يبدو أن أزمة كركوك قد انتهت إلى حد كبير؛ فباستثناء جيب هنا أو هناك فقد استعاد العراق المناطق المفقودة أو التي تم إخلاؤها من السكان في عام 2014، في حين تحتفظ حكومة إقليم كردستان بالسيطرة على المناطق التي يحددها الدستور العراقي.
بعيداً عن الدعاية، والجدل، والتضليل في الأسبوع الماضي، ما حدث كان واضحاً: تم تجاوز مسعود بارزاني.
كان بإمكانه أن يقوم بتسوية، لكنه حفز كل نوبة الجنون القومي والجهود الرامية إلى صرف الانتباه عن الضيق السياسي والاقتصادي الذي تسببت به دكتاتوريته. فرض المواجهة وخسر.. بكل بساطة. ولو كان قام بتسوية لظلت المناطق المتنازع عليها في ديالى ونينوى وكركوك تحت سيطرة الأكراد. والمسؤولية ستقع على عاتق بارزاني وبارزاني وحده، ولم يكن هناك خيانة على غرار 1975؛ لأن الولايات المتحدة كانت شفافة جداً فيما سيحدث.
ما الذي سيحدث بعد ذلك فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه الأكراد؟
يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة مدركة لتعقيد المنطقة. ففي حين أن من السهل التعاطف مع السردية الكردية، يجب أن يكون هناك بعض البحث العميق حول أولئك الذين شاركوا في الجولات الدعائية لحكومة إقليم كردستان، والذين فوجئوا الآن فقط ممَّا يقوله الأكراد والأقليات الإقليمية، بعد أن تحرروا من مراقبة عيون الميليشيات الكردية والاستخبارات. بارزاني زعيم غير شرعي، وانتهت فترة ولايته منذ أكثر من عامين، بموجب القانون الكردي. وقد أخطأت وزارة الخارجية والمبعوث الرئاسي بريت ماكغورك في الاستمرار في الشراكة معه، وربما كانوا يعتقدون أن الشراكة مع ديكتاتور أسهل من التعامل مع المشهد السياسي الكردستاني الأكثر تعقيداً، ولكنهم كانوا مخطئين.
وبموجب القانون يجب أن تعترف واشنطن برئيس برلمان كردستان يوسف محمد صادق رئيساً لمجلس الحكم الانتقالي في كردستان العراق حتى يتمكن من تنظيم الانتخابات، وينبغي أن تنظم هذه الانتخابات لجنة مستقلة، وتراقبها مهنياً جماعات ذات مصداقية مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أو مركز كارتر، أو المعهد الديمقراطي الوطني، وغيرها.
وقبل استفتاء 25 أيلول/سبتمبر دعت حكومة إقليم كردستان ووكلاؤها في واشنطن ولندن المسؤولين السابقين والمفكرين والأكاديميين إلى “مراقبة” الاستفتاء، ووعدوا بأن جميع النفقات ستغطيها حكومة الإقليم. واعترض الأذكياء منهم وبقوا في المنزل وكانوا محقين في ذلك. رأيت بعض الدعوات والجدول الزمني المقترح: شملت ساعتين فقط من المراقبة في مراكز الاقتراع المختارة، لكنها كانت مكثفة في اللقاءات مع كبار الشخصيات البارزة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والترفيه. وهذا النوع من الهراء ينزع شرعية المراقبة الحيادية، وهو الأمر الذي تفعله الدكتاتوريات وليس الديمقراطيات.
عندما تعقد انتخابات جديدة سيحين الوقت للقادة الأكراد لمعالجة قضية تجاهلوها لمدة 25 عاماً: هل الممتلكات التي يعيش فيها كبار القادة تعود ملكيتها إلى الأفراد أم إلى الأحزاب أم إلى الحكومة؟ فلنأمل أن تكون عائدة للأخيرة.
ما يعنيه هذا هو أنه إذا ما قام بارزاني بالتنحي، فإنه يجب أن يتخلي عن قصره ومجمع القمة الجبلية في سار الراش. فليشترِ منزلاً في أربيل، ولكن إن كان لا يريد أن يختلط بالأكراد العاديين فليعد إلى قريته، أو ليذهب إلى الخارج.
والده هرب مرة واحدة إلى موسكو، ولكن بارزاني قد يفضل تركيا أو دبي. وفي الماضي قد تخلى إقليم كردستان عن مجمع في قمة جبله، وهو منتجع شعبي قام صدام حسين بالاستيلاء عليه أولاً، وبعد عام 1991 نقل إلى عائلة بارزاني.
إن أيدي أمريكا، أو بشكل أكثر دقة الأميركيين، ليست نظيفة تماماً. وقد أشار الأكراد الذين تكلمت معهم، وفي الأسابيع التي سبقت الاستفتاء، إلى أنه وعلى الرغم من جميع البيانات الرسمية الواردة من واشنطن، فقد أكد أمريكيون آخرون أن الولايات المتحدة ستقبل الاستفتاء.
من هم هؤلاء الأمريكيون الذين أعطوا الأكراد هذه التأكيدات الكاذبة؟ لقد حان الوقت للأكراد لكي يتحدثوا عن ذلك. هل أساؤوا تفسير تصريحات أعضاء الكونغرس الصريحين؟ أم أنهم استمعوا كثيراً إلى المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين استفادوا من مواقعهم السابقة لفرص تجارية في المنطقة؟
وعندما يستخدم السفراء السابقون بالفعل ألقابهم لتعزيز أهميتهم المحلية لفترة طويلة بعد انتهاء مدة ولايتهم فهذا يضر بشدة بالدور الأمريكي في العراق وفي أماكن أخرى.
وقد حان الوقت أيضاً للولايات المتحدة أن تكون شفافة فيما يتعلق بالأكراد السوريين. في أوائل عام 2014، قبل وقت طويل من تعاون المسؤولين الحكوميين الأميركيين مع الأكراد السوريين، قمت بزيارة الوطن الذي كانوا قد منحوه لأنفسهم على خلفية محاربة المتطرفين الإسلاميين في سوريا، وكان مثيراً للإعجاب.
لم أكن أعرف أنها لم تكن سوى البداية. وكانت وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، هي القوة القتالية المحلية الأكثر قدرة وفعالية ضد تنظيم القاعدة وداعش. وينبغي مكافأتهم.
لقد حان الوقت لإجراء نقاش حقيقي حول رفع اسم حزب العمال الكردستاني، الذي يبدو، بصراحة، منذ فترة طويلة أكثر تمرداً من جماعة إرهابية. وتركيا -التي نحتها وزارة الخارجية لفترة طويلة جانباً- ليس لها أساس للشكاوي نظراً لتواصل الرئيس أردوغان مع المجموعة في السنوات الماضية، فضلاً عن احتضان تركيا المفتوح لحماس.
ببساطة، يجب على الولايات المتحدة ضمان كردستان السورية (أو روجآفا كما يطلق عليها الأكراد)، والتي تعتبر منطقة اتحادية داخل سوريا. يجب عدم خيانة الأكراد السوريين. إن منع الخيانة لا يعني ردع العدوان التركي المحتمل فحسب، بل يعني أيضاً التعامل مع قادة روجآفا للتغلب على مسألة تعظيم القادة، والتي هي أحد أشكال الدكتاتورية التي أدت إلى تقويض أبناء عمومتهم الأكراد في العراق.
الأكراد في كل من روجافا وكردستان العراق قادرون على تحقيق الديمقراطية. ومع ذلك، فإن الديمقراطية تتعلق بالمساءلة، وليس صفقات سرية لتقسيم المنطقة حسب خرائط وحدود وضعت من قبل زعماء الحزب. ويعني ذلك المساءلة أمام سيادة القانون، بغض النظر عن اسم العائلة والنسب.
ولا ينبغي أن يكون بمقدور أحد أن يقتل صحافياً دون عقاب، ولا ينبغي أن يكون قادراً على الاستفادة من مركزه السياسي لزيادة ثروات الأسرة. وعلى خلفية الأزمة المالية فإن الوقت قد حان للمطالبة باستعادة أصولهم المسروقة. والبيشمركة الحقيقية التي قاتلت على الخطوط الأمامية (على عكس أولئك الذين يدعون أنهم من البيشمركة ولكنهم قاموا بالمتاجرة بالنفط مع الدولة الإسلامية) يستحقون أكثر من ذلك.
المصدر: نيوز وييك
الرابط: http://www.newsweek.com/what-trumps-policy-toward-kurds-does-he-have-one-689620