إعداد: محمود عبد العال
مقدمة
احتل الأزهر في مصر مكانة خاصة على امتداد تاريخه، فقد كان تأسيسه على يد جوهر الصقلي 970-972م بأمرٍ من الخليفة الفاطمي الأول المعز لدين الله الفاطمي ليكون منبراً لنشر المذهب الشيعي؛ حيث رسم الفاطميون له دوراً ذا بعد تأثيري لاستخدامه في الدعاية السياسية؛ فاتخذوا من منبره أداة لتثبيت أركان حكمهم على حساب الخلافة العباسية في بغداد. ومنذ ذلك التاريخ لم تتوان السياسة عن توظيف الأزهر لخدمة أهدافها، فاستخدمته الدولة المصرية في دعم علاقاتها الخارجية بوجه عام، وفي آسيا وأفريقيا بوجه خاص، من خلال إرسال الوفود والبعثات التعليمية والدينية، أو من خلال دعمه لتقديم المنح الدراسية لأبناء هذه الدول لدراسة علوم اللغة العربية، والشرع، والفقه، والحديث داخل أروقته وحوزاته الثقافية. وزادت أهمية منهاجه “الوسطي”، كما يصنفه العالم ويتعاطى معه، مع نمو ظاهرة جماعات العنف ذات الخلفيات الإسلامية بل وتمددها في العالم مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجماعة بوكو حرام في أفريقيا، وشباب المجاهدين في الصومال وغيرهم، ومن ثم باتت هناك ضرورة لنشر منهج الأزهر وما يمثله من اعتدال. كل ذلك كان مصدراً لثراء القوة الناعمة المصرية سواءً في المحيط الإقليمي أو العالمي.
رغم الإشارة إلى الدور السياسي الذي قام به الأزهر في الصراع بين العباسيين والفاطميين لكننا، ومنذ ذلك التاريخ لم نشهد له دوراً خارج السياسة المصرية، أو حتى ليكون أداة في صراعات سياسية تتجاوز الإقليم المصري. في هذا السياق، ومع ضعف مصادر تمويله وانعكاسها على دوره وتأثيره، استغلت دولة الإمارات العربية المتحدة ذلك لتكون ضامناً لاستمرار دوره بل وتوسعه لما يخدم أجندتها في الإقليم، أو حتى استخدامه كواجهة للترويج لها عالمياً لا سيما في ظل تنامي ظاهرة عنف الجماعات الإسلامية بعد 2011، وضيق المجتمع الدولي بها في ظل شعارات مكافحة الفكر الإسلامي الراديكالي والتعزيز من ضرورة دعم ما أُطلِق عليه “الإسلام المعتدل”.
من ناحية أخرى، تتجه بعض التحليلات إلى أن اتجاه الأزهر إلى توثيق علاقته بدولة الإمارات يتجاوز المنافع الاقتصادية للمؤسسة إلى حدود تتعلق بسعي شيوخ المؤسسة لتوطيد علاقاتهم بالنظام الإماراتي، باعتباره أحد الحلفاء المؤثرين في نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي دخل في خلافات عديدة مع مشيخة الأزهر، من أبرزها مطالبات الرئيس السيسي المتكررة بتجديد الخطاب الديني، فضلاً عن الخلاف بين وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر؛ حيث رفض الأزهر تطبيق قرار الخطبة المكتوبة الذي اتخذته الحكومة.
زاد التقارب بين الأزهر والإمارات بعد تأسيس “مجلس حكماء المسلمين”، وهو هيئة دينية إماراتية، بل وتعيين شيخ الأزهر رئيساً لها؛ حيث قُدِم شيخ الأزهر في المحافل الدولية بتسمية جديدة لم تُؤلف من قبل وهي “الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين”. وضمن التمويل الإماراتي السخي للأزهر وشيوخه علاقات تمتد للآخر غير المسلم بعد أن كانت قاصرة فحسب على الدائرة الإسلامية. جدير بالذكر أن التقارب المصري الإماراتي فيما يتعلق بالتوافق على الأسس التي يجب أن تقوم عليها معالجة قضايا المنطقة أسهم بدرجة عالية في نمو العلاقة ما بين مؤسسة الأزهر ودولة الإمارات.
انطلاقاً ممَّا سبق، تسعى هذه الورقة للتركيز على دراسة سياسة دولة الإمارات تجاه الأزهر، وذلك من خلال تفكيك العلاقة بين مؤسسة الأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين الإماراتي من خلال البحث في الأهداف، والأدوات، والمشاريع المشتركة في ضوء حجم التمويل ومصادره، وأسباب تأسيس دولة الإمارات لمجلس حكماء المسلمين برئاسة الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر في آذار/مارس 2014، وارتباط ذلك بالدور السياسي والديني الذي يقوم به الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة العالم الأزهري يوسف القرضاوي، وانعكاس ذلك على تعزيز التنافس الإقليمي بالمنطقة.
لقراة الدراسة كاملةً وتحميلها كملف pdf: المؤسسات الدينية والتنافس السياسي
دراسة في علاقة الأزهر بدولة الإمارات بالتركيز على فترة ما بعد 2011
محمود عبد العال: باحث متخصص في الشأن المصري وقضايا التحول الديمقراطي. تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة 2015، وحصل على درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية والإنسانية من معهد الدوحة للدراسات العليا، وله العديد من الأبحاث المنشورة بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، ومجلة العلوم القانونية والسياسية بالمركز العربي للدراسات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ببرلين.