حصلت “فورين بوليسي” على رسالة سرية أرسلها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا “ستيفان دي ميستورا” بشأن إنشاء خلية خاصة لجمع معلومات استخبارية بهدف تنفيذ أي اتفاقات لوقف إطلاق النار قد يتفق عليها في سوريا.
ويعد جمع المعلومات الاستخباراتية أمراً ذا حساسية عالية في سياسة الأمم المتحدة. حيث يثير هذا الأمر حفيظة الحكومات التي تستقبل ممثلي الأمم المتحدة، خاصة من مغبة استخدام هذه المعلومات في التجسس عليهم. عدا عن أن الفكرة أصلاً تملك حساسية عالية في سوريا، حيث قام النظام السوري سابقاً بمنع المراقبين الدوليين من دخول البلد مع معدات اتصالهم الأساسية.
وفي الورقة التي عنونت بـ ” مشروع وقف إطلاق النار: مسودة المفاهيم”، لم تذكر الحاجة لوحدة الاستخبارات بشكل صريح، لكن استخدمت فيها عبارات ملطفة تدل على المغزى نفسه مثل “الوعي الظرفي” أو “حصاد البيانات” أو “جمع المعلومات” متضمناً الحاجة لجمع معلومات استخباراتية حساسة حول جهود مكافحة الإرهاب الذي تنظمه داعش وكشف السلوك العسكري الخاص بقوات النظام والمعارضة هناك.
وفي حال إنشاء هذه الوحدة، فإنها ستكون بحاجة للوصول إلى صور الأقمار الصناعية، والتي يمكن شراؤها في أسواق مفتوحة حول العالم أو يتم الحصول عليها من وكالات استخبارات أجنبية متخصصة. وكذلك ستحتاج الوحدة إلى بعض أنواع أجهزة الاستشعار لإجراء المراقبة عن بعد لوقف إطلاق النار والحصول على نظرة ثاقبة للجهود الدولية المتعلقة بتدمير داعش. ويتضمن الاقتراح الجديد أيضاً تجنيد “محللين للمعلومات السياسية والأمنية” وذلك لتقييم المعلومات من مصادرها المختلفة، بما في ذلك الحكومات الأجنبية ووسائل الإعلام الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى خبراء مكافحة الإرهاب والمتفجرات.
ولا يتوقع لهذه الخطة أن ترى النور قريباً، خاصة وأن النظام السوري المدعم من القوات العسكرية الروسية، واصل هجومه الحاد على قوات المعارضة حتى ي ظل اجتماعات جنيف المخصصة للسلام. يضاف إلى ذلك، إن الاقتراح هذا لم يحظى بامتحان للكفاءة أو الفعالية، خاصة وأنه سيتسبب بكثير من المخاوف للمراقبين الدولين الذين ستحرجون من مغادرة دمشق خوفاً على سلامتهم. من جهته رفض مكتب دي مستورا الحديث عن الوثيقة لكن مسؤولاً مقرباً من المكتب قال أن هذه الوثيقة كانت نسخة أولية من اقتراح تمت مراجعته ولم يكشف عن طبيعة المراجعات أو التعديلات التي أجريت عليها.
ريتشارد غوان، الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال أن الامم المتحدة تخدع نفسها إن كانت تظن بالفعل أنها قادرة على تطوير عملية استخباراتية ذات مصداقية في سوريا، خاصة مع وجود عدد قليل من موظفي الأمم المتحدة هناك، ومعظمهم يتمركزون في دمشق. مشيراً إلى أن قيام الأمم المتحدة بهذه الخطوة في ظل عجزها عن إحداث تواجد حقيقي على الأرض هو هراء.
وأضاف غوان أن الأمم المتحدة ستجد نفسها مضطرة للاعتماد على أي بقايا من استخبارات الولايات المتحدة وروسيا والقوى الأخرى الرئيسية هناك. مشيراً إلى أن العديد من أجهزة الاستخبارات تعمل في سوريا الآن وفكرة تواجد فريق خاص بالأمم المتحدة ستكون أشبه بالجنون.
وقد أقرت الأمم المتحدة سابقاً بعجزها عن فرض وقف لإطلاق النار في سوريا من تلقاء نفسها، مشيرة إلى أن الأمر يحتاج لاقناع المقاتلين وداعميهم الأجانب في الأمر بداية. وأشار دي مستورا مراراً إلى ضرورة اتفاق مجموعة داعمي سوريا والتي تضم 17 دولة منهم روسيا وإيران وتركيا والسعودية لبدء مفاوضات لوقف إطلاق النار في ميونيخ بال 11 من فبراير الجاري وهو ما من شأنه أن يكون أفضل رسالة للشعب السوري وفق ما تحدث دي مستورا خلال المؤتمر الصحفي في جنيف هذا الأسبوع.
وهناك نوع من السريالية في المداولات الداخلية حول التفاصيل التقنية لوقف إطلاق النار، خاصة وأن العنف يشتد في سوريا مما يدل على تراجع فرص التوصل لأي تفاهم محتمل. وهو ما دفع المتحدث باسم المعارضة في مفاوضات جنيف إلى الإشارة إلى أن قيام روسيا بمسارعة ضرباتها الجوية للمدنين في حلب وحمص خلال الاجتماعات، هو ما دفعه لتهديد دي مستورا للانسحاب من أحد الاجتماعات التي كانت مقرره يوم الثلاثاء. داعش، من جهتها ساهمت بتأجيج الوضع، ونفذت هجوماً انتحارياً أدى إلى مقتل ما يقارب من 70 شخص، بما في ذلك عناصر من الميليشيات الموالية للنظام السوري بعد تفجير مزار شيعي مقدس.
ووفقاً للوثيقة السرية، في حال التوصل إلى اتفاقية معينة في سوريا، فإن الأمم المتحدة ستصبح قادرة على إرسال بعثة سياسية خاصة إلى سوريا وهي ستتكفل بمتابعة ومعاقبة المخالفين لوقف إطلاق النار. وتبرز الوثيقة أن الهدف الأساسي للمكتب الذي سينشأ سيكون مساعدة النظام السوري والمعارضة في تنفيذ وقف إطلاق النار ودعم جهود الإغاثة الإنسانية.
ويمكن للمركز أيضاً أن يعمل كمكتب مركزي لتبادل المعلومات والحصول عليها بشكل موثق بما يساعد الأمم المتحدة في متابعة الأوضاع في سوريا بشكل دقيق. ووفقاً لورقة دي مستورا فإن مسألة انتشار موظفين للأمم المتحدة في سوريا سيعتمد بشكل كبير على الوضع الأمني ومناسبتها لتحقيق الهدف.
وتضيف الوثيقة أن معظم انشطة المركز سترتكز في دمشق، حيث يستطيع نظام الأسد ضمان الأمان لدرجة كبيرة أكثر من المناطق الأخرى في البلاد. وتوصي الوثيقة أيضاً بتعيين قيادي بارز ذا خلفية عسكرية ممتازة يساهم في إدارة وتنسيق الأنشطة المرتبطة بوقف إطلاق النار في سوريا.
وفيما يتعلق بخارج دمشق، فإن الأمم المتحدة ستوظف هناك عدداً محدوداً من الموظفين، للقيام بمهمات محدودة وهامة مثل إقامة اتصالات مع المقاتلين، والمساعدة في ترتيب موقف تفاوضي مع المقاتلين في حالات وقف إطلاق النار. وسيسمح للموظفين بالسفر إلى المناطق الآمنية فقط ولن يكون من وظائفهم المراقبة أو التحقق بل سيترك ذلك لجهات عسكرية متخصصة بالتنفيذ وفق الوثيقة أيضاً.
وأكد دي مستورا أيضاً في وثيقته إلى الحاجة الشديدة إلى الحصول على ضمانات أمنية وذات مصداقية من جميع الأطراف ” المقاتلين والحكومات الأجنبية التي تدعمهم” لتعزيز الوعي حول ضرورة تقاسم المعلومات بما يعطي صورة واضحة عن الأوضاع الأمنية الداخلية في سوريا وقياس التقدم في تنفيذ أنشطة وقف إطلاق النار، وهو ما سيساهم في بناء الثقة وتسوية النزاع على طريق الحل في سوريا، والكلام من الوثيقة أيضاً.
إن أي إعلان لاتفاق سلام كمخرج من محادثات جنيف، سيكون معقداً للغاية، خاصة وأن القوى الرئيسية سوف تستمر في الادعاء بأنها تحارب داعش هناك أوجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. وهو ما يتطلب وفق الوثيقة أن “يكون هناك إجراءات ساسية للتخفيف من مغبة تنفيذ التهديدات والتصدي لها” و في الوقت نفسه ” يجب ضمان اتصال مع مجموعة داعمي سوريا والشركاء الآخرين لمكافحة أنشطة داعش ولضمان تنفيذ مبادرات واتفاقات وقف إطلاق النار. وبالتالي سيكون توضيح موقف الهجمات المكافحة للإرهاب وضمان استمرار وقف إطلاق النار.
تستخدم عادة كلمة “الاستخبارات” في سياقات سيئة بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهم من عارضوا مراراً جهود الامم المتحدة لامتلاك القدرة على عمل نظام متطور ذا قدرة على جمع المعلومات بحجة إدارة العمليات الميدانية للأمم المتحدة على الأرض، واحتج المعارضون عادة من خوفهم من استخدام المعلومات الاستخبارية من قبل الحكومات التي ينتمي لها أعضاء المجموعة. وقد تجد هذه المخاوف من يصدقها، خاصة إذا علمنا أن المخابرات الأمريكية والروسية وغيرها استخدمت بعثات الأمم المتحدة للتجسس على نظام صدام حسين ضمن إطار جهودها لتدمير برنامج العراق النووي سابقاً.
أما في الكونغو فالأمر مختلف، حيث انخرطت الأمم المتحدة في انشطة تجسس لجمع شبكات وتفاصيل عن أفراد عصابات في شرق البلاد. عدا عن الأمم المتحدة أدخلت طائرة بدون طيار لاغراض التجسس في الكونغو حديثاً ضمن جهودها في جمع المعلومات.
يضيف غوان، ” مضت خمس سنوات حتى اكتشفت الأمم المتحدة حاجتها لمعرفة معلومات أكثر من سوريا” مذكراً أن مهمة الأمم المتحدة في جمع المعلومات في سوريا ستكون أكثر صعوبة وخطراً مما كانت عليه في الكونغو الديمقراطية أو مالي على سبيل المثال.
القضية الحساسة العالقة في سوريا
أذن لمراقبي جامعة الدول العربية في ديسمبر 2011 بمراقبة انسحاب القوات المسلحة من المدن. لكن المراقبين خضعوا لحملة كبيرة من التضليل في وسائل الإعلام المدعومة من الحكومة. وحرموا من حقهم في النشر أو إخلاء الفرق الطبية الخاصة بهم، وتم مصادرة معدات الاتصال الخاصة بهم على الحدود الأردنية وترك لهم 10 هواتف فقط عمل بالأقمار الصناعية وأجبروا على استخدام خطوط الفاكس والهاتف السورية غير المضمونة، وقامت لاحقاً السفارة الصينية بإقراضهم 10 أجهزة لاسلكية للتواصل في المقر الخاص بهم.
وعلى سبيل المثال، حاصر الآلاف من مؤيدي النظام أفراد البعثة في مدينة اللاذقية مرددين شعارات تدعم بشار الأسد وتهاجم البعثة، ووفقاً لتقرير صادر عن البعثة العربية، التي أجبرت على ايقاف اعمالها بعد 7 أسابيع من بدئها، فإن الحشود خرجت عن السيطرة وتسبب احتشادها بتدمير إحدى العربات المدرعة المخصصة لها وأصيب مراقبين بجروح متوسطة.
أما مجلس الأمن في الأمم المتحدة، أنشأ بعثة مراقبة في سوريا في ابريل 2012 لكنه اضطر لإنهاء عملياتها بعد 4 أشهر من توظيفها بدعاوٍ أمنية.
وعلى الرغم من القيود المفروضة على الأمم المتحدة في جمع معلومات الاستخبارات ، إلا أن مسؤولي الأمم المتحدة يعرفون الكثير عن حقيقة ما يجري على الأرض عبر متابعة وسائل التواصل الإجتماعي مثل يوتيوب وتويتر وفقاً لما قاله والتر دورن، الخبير في الأمم المتحدة في جمع المعلومات وخريج الكلية العسكرية في كندا.
ويشير دورن إلى تفضيله نهج الطبقات لجمع المعلومات الاستخباراتية في سوريا ومراقبة وقف إطلاق النار، عبر تتبع وسائل الاعلام الاجتماعية ودفع المراقبين المحليين لتوفير تقارير من مواقع التحقيق والانتهاكات لوقف إطلاق النار واستخدام التكنولوجيا المتطورة بما في ذلك الكاميرات المنتشرة في مختلف المناطق، بالإضافة إلى إمكانية تعزيز التفتيش والمراقبة عبر تنظيم زيارات روتينية لمواقع وقف إطلاق النار من قبل الأمم المتحدة أو غيرها من المراقبين الدوليين.
وهو ما سيحتم على الأمم المتحدة وفق دورن أن تتخذ إجراءات متعددة لضمان أمن وحماية المتعاونين منها سواء من الموظفين الخاصين أو من المواطنين على الأرض الذين سيزودها بالمعلومات اللازمة.