بقلم: جوزيه بيلايو (المدير المساعد لمبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي)
هذا المقال مترجم عن Atlantic Council
على مدى السنوات الست الماضية، بدأت دول الخليج في تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا، حتى أن العديد منها أعادت فتح سفاراتها في دمشق، التي كانت مغلقة بعد اندلاع الأحداث في عام 2011، وجاء هذا التوجه مدفوعًا بالتكاليف المتزايدة لبقاء الأسد معزولًا، خصوصاً عندما بدا وأنه باق في السلطة، بينما استمر نفوذ إيران في المنطقة في النمو.
وتحججت دول الخليج بشكل صريح بالتوترات الإقليمية والدور المتزايد للدول غير العربية في سوريا كأسباب للتطبيع، وكانت المملكة العربية السعودية هي أحدث من أعادت فتح سفارتها في دمشق في سبتمبر/أيلول 2024، بعد خطوات مماثلة من جانب الإمارات العربية المتحدة والبحرين في ديسمبر/كانون الأول 2018، بهدف “الحد من النفوذ الإيراني”، وفقًا لروبرت فورد ، السفير الأمريكي السابق في سوريا. (على النقيض من ذلك، حافظت قطر على موقف انتقادي صارم تجاه نظام الأسد، ورفضت تطبيع العلاقات).
وفي العام الماضي، عاد الأسد إلى عضوية جامعة الدول العربية، بعد حضوره قمة في المملكة العربية السعودية. ويقال إن الإمارات العربية المتحدة خاضت مفاوضات مع الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الأميركية في مقابل قيام الأسد بكبح جماح تهريب الأسلحة الإيرانية عبر سوريا.
وبعد فرار الأسد إلى موسكو بعد سقوط نظامه السريع والمذهل هذا الشهر، أصبحت دول الخليج التي دعمت الأسد الآن خالية الوفاض. ولكنّ تحول الأحداث يمنح هذه الدول، التي نادراً ما تعمل ككتلة واحدة، فرصة هائلة لتوحيد قواها وممارسة نفوذ كبير -سياسياً ومالياً-، على مستقبل سوريا في حين تتكيف مع بروز دور تركيا المتزايد في سوريا.
المبادرات الخليجية الودية
وبعد فترة وجيزة من سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، استأنفت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان أنشطتها الدبلوماسية في دمشق، بدورها قامت إدارة الشؤون السياسية في الحكومة السورية الجديدة بشكر هذه الدول، في بيان صدر في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول. وجاء هذا البيان في أعقاب اجتماعات عقدتها القيادة الجديدة مع سفراء هذه الدول، فضلاً عن قطر. وفي الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول أيضاً، أعربت البحرين -التي ترأست جامعة الدول العربية هذا العام- عن دعمها للانتقال السياسي في سوريا من خلال رسالة إلى القيادة الجديدة في سوريا. وفي الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول، سلطت لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (التي تضم دبلوماسيين عرباً وغربيين وأتراكاً) الضوء على الدعم العربي للانتقال السياسي في سوريا في ظل السلطات المؤقتة.
وفي الوقت نفسه، أعربت المملكة العربية السعودية عن “أقوى دعم” للشعب السوري بعد سقوط حكومة الأسد، وأشادت بالإجراءات التي اتخذتها القيادة الجديدة في دمشق لحماية الأقليات في سوريا وتعزيز الاستقرار. وفي الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، التقى وفد سعودي برئاسة مستشار من الديوان الملكي السعودي بالزعيم السوري الجديد، وسط تقارير تفيد بأن المملكة العربية السعودية ستبدأ في توريد النفط إلى دمشق. ومن المؤشرات الجيدة على جدية المملكة العربية السعودية في التعاون مع عملية انتقال السلطة في سوريا أن المملكة تتعاون بالفعل على أعلى مستوى مع اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً في سوريا -وهو اللاعب الذي يكتسب نفوذاً متزايداً في المنطقة- إنه تركيا.
كانت الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت عملية التطبيع مع الأسد في الخليج، آخر دولة خليجية تشير علنًا إلى مشاركة إيجابية مع الإدارة السورية الجديدة، والتي تجسدت في مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين في 23 ديسمبر/كانون الأول. ويبقى أن نرى ما إذا كانت أبو ظبي ستتحرك بحذر لدعم الإدارة الجديدة في دمشق بشكل كامل وعلني من خلال إرسال مساعدات إنسانية أو مالية إلى البلاد في الأسابيع المقبلة، كما فعلت جارتها قطر بالفعل،
في 14 ديسمبر/كانون الأول، أعرب أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة، عن تفاؤله بشأن لغة القيادة الجديدة بشأن الوحدة، كما أكد قرقاش بقوة على الحاجة إلى البقاء على أهبة الاستعداد نظرًا لعلاقات القيادة الجديدة بالفصائل الإسلامية. كما كتب في منشور على X أن اجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا “يعكس نهجًا عربيًا إيجابيًا لدعم إخواننا في مسار الانتقال السياسي والسلمي” في سوريا.
وتمثل هذه التحركات في منطقة الخليج إشارة إيجابية إلى أن الدول التي طبّعت العلاقات مع الأسد من المرجح أن تتعامل بشكل عملي مع حقائق سوريا الجديدة.
نفوذ تركيا المتزايد
وباعتبارها الدولة ذات أقوى علاقة بالقيادة السورية الجديدة، فمن المرجح أن تتمتع تركيا بنفوذ كبير على مستقبل سوريا – وحتى المنطقة، نظراً لدورها المتزايد في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتعزز تركيا مكانتها في سوريا في مواجهة إيران في مناطق أخرى مثل جنوب القوقاز، حيث تحافظ تركيا على تعاون وثيق مع أذربيجان بينما تتمتع إيران بعلاقات وثيقة مع أرمينيا. ومع ذلك، لا ينبغي لأنقرة أن تتحمل دور إعادة الإعمار وبناء الدولة في سوريا وحدها. إن التعاون مع الدول العربية في الخليج من شأنه أن يجلب الشرعية والموارد المالية الأساسية لجهود إعادة الإعمار في سوريا.
ومن بين دول الخليج، من المرجح أن تمارس قطر أكبر قدر من النفوذ على القيادة الجديدة في دمشق، بعد أن لعبت دوراً محورياً في تسهيل المحادثات بين وزراء خارجية الدول العربية وتركيا وروسيا وإيران خلال منتدى الدوحة الذي حدد في نهاية المطاف مصير الأسد . وفي اجتماعات في الدوحة مع خبراء المجلس الأطلسي (وأنا منهم) بعد ساعات فقط من الإعلان عن سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، أعرب كبار المسؤولين في الأمن الوطني القطري عن تأييدهم لرفضهم التطبيع مع نظام الأسد. والجدير بالذكر أن قطر كانت الدولة الوحيدة في الخليج التي تستضيف بالفعل الائتلاف الوطني السوري، الذي اعترفت به كممثل شرعي وحيد لسوريا.
فرصة إدارة ترامب
إن سقوط الأسد يمثل انتكاسة هائلة لإيران، ويتعين على دول الخليج أن تغتنم هذه اللحظة باعتبارها فرصة لا مثيل لها لتعزيز الدور العربي في مستقبل سوريا. ومن خلال الضغط على القيادة الجديدة في سوريا وتوجيهها لتشكيل حكومة شاملة، تستطيع دول الخليج أن تحمي مصالحها في حين تعمل على تقليص مخاطر تجدد عدم الاستقرار الذي يهدد المنطقة بأسرها.
وتلعب إدارة ترامب أيضا دوراً رئيسياً، ففي حين تواجه الحكومة السورية الجديدة مهمة إعادة الإعمار الشاقة والمكلفة، فإن الدعم الإقليمي والدولي سيكون لا غنى عنه لضمان عدم فشل سوريا مرة أخرى وزعزعة استقرار المنطقة. وينبغي للرئيس المنتخب دونالد ترامب أن يقود الجهود إلى جانب تركيا ودول الخليج العربي لجمع الأموال اللازمة لإعادة إعمار سوريا والحكم الانتقالي، وهو ما من شأنه أيضا أن يوجه ضربة استراتيجية حاسمة للوجود الإيراني في سوريا. وينبغي ربط مثل هذه المساعدة بشروط واضحة من شأنها أن تضمن الاستقرار وعملية سياسية شاملة لبناء شيء أفضل مما تحمله السوريون في عهد الأسد.
إن سقوط نظام الأسد سوف يخلف عواقب وخيمة على المنطقة في السنوات المقبلة. والآن أصبحت الولايات المتحدة ودول الخليج تمتلك نفوذاً جديداً -مالياً ودبلوماسياً- لتشكيل تلك العواقب. ومن المرجح أن تكون أي إدارة جديدة في دمشق حريصة على الحصول على موافقة واشنطن في أقرب وقت ممكن لتعزيز شرعيتها الدولية. وهذا يعطي الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج الفرصة للتأثير بشكل إيجابي على العملية السياسية الجديدة في البلاد -وضمان أي تغييرات ضرورية من جانب القيادة السورية الجديدة- إذا انحرفت عن المسار.
جوزيه بيلايو هو المدير المساعد لمبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.