حسب التعديلات الدستورية الجديدة، سيركز البرلمان التركي على إصدار القوانين. وفي حين يعترض حزب الشعب الجمهوري المعارض على زيادة مقاعد النواب إلى 600 نائب، هناك العديد من الدول، ذات تعداد سكاني أقل من تركيا، تملك أعداد نواب أكثر في البرلمان.
ستعزز التعديلات الدستورية الجديدة دور البرلمان التركي، فضلا عن تحقيق العدالة في التمثيل البرلماني بما يتوافق مع أعداد السكان. فنظرا لارتفاع عدد سكان تركيا، مقارنة بأعداد النواب في الدول الأخرى، سيتم زيادة عدد مقاعد النواب في البرلمان التركي إلى 600 نائب. وتجدر الإشارة إلى أن آخر مرة وقع فيها زيادة عدد النواب في البرلمان التركي كانت سنة 1995، حيث ارتفع عدد مقاعد النواب من 450 إلى 550 مقعدا.
النواب هم من سيصدرون القوانين
يبلغ عدد نواب البرلمان في بريطانيا 1449، وفي إيطاليا 952، وفي فرنسا 925، وفي إسبانيا 616، علماً بأن التعداد السكاني في جميع هذه الدول أقل من التعداد السكاني في تركيا. وبزيادة عدد مقاعد النواب إلى 600 في البرلمان التركي ستزداد نسبة التمثيل البرلماني للناخب التركي.
من جهة أخرى، سيساعد فصل الحكومة عن البرلمان في التعديلات الدستورية على تعزيز الدور الذي يضطلع به البرلمان، إذ أن القوانين تسن من قبل النواب فقط، ليتم مصادقتها فيما بعد من قبل البرلمان. وستقتصر صلاحيات الحكومة، التي سيُشكلها الرئيس المنتخب، على إعداد مسودة قانون الموازنة العامة فقط وعرضها على البرلمان.
كما أن دراسة مسودة القوانين والمصادقة عليها ستكون أيضا من ضمن الصلاحيات التي ستمنح لمجلس البرلمان. بالإضافة إلى ذلك، سيتولى البرلمان مهام الإعلان عن الحروب وطباعة الأوراق النقدية والمصادقة على الاتفاقيات الدولية، وإصدار قرارات العفو الخاصة بالمذنبين.
ستكون بعض مواد الدستور بعد التعديل على هذه الصورة :
المادة الثانية: يتكون مجلس الأمة التركي من 600 نائب مُنتخب من قبل الشعب في الانتخابات العامة.
المادة الخامسة: ستتضمن صلاحيات ومهام مجلس الأمة التركي إصدار القوانين وتغييرها أو إلغائها، ومناقشة مسودات قوانين الموازنة العامة والمصادقة عليها. وسيأخذ البرلمان على عاتقه مهمة إصدار قرارات الحروب وطباعة الأوراق النقدية، فضلا عن المصادقة على الاتفاقيات الدولية. وسيتكفل البرلمان بإصدار قرارات العفو الخاصة والعامة بأغلبية 5/3 من النواب، والقيام بالمهمات والصلاحيات الواردة في مواد الدستور الأخرى.
المادة السادسة: سيستخدم مجلس الأمة صلاحيات المراقبة وجمع المعلومات من خلال الإستجواب والأسئلة الكتابية والاجتماعات العامة والبحث. وسيكون بحث المجلس عبارة عن التحقيقات التي يجريها في موضوع معين بغرض جمع المعطيات اللازمة. أما الاجتماعات العامة، فستتم فيها مناقشة الهيئة العامة لمجلس الأمة للمسائل التي تتعلق بالدولة والشعب.
المادتان السابعة عشر والثامنة عشر: ستعقد انتخابات مجلس الأمة وانتخابات رئيس الدولة بشكل متزامن، بتاريخ 03 نوفمبر/تشرين ثاني سنة 2019. وفي حال اتخذ مجلس الأمة قرار يقضي بتغيير موعد الانتخابات البرلمانية إلى ما قبل هذا التاريخ، سيتم تغيير موعد انتخابات رئيس الدولة لتكونا في الموعد ذاته.
في حال قبولها في الاستفتاء الشعبي، سيدخل مشروع قوانين “الإبقاء على علاقة الرئيس بحزبه” والأحكام المتعلقة بالهيئة العامة للقضاة، حيز التنفيذ. وستصبح مهام وصلاحيات رئيس الدولة؛ كإلغاء منصب رئاسة الوزراء وغيرها من الصلاحيات الأخرى، سارية المفعول بعد أول عملية انتخابية.
والجدير بالذكر، أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي تم إنشاؤه ليحل محل حزب الشعب الجمهوري بعد الانقلاب العسكري، بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر سنة 1980، قدم مشروع قانون يقترح فيه زيادة عدد مقاعد البرلمان التركي من 450 إلى 600 سنة 1995.
بالتعديلات الدستورية الجديدة ستصبح مفاوضات الوزارات من التاريخ
بالرجوع إلى تاريخ تركيا، سقطت حكومة الأقلية بقيادة بولنت أجاويد، رئيس حزب الشعب الجمهوري في ذلك الوقت، بعد عدم منحها الثقة من البرلمان. بعد ذلك، تم إنشاء حكومة ائتلافية تضم حزب العدالة وحزب السلام القومي وحزب الحركة القومية برئاسة سليمان ديميرال. في تلك الفترة، لم يستسلم أجاويد، الذي كان يحتاج إلى 12 نائب برلماني من أجل تشكيل حكومة أغلبية، حيث قام بإجراء مفاوضات مع 12 نائبا من حزب العدالة، واقترح عليهم مناصب بوزارية مقابل دعمه لتشكيل الحكومة.
بفضل دعم ما يقارب 12 نائبا برلمانيا، قدم أجاويد استجواب للحكومة الإئتلافية نتج عنه سقوط الحكومة المشكلة سنة 1977. ومن هذا المنطلق، ستجعل التعديلات الدستورية الجديدة مثل هذا النوع من المفاوضات ضربا من الماضي، وذلك من خلال فصل الحكومة عن البرلمان، الذي سيتمثل دوره أساسا في سن وإصدار القوانين.
غونيش موتيل قاد الدولة إلى الانقلاب العسكري
أدلى فتحي أجار، نائب برلماني عن حزب العدالة في الفترة بين سنة 1977 و1980، بشهاداته عن حكومة غونيش موتيل، “الحكومة الثانية والأربعين”، التي تعتبر نقطة سوداء في التاريخ السياسي التركي حيث قال، “كان الدستور التركي في فترة ما بين 1921 و1924 يعتمد على تحالف القوى داخل البرلمان. وعندما كان أتاتورك مريضا خلال سنة 1937، قام نائبه عصمت إينونو، بإدخال ستة قوانين من قائمة قوانين حزبه إلى الدستور التركي، علما وأن الدستور التركي، بين السنوات 1961 و1982 لم تكن له أي قاعدة قانونية”.
وأضاف موتيل “كان تورهان فيزي أوغلو رئيس هيئة الدستور سنة 1961، وهو جد “رئيس نقابة المحامين الأتراك الحالي”، ميتين فيزي أوغلو، إذ يعتبر تورهان مؤسس الدساتير الانقلابية الحالية”.
وأردف موتيل قائلا “عندما تم عرض الدستور على الاستفتاء الشعبي سنة 1961، كان الانقلابيون يحتجزون رئيس الحزب الديمقراطي، عدنان مندريس، الذي كان يعارض الدستور، حيث هددوا بقتله إذا لم تتم الموافقة على الدستور. ووفقا لهذا المعطى، فإن تورهان فيزي أوغلو وجوشكون كيرجا يعتبرون بمثابة أساتذة الدساتير الانقلابية”.
وأوضح موتيل “حصل حزب الشعب الجمهوري تحت قيادة بولنت أجاويد على نسبة 41% في انتخابات البرلمان، بتاريخ 5 يونيو/ حزيران 1977، وفاز بنحو 213 مقعدا في البرلمان. في المقابل، تحصل حزب العدالة على نسبة 39%، في تلك الانتخابات، وحاز على 189 مقعدا. وبعد تقديم نائبين مستقلين دعمهما لحزب الشعب الجمهوري بقيادة أجاويد، كان يلزم أجاويد 12 نائبا برلمانيا آخرا حتى يتمكن من تشكيل الحكومة”.
وأشار موتيل إلى أن ” الثقة لم تُمنح لحكومة الأقلية بقيادة أجاويد وأدى ذلك إلى سقوط الحكومة بتاريخ 22 يوليو/تموز سنة 1977. بعد ذلك، تم تشكيل حكومة ائتلافية تضم حزب العدالة وحزب السلام القومي وحزب الحركة القومية، برئاسة سليمان ديميرال”.
وأضاف موتيل “حاول أجاويد انتهاج طرق أخرى وبحث عن نواب من أحزاب أخرى داخل البرلمان مستعدين لتقديم الدعم له. ومن بين الشروط التي تميز النائب المراد التحالف معه، وفقا لما صرح به أجاويد، “أريد 12 نائبا برلمانيا مستعدين للتخلي عن مصالحهم الشخصية ولا يدينون بأموال للقمار.
في شهر ديسيمبر/كانون الأول سنة 1977، اجتمع 12 نائبا عن حزب العدالة، على رأسهم أوغوز أتالاي، نائب حزب العدالة عن مدينة قونيا، ببولنت أجاويد في غونيش موتيل بإسطنبول. وتم على إثر هذا الاجتماع، الاتفاق على تقديم الدعم له مقابل الحصول على بعض الوزارات، حيث حصل 11 نائبا منهم على وزارات، في حين لم يقبل أوغوز أتالاي بذلك”.
وفسر غونيش موتيل أنه “من بين الأسباب الأخرى التي دفعتهم إلى تقديم الدعم لأجاويد، إسقاط حكومة الائتلاف، وقد نالوا مرادهم. بعد ذلك، شُكّلت حكومة برئاسة أجاويد وبعضوية نواب حزب العدالة الذين قدموا الدعم له. لم تدم هذه الحكومة طويلاً، حيث استمرت 22 شهراً فقط وذلك بسبب الاختلافات القائمة بين آراء 11 نائب عن حزب العدالة.
بعد ذلك بدأت الأزمات تتوالى في تركيا، إذ جدت في تلك الفترة أحداث مدينة كهرمانماراش واندلعت أزمات الخدمات الحكومية وما إلى ذلك من تداعيات تسلم تلك الحكومة لزمام الأمور في البلاد، ليصل إلى فرض الأحكام العرفية. وبعد هذه الفترة، حدث انقلاب بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر سنة 1980″.
وفي الختام، أشار أوتيل، إلى أن ” الائتلافات الحكومية تدمر الأحزاب السياسية الكبرى وتنهيها. وأنا على قناعة تامة بأن الشعب التركي الذي قام بحماية إستقرار الدولة في إحدى عشرة عملية انتخابية، سيقوم بذلك للمرة الثانية عشرة من خلال الموافقة على استفتاء النظام الرئاسي. نحن بجانب الرئيس أردوغان، وسنساعد على ازدهار دولتنا والحفاظ على استقرارها من خلال التصويت ب “نعم” في الاستفتاء الرئاسي القادم”.
هذه المادة مترجمة من صحيفة تقويم التركية، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا