بقلم: بول بيلار
ترجمة: آمال وشنان
هذا المقال مترجم عن موقع ناشيونال إنترست
وسط أسبوعٍ كاملٍ من الدراما التي حولت الإنتباه إلى الخلل الوظيفي لرئاسة دونالد ترامب، أغفل البعض أن إدارة ترامب وضعت القوات الأمريكية في طريق الخطر في حرب أجنبية لهدف جديد – هدف لا يتضمن مواجهة أو تهديد للولايات المتحدة. قال المبعوث الخاص لسوريا والمعين حديثاً جيمس جيفري إنه في ظل “سياسة جديدة” بشأن سوريا، فإن الولايات المتحدة “لن تنسحب بحلول نهاية العام”. وتتعارض هذه السياسة مع ما قاله ترامب ليس فقط أثناء حملته الرئاسية حول الرغبة في تقليل التورط الأمريكي في حروب الشرق الأوسط، ولكن تتعارض أيضاً مع ما قاله في الآونة الأخيرة وبشكل أكثر تحديداً، حول الرغبة في سحب 22 ألف جندي أمريكي متواجد حالياً في سوريا.
تتواجد القوات في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، والتي كانت تركز حتى الآن على المساعدة في مكافحة ما يسمى بالدولة الإسلامية أو داعش. ولكن الآن، وفقاً لجيفري، بالإضافة إلى القضاء على بقايا الدولة الإسلامية السابقة في شرق سوريا، ستبقى القوات الأمريكية إلى أجل غير مسمى بهدف إخراج جميع القوات الحليفة لسوريا مثل”إيران” من البلاد. وقال مسؤولو الإدارة إن الدافع وراء السياسة الجديدة يمكن في الشكوك حول قدرة روسيا واستعدادها للمساعدة في طرد الإيرانيين.
السياسة الجديدة هي هدف حربي جديد تماماً، وليس امتدادا أو نتيجة طبيعية للغرض المعلن مسبقاً لمحاربة داعش. في الواقع، كان وجود إيران في سوريا الذي يهدف إلى دعم نظام الأسد في الجانب المقابل من داعش في الحرب الأهلية السورية التي كانت تهدف إلى الإطاحة بهذا النظام. كان الصقور في الإدارة يتحدثون لبعض الوقت، بطبيعة الحال، عن مواجهة وإعتراض إيران بأي طريقة وفي أي مكان يمكنهم ذلك، لكن تصريح جيفري يمثل خروجًا رسمياً عن هدف الحرب الأمريكية في سوريا والذي يركز حصريًا على داعش.
هدف حربي غير محدد
هذا التحول يتطلب المزيد من التدقيق والنقاش أكثر مما هو عليه حالياً. حيث يتم إرسال الجنود الأمريكيين إلى حرب أجنبية بغرض إخراج دولة شرق أوسطية من دولة شرق أوسطية أخرى لهما علاقة أمنية قديمة. تحديداً كيف تتأثر مصالح الولايات المتحدة من خلال ذهاب أو بقاء هذه القوات؟ الأمريكيون الوحيدون الذين قد يتعرضون للأذى في ظل هذا السيناريو هم الجنود الذين سيتم إرسالهم. لقد كان التحالف السوري الإيراني قائماً لعقود من الزمن، ويعود ذلك إلى تاريخ تشترك الدولتان فيه مع خصمٍ واحدٍ هو نظام صدام حسين في العراق.
القضية ليست فقط ما إذا كانت مصالح الولايات المتحدة ستتأثر، ولكن ما إذا كانت تتأثر بالقدر الذي يبرر مشاركة الجيش الأمريكي في حرب أجنبية – وهو ما ينبغي الالتزام فيه بمستوى أعلى. لنفترض أن المادة الأولى القسم الثامن من دستور الولايات المتحدة قد تم أخذها بعين الإعتبار -لكن بشكل عام الأمر ليس كذلك- وأنه تمت الموافقة على الحرب من قبل الكونغرس وسبق ذلك تورط الجيش الأمريكي في أي حرب أجنبية. لنفترض كذلك أنه عندما يتم تكليف القوات الأمريكية الموجودة بمهمة مختلفة بالفعل، فإن هذه المهمة ونشر القوات المطلوب لتحقيقها يتم عبر إجراء مراجعة صفرية شاملة- ولكن الأمر لن يكون كذلك في الأغلب-. هل سيصوت ممثلو الشعب الأمريكي المنتخبون على إرسال جنود أمريكيين إلى الحرب بغرض دفع دولة شرق أوسطية لنقل بعض قواتها من النقطة أ إلى النقطة ب(علماً أن القوات التي انتقلت إلى سوريا ليسوا غزاة ولكن توجهوا لمساعدة الحكومة الحالية)؟ ربما لا، على الرغم من سنوات الخطاب التي تصور إيران على أنها تجسد الشر.
لكي نكون منصفين، فإن سحب قوات استطلاعية أمريكية التي تم نشرها بالفعل لا يكون مماثلاً تمامًا مع نشر قوة جديدة، سواء تغيرت المهمة أم لم تتغير. عندما ورثا ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر حرب فيتنام عام 1969 ، لم تتمحور مهمتهما حول مسألة ما إذا كانت الحرب فكرة جيدة أو سيئة في المقام الأول، ولكن بدلاً من ذلك حول كيفية سحب جيش مكون من نصف مليون جندي. بطريقة يمكن تقديمها بشكل معقول على أنها “سلام مشرف”. لكن حجم العواطف المرتبطة بذلك والسياسة المنطوية على تكاليف تختلف اختلافاً كبيراً مع القوة الأمريكية الصغيرة في سوريا. إن أي قضية مشروعة حول سحب القوات هناك يجب أن ترتكز على المهمة التي سبق اعتمادها وهي التخلص من داعش.
لا حلول جيدة
لطالما كانت الحرب السورية ولا تزال مشكلة بدون حلول جيدة فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية. يصف روبرت مالي، منسّق سياسة الشرق الأوسط في البيت الأبيض لأوباما، سوريا بأنها “فشل” للإدارة التي كان يعمل بها. من المرجح أن تتسارع وتيرة التأزم في سوريا في الأيام المقبلة مع محاولة النظام السوري الاستيلاء على محافظة إدلب، آخر معقل كبير متبقٍ من قوات المتمردين، وآخر معقل تم اللجوء إليه في وقت سابق من قبل العديد من المقاتلين الذين تم طردهم من المناطق الأخرى.
تجاهل الحقائق المزعجة حول الصراع في سوريا يقف كعائق في طريق وضع السياسات الرصينة. تمكن النظام ، بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين بالفعل من استعادة معظم الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون. ربما كان أقصر الطرق لتخفيف المعاناة الإضافية من هذه الحرب – التي قُتل فيها ما يزيد على نصف مليون شخص ، ونزوح ملايين آخرين – هو أن تكمل القوات الحكومية الانتصار الذي هم في طريقهم إلى تحقيقه. لكن طبيعة نظام الأسد القاسية والمضطربة جعلت من هذا الاحتمال أمراً غير حصري كقاعدة لصنع السياسة الأمريكية (صراحة)، حتى لو كان شعار “الأسد يجب أن يذهب” قد تراجع نوعاً ما.
إدلب تقدم المزيد من الحقائق المزعجة. على الرغم من أن سوريا وروسيا وإيران يصفون المتمردين بأنهم إرهابيين كنوع من الدعاية الروتينية فإن الوصف يلائم بدرجة كبيرة إدلب. وأكبر جماعة مسلحة في إدلب، والحاكم الفعلي لمعظم المحافظة، هي “حركة تحرير الشام” ، وهي آخر فرع لتنظيم القاعدة في سوريا. قد يؤدي هجوم النظام على إدلب بالفعل إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح والنزوح وهو ما أشار له وحذر منه العديد من المعلقين حالياً. لكن الهجوم الناجح من شأنه أن يضع حداً للحكم المحلي اللاإنساني لـ لهيئة تحرير الشام، الذي شهد عمليات اعتقال جماعية وسجون سرية وتعذيب.
يجب أن يتضمن الحل الأقل سوءًا دبلوماسية متعددة الأطراف، بالنظر إلى عدد الأطراف الخارجية المشاركة في النزاع. كان أهم اللاعبين في تلك الدبلوماسية روسيا وإيران وتركيا، على الرغم من أن رؤساء تلك الدول الثلاث فشلوا في تحقيق أي اتفاق حول سوريا في اجتماع قمة عقدوه مؤخراً في طهران. لدى الثلاثة مصالح أقوى من الولايات المتحدة في سوريا. بالنسبة لكل من روسيا وإيران، تمثل سوريا الصديق الأطول والأوحد والأكبر، رغم ما كان يتمتع به النظام في العالم العربي. بالنسبة لتركيا ، تقدم سوريا مجموعة من المشاكل الفورية، بما في ذلك أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، واحتمال حدوث المزيد من القتال في إدلب ، وقضايا أمن الحدود ، والمسألة الكردية.
إن توطيد الولايات المتحدة لعزل إيران في كل فرصة يجعل المهمة المتمثلة في العثور على أقل حل سيئ للحرب السورية أكثر صعوبة. كان هذا التثبيت يعوق الدبلوماسية ذات الصلة بسوريا حتى قبل تولي إدارة ترامب السلطة. لم يكن ذلك حتى أكتوبر 2015، بعد ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاق متعدد الأطراف الذي يقيد برنامج إيران النووي، أن إدارة أوباما أنهت اعتراض الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على المشاركة الإيرانية في محادثات السلام السورية التي ترعاها الأمم المتحدة.
لم يشرح جيفري وغيره من المسؤولين في إدارة ترامب كيف أن إبقاء هذه القوات الأمريكية في سوريا سيساعد في تحقيق انسحاب القوات الإيرانية. من الممكن أن يعملوا كورقة مساومة، على أمل التوصل إلى اتفاق حول انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا. لكن يمكن أن يلعب الإثنان نفس اللعبة. قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في اجتماع القمة في طهران ليس فقط “محاربة الإرهاب في إدلب هي جزء لا يمكن تجنبه من مهمة استعادة السلام والاستقرار في سوريا” ولكن أيضا “علينا إجبار الولايات المتحدة على مغادرة” سوريا. في هذه اللعبة ، لدى إيران ، كما هو مذكور أعلاه ، حافز أقوى لمواصلة اللعب من الولايات المتحدة.
إن الأثر الرئيسي لإبقاء هؤلاء الجنود الأمريكيين في سوريا إلى أجل غير مسمى، لطرد إيران كمهمة جديدة ، هو زيادة لفرصة المواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وربما تصعيدها إلى حرب كبرى. هذا ليس جيدًا ، رغم أنه قد يكون ما يريده البعض في السلطة.