23 كانون الأول/ديسمبر 2025
قالت صحيفة “واشنطن بوست” في تحقيقٍ استقصائي طويل -أكثر من 3000 كلمة- نُشر الثلاثاء 23 كانون الأول/ديسمبر 2025 بعنوان: “كيف تسعى الأنشطة الإسرائيلية السرّية في سوريا إلى تقويض حكومتها الجديدة“، إن إسرائيل نفّذت، خلال العام الذي تلا سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أنشطة سرّية في جنوب سوريا هدفت -بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين وقادة محليين- إلى دعم مجموعات درزية مسلّحة، بما قد يحدّ من قدرة الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع على تركيز السلطة وتوحيد البلاد.
ووفقاً للتحقيق، فإن عمليات دعمٍ شملت إسقاط مساعدات ومعدات إلى مناطق ذات غالبية درزية، وتقديم مساعدات “غير فتاكة” مثل المستلزمات الطبية والسترات الواقية، إضافةً إلى مخصصات مالية شهرية لعناصر مسلّحة محلية. وتقول الصحيفة إن هدف هذه السياسة، كما يراه مسؤولون إسرائيليون تحدثوا لها، يتمثل في منع تشكّل قوة سورية جديدة على الحدود الشمالية الشرقية لإسرائيل يمكن أن تمثل تهديداً مستقبلياً، في ظل خلفية الشرع كقائد سابق لفصيل مسلح ذي صلات تاريخية بتنظيمات متطرفة.
شحنات أسلحة وتوقيتٌ مبكر بعد سقوط النظام
وأوردت “واشنطن بوست” أن عمليات الدعم بدأت في وقتٍ مبكر جداً بعد سقوط النظام، وتحديداً في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، إذ تحدثت الصحيفة عن تسليم أسلحة وذخائر وعتاد حماية لجماعة درزية تُعرف باسم “المجلس العسكري” في محافظة السويداء، استناداً إلى روايات لمسؤولين إسرائيليين سابقين قالت إنهم شاركوا في ترتيبات الدعم.
ويشير التحقيق إلى أن حجم تدفقات السلاح -بحسب المصادر التي تحدثت للصحيفة- شهد تصاعداً خلال الربيع على خلفية توترات واشتباكات محلية بين مسلحين دروز ومجموعات إسلامية موالية للسلطة الجديدة، قبل أن يتراجع لاحقاً مع انتقال إسرائيل إلى مسار تفاوضي مع دمشق وظهور شكوك إسرائيلية -وفق التحقيق- بشأن تماسك القيادات الدرزية المحلية وإمكان الاعتماد عليها على المدى الطويل.
مدفوعات شهرية ودعمٌ مستمر “بصيغة مخففة”
وبحسب التحقيق، فإن إسرائيل واصلت -حتى بعد تقليص شحنات السلاح- تقديم مساعدات دفاعية غير فتاكة وإمدادات طبية، إلى جانب مدفوعات شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لعدد من المقاتلين المحليين الذين تصفهم الصحيفة بأنهم ضمن تشكيلات “حرس/ميليشيا” مرتبطة بقيادات درزية في السويداء.
وتنقل “واشنطن بوست” عن شخصيات درزية أن هذا الدعم يُنظر إليه كوسيلة لإبقاء “قوة موازنة” في مواجهة السلطة المركزية، بينما ترى مصادر إسرائيلية -وفقاً للمادة- أنه جزء من مقاربة أمنية أوسع لمنع نشوء ترتيبات عسكرية سورية قرب الحدود دون “ضمانات” معينة في الجنوب.
حضور “قسد” في مسار التمويل والتدريب وفق رواية التحقيق
ومن أبرز ما ورد في التحقيق، حديثه عن دورٍ لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مرحلة سابقة لتقديم دعمٍ لوجستي ومالي لتشكيلات درزية، بما في ذلك إيصال مبالغ مالية وتوفير تدريبات في مناطق شمال سوريا، وفق ما نسبته الصحيفة إلى مسؤولين سابقين ومصادر كردية ومحلية، ولم يورد التحقيق -وفق النص المنشور- رداً رسمياً من “قسد” على استفسارات الصحيفة.
خلافات درزية داخلية وتبدّل قنوات الدعم
وتحدث التحقيق عن انقسامات داخل القيادات الدرزية في السويداء، وتنافس بين تشكيلات محلية، بما في ذلك تبدلات في الجهة التي تتلقى الدعم وتحوّلات في موازين النفوذ الداخلي. وتشير الصحيفة إلى أن هذا العامل كان ضمن أسباب تراجع الحماسة الإسرائيلية لفكرة تحويل الدروز السوريين إلى “وكيل مسلح” بصورة أكثر انتظاماً، خشية الانزلاق إلى تورّط طويل الأمد.
سياق أوسع: ضربات جوية واحتلال نقاط وتباين مع واشنطن
ويضع التحقيق هذه الأنشطة في إطار أوسع، قائلاً إن إسرائيل اتخذت -عقب سقوط الأسد- خطوات عسكرية على الأرض، شملت السيطرة على مناطق داخل الأراضي السورية وفق ما أوردته الصحيفة، إلى جانب تكثيف الغارات الجوية على مواقع عسكرية سورية بهدف منع انتقال قدرات عسكرية إلى السلطة الجديدة.
كما أشار إلى وجود توتر سياسي بين إسرائيل والإدارة الأميركية بسبب اختلاف المقاربة تجاه دمشق الجديدة: فبينما تميل واشنطن -بحسب ما نقلته الصحيفة- إلى اختبار مسار دعم الاستقرار والتعامل مع الحكومة الجديدة، تنظر إسرائيل إلى ذلك بريبة وتطالب بضمانات أمنية مشددة، مع تركيز خاص على مستقبل الجنوب السوري وترتيباته.
تصريحات متبادلة حول “خفض التصعيد”
ونقلت “واشنطن بوست” أن الرئيس أحمد الشرع اتهم إسرائيل بدعم نزعات انفصالية بدافع “طموحات توسعية”، محذراً من أن ذلك قد يوسّع نطاق عدم الاستقرار إقليمياً، وفي الوقت نفسه، أشار الشرع -بحسب الصحيفة- إلى حدوث تقدم باتجاه تفاهمات لخفض التصعيد، مع تأكيده على ضرورة انسحاب إسرائيل من مناطق سيطرت عليها وعدم دعم أطراف تُضعف استقرار سوريا.
في المقابل، نقل التحقيق عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الدعم المقدم للدروز كان “محسوباً” ويأتي ضمن التزام بحماية الأقليات، مع الإشارة إلى أن إسرائيل قلّصت تدفق الأسلحة منذ أواخر الصيف وتركز حالياً على الدعم غير الفتاك، بالتوازي مع استمرار الاتصالات السياسية.
تعليق إسرائيلي رسمي
وأوردت “واشنطن بوست” مضمون تصريح لمسؤول إسرائيلي قال فيه إن إسرائيل مصممة على حماية مجتمعاتها الحدودية ومنع “ترسّخ” عناصر معادية قرب الحدود، مؤكداً أيضاً دعم إسرائيل للدروز، بينما امتنعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية -وفق التحقيق- عن تقديم تعليق مباشر حول تفاصيل المزاعم.


