسبة 30- 40% -بحسب تقديرات- من الشباب اتهامات عريضة لمؤسسة الرئاسة -مما يعلنه وسائل إعلام المعارضة- مثل الإسراف الحكومي، والتسبب في انهيار الليرة وتراجع أداء الاقتصاد والديكتاتورية وقمع الحريات.
- ضعف الآلة الإعلامية لحزب العدالة والتنمية وحلفه في مقابل الآلة الإعلامية النشطة والكبيرة للمعارضة، حيث تشير التقديرات لامتلاك المعارضة لحوالي -90 ألف حساب نشط في تويتر- إلى جانب عشرات المنصات والمواقع والصحف والقنوات الإعلامية -مثل سوزجو، تلفزيون الشعب Halk TV وزمان وأحوال نيوز وغيرها- إلى جانب حسابات ذات متابعة وتفاعل عالي من المعارضين والفنانين.
- اتهامات متلاحقة بالفساد والمحسوبية للحزب الحاكم وحلفائه
- فشل الحزب الحاكم في كسب أصوات شريحة من الأقليات في تركيا مثل الأكراد والعلويين.
ويمكن القول أنّ القرارات الإيجابية والإنجازات التي تمس حاجات الناس بشكل مباشر -مثل الأداء الجيد لحكومة العدالة والتنمية في فترة كورونا، وأيضاً في كارثة الزلزال وغيرها-، هذا النوع من الانجازات حصد ثمارها الحزب ورموزه أكثر من الرئيس نفسه، بينما حُمّل الرئيس تبعات القرارات المتعلقة بالتعامل مع الأزمات والقرارات الصعبة ذات الأثر الاستراتيجي التي من المفترض أن يلمس الشعب التركي أثرها الإيجابي بعد حين،
من ناحية أخرى يمكن القول أيضاً أنّ أداء المعارضة على المستوى الحزبي كان أضعف من أداء العدالة والتنمية، رغم الأداء الفردي النشط لرموز المعارضة مثل كليجدار أوغلو وإمام أوغلو وغيرهم، وهذا مؤشر على أن حزب العدالة لازال يمتلك القدرة على الاندماج في الشارع التركي والاستجابة لمطالبه أكثر من المعارضة.
لماذا يخسر كليجدار أوغلو
خاض المرشح الرئاسي كليجدار أوغلو حتى الآن 11 منافسة انتخابية ضد أردوغان والعدالة والتنمية وخسرها جميعاً، قد لا يستغرب المؤيدون لأردوغان فوزه على كليجدار أوغلو بسبب الفارق الكبير في الحضور والكاريزما وسجل الانجازات الذي يتمتع به أردوغان،
مع ذلك وفي الآونة الأخيرة على وجه الخصوص عانت حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان من نكسات ليست بالسهلة على العديد من الأصعدة مثل الاقتصاد والسياسة الخارجية في الوقت الذي يتمتع كليجدار أوغلو بدعم ومباركة الغرب، رغم ذلك لم يتمكن كليجدار أوغلو من تحقيق أي فوز على أردوغان.
يمكن تلخيص الأسباب التي أدت لخسارة “كليجدار أوغلو” للانتخابات مؤخراً بالتالي:
- إصراره على ترشيح نفسه، رغم اعتراض قاعدته الجماهيرية على ترشيحه
- ضعف الثقة ببرنامجه الاقتصادي الذي لم يتضمن خطوات مقنعة فعالة
- طروحاته المتعلقة بالسياسة الخارجية منحازة إلى الولايات المتحدة والغرب وتهاجم الروس.
- انشقاق شخصيات مهمة عن حزبه مثل رئيس حزب البلد محرم إينجه
- في ذهن شريحة واسعة من الناخبين الأتراك فإن المكاسب التي حققتها تركيا في العديد من الملفات مرتبطة بـ أردوغان وحزب العدالة والتنمية، خصوصا بعد الجدل الذي أثير بسبب تصريحات من المعارضة انتقدوا فيها الصناعات العسكرية التركية.
- إعلانه أنه سيرسل جميع السوريين إلى بلدهم تسبب في ردود فعل لدى رجال الأعمال وأصحاب المتاجر الذين يوظفون الكثير من السوريين.
- خسارة حزب الشعب الجمهوري وأعضاء التحالف الآخرين لجمهور الناخبين الأجانب(المجنسين)، بعد الخطاب العدائي معهم.
- ضعف تواصله مع الأتراك من الأصول القوقازية والألبانية والشركسية والإيرانية والروسية والعربية.
- قلة العمل المقدم من حزبه وأحزاب المعارضة المكونة لتحالفه في مناطق شرقي وجنوب شرقي تركيا، والاعتماد على جهود حزب الشعوب الديمقراطي، كممثل الوحيد يمثل توجهات الأكراد في التصويت وهو ما أزعج شرائح من الأكراد والأتراك معاً.
- طرحه المتضمن تعيين سبع نواب للرئيس في حال فوزه هم رؤساء الأحزاب المكونة لتحالفه ورئيسي بلديتي أنقرة واسطنبول، وهو ما تستهجنه العديد من الأوساط في تركيا.
الشباب التركي في المعادلة الانتخابية التركية
تصنف المعارضة جيل الشباب بأنه فئة ناقمة أو غير داعمة على الأقل، للحكومة الحالية، بسبب متطلبات الرفاهية التي تعجز الحكومة عن توفيرها له، فيما تراهن الحكومة والحزب الحاكم على إشراك هذه الفئة وتشكيل وعي لديها بطبيعة التحديات التي تواجهها تركيا.
يمكن القول أن المعارضة سبقت الحزب الحاكم بالاهتمام بشريحة الشباب قبل سنوات وقامت بتوجيه البرامج والخطط للاهتمام بهذه الشريحة، ولكن تشير النتائج الأولية التي ظهرت في الجولة الأولى للانتخابات إلى تمكن حزب العدالة والتنمية من تجاوز هذه المشكلة، بدرجة معينة.
التركيز على الشباب وتقديم مرشحين محبوبين من الشارع التركي والنشاط الواسع لكوادر الحزب ومرشحيه و انفتاح الحزب على مختلف شرائح المجتمع كلها عوامل ساهمت بتحقيق الحزب لنتائج مرضية على مستوى البرلمان.
النتائج المحتملة لجولة الإعادة
من خلال قراءة المشهد يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتجه لحسم الانتخابات في الجولة الثانية، وذلك لأسباب عديدة:
- الفارق الكبير نسبياً بين أصوات الرئيس التركي ومنافسه كليجدار أوغلو.
- التفوق الذي تم تحقيقه في البرلمان على صعيد حزب العدالة والتنمية وعلى صعيد تحالف الجمهور، سوف يدفع بالعديد من الأتراك لتفضيل انتخاب أردوغان حتى لا تدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار في حال جرى انتخاب رئيس مختلف في توجهاته عن أغلبية البرلمان.
- احتمالية ذهاب نسبة من الأصوات التي كسبها “سنان أوغان” إلى أردوغان أو التصويت بالحياد، حيث إن حزبه لم يستطع دخول البرلمان.
- احتمالية تراجع نسبة التصويت بين أنصار كليجدار أوغلو نظرًا لسخطهم على التراجع الكبير لحزبهم في البرلمان ولصعود شخصيات محافظة إليه على حساب الحزب في كلٍّ من إسطنبول وأنقرة.
- كانت بعض التوقعات تشير إلى احتمالية تراجع نسبة المشاركين في الانتخابات في الجولة الثانية ولكن انتخابات الخارج التي بدأت منذ أيام أظهرت ارتفاعاً كبيراً في نسبة المشاركة وبالتالي فقد تكون نسبة المشاركة في الداخل كبيرة أيضاً بسبب عملية الحشد والاستقطاب الكبيرين بعد تقارب نتائج الجولة الأولى.
دلالات ونتائج
تشير النتائج التي ظهرت في الجولة الأولى تقدم حزب العدالة والتنمية على منافسيه ولكن أيضاً تشير إلى تراجع حزب العدالة والتنمية بنسبة 7%، وهي المرة الأولى التي لا يتمكن فيها أردوغان من حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وهي المرة الأولى التي يخسر إسطنبول.
كما أن هناك أسباباً منطقية لعدم فوز كليجدار أوغلو وتحالف المعارضة بالانتخابات مثل ضعف برنامجه الانتخابي وتصادم توجهاته مع شريحة واسعة من الأتراك وعدم قدرته على إقناع الناخب التركي بوعوده، فإن التراجع في شعبية العدالة والتنمية والرئيس أردوغان أيضاً يستند إلى حد كبير إلى أسباب منطقية تتعلق بالوضع الاقتصادي المتردي عدم اقتناع شريحة معينة من الأتراك بالسياسات الداخلية والخارجية للحكومة التركية
مع ذلك فإن فرص فوز الرئيس أردوغان أكبر من منافسيه لعدة أسباب أهمها تقدمه الواضح في الجولة الأولى ونسبة عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها حزبه وتحالفه، وضعف البرنامج الانتخابي لمنافسه وقدرة المعارضة المتراجعة على حشد شرائح جديدة.
احتفاظ حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكتلة صلبة من الناخبين، حيث دعمته في هذه الانتخابات التي جاءت بعد أكبر موجة تضخم وغلاء خلال فترة حكمه، مما يؤكد أن هذه الكتلة تقارب 34% من مجمل الأصوات، وهي الكتلة الأكبر بين الأحزاب والتيارات السياسية في تركيا.
هناك حالة من عدم اليقين بخصوص النسبة التي حصل عليها سنان أوغان في الجولة الأولى(5.2%) والتي جاءت أكثر من التوقعات، تصنف الفئات التي صوتت لسنان أوغان إلى ثلاث فئات: الاولى هي الفئة التي لا تود التصويت لأردوغان أو كليجدار اوغلو وتبحث عن خيار ثالث، الثانية شريحة من القوميين الأتراك الذين لم يعجبهم تحالف حزب الجيد مع باقي أعضاء الطاولة السداسية، الفئة الثالثة هي الشريحة التي تؤيد الخطاب العنصري الذي دخلوا في تحالف مع سنان أوغلو في الجولة الاولى من الانتخابات.
عدا عن الوعود بخصوص الاقتصاد واللاجئين التي لا يُوجد ما يؤشر على القدرة على تنفيذها، فعلى المستوى العملي فإن ما يجمع أطراف المعارضة – عدا عن الرغبة بتنحي أردوغان- هو رغبتها بالعودة إلى النظام البرلماني، وفي ظل التركيبة الحالية للبرلمان التي أسفرت عنها الانتخابات في الجولة الأولى إذ لا يتمتع أي حزب أو حلف بأغلبية الثلثين أو أغلبية 60٪، فإن تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلاً أبداً.
في المقابل فإن مشروع التعديل الدستوري الجديد الذي سيدعو له الرئيس بحسب ما صرح عدة مرات، أيضاً لن يمر بسهولة، لنفس الأسباب.
أيضاً تظهر النتائج بروز لاعبين جدد في التيار المحافظ في وجه التيارات العلمانية واليسارية مثل حزب الهدى الكردي الذي كان سببًا في إفقاد حزب الشعوب الديمقراطي قرابة 2.3% من مجمل أصواته في مناطقه الشعبية، إلى جانب تصاعد شعبية “حزب الرفاه الجديد الإسلامي” بقيادة فاتح أربكان الذي حصل على نسبة أعلى من نسب الأحزاب المحافظة المتحالفة مع كمال كليجدار أوغلو -السّعادة والمستقبل و DEVA- مجتمعين.
أظهرت نتائج الانتخابات في جولتها الأولى ضعف شعبية التوجه العنصري المُعادي للأجانب خاصة حزب الظفر الذي أسس وجوده في المشهد السياسي على دعوات طرد العرب واللاجئين من تركيا، إذ لم يتجاوز نسبة 1.5% من مجموع الأصوات.
بعد اضطرار محرم إينجه للانسحاب وعدم تمكن حزبه من تحقيق نسبة معتبرة على المستوى البرلماني يمكن القول أن التهديد الذي كان يشكله على كليجدار أوغلو والحديث عن لعبه دوراً معيناً في دفع كليجدار أوغلو للتنحي عن رئاسة الحزب، كل هذا الحديث أصبح إلى حد كبير من الماضي.
ارتفاع نسبة حزب العدالة في المناطق التي شهدت كارثة الزلزال الأخير في فبراير/شباط 2023، فقد استطاع الرئيس التركي الفوز بقوة في 8 ولايات من أصل 9 تضررت من الزلزال، مما يؤكد أن تعامل الحكومة والمنظمات الداعمة لها مع ضحايا الزلزال أسهم في رفع رصيد التصويت لدى كتلة المنكوبين، مما يؤكد ثقتهم بقدرة العدالة والتنمية على تحقيق الوعود التي قدمها في إعادة الإعمار خلال عام، وهذا مؤشر مهم بالمقارنة مع المعارضة ووعود مرشحها كليجدار أوغلو التي لا تشير الأرقام إلى ثقة الشارع بوعوده.
مصادر
- الانتخابات التركية: دلالات نتائج الجولة الأولى وتبعاتها، سعيد الحاج، المركز العربي
- سنان أوغان يدعم أردوغان.. دلالات الخطوة وتساؤلات عن التأثير على انتخابات تركيا، محمود إبراهيم، الجزيرة نت
- نقاط أثرت سلباً على حظوظ مرشح المعارضة ، المعتز بالله حسن، على تويتر،
- Turkey Elections: Nationalism Sways Erdogan Supporters, Stefanie Glinski, Foreign Policy
- Cumhurbaşkanlığı Seçim Sonuçları 14 Mayıs 2023 – Cumhurbaşkanı Seçim Sonucu ve Adayların Toplam Oy Oranları, haberturk
- Turkey’s Resilient Autocrat, Soner Cagaptay, Foreign Affairs
- Turkey’s Upcoming Elections: A Country at a Crossroads, Salim Çevik, arab center washigton dc
- Turkey’s politics on the cusp of generational change, Galip Dalay, Chatham House