أبريل 27, 2024

قراءة أولية للتداعيات الاقتصادية لكارثة الزلزال في الجنوب التركي على الشمال السوري

تناقش هذه الورقة التداعيات الاقتصادية الأولية على مناطق المعارضة السورية في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد جراء الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/فبراير  2023، وتستند في المعطيات والأرقام التي توردها إلى المصادر الرسمية والدراسات والكتابات المعتبرة المنشورة، بالاضافة إلى معلومات تم جمعها عبر التواصل المباشر مع عدد من الجهات والشخصيات التجارية التي تعتبر جزءً من عملية التبادل التجاري بين سوريا وتركيا.

للحصول على التقرير بهيئة ملف PDF

حسن الشاغل

مارس/آذار 2023

تمهيد

تفتقر مناطق المعارضة السورية الواقعة في شمال غرب وشمال شرق سوريا إلى العديد من الموارد الأولية التي توفر لها القدرة على الإنتاج في عدد من المجالات الزراعية والصناعية، فضلاً عن ضعف بنيتها التحتية التي دمرت بفعل عمليات القصف التي نفذها سلاح الجو التابع للنظام السوري. 

تراجع قدرة المنطقة على الإنتاج، جعل سكانها يعتمدون بشكل شبه كامل على الاستيراد لتأمين احتياجاتهم على كافة المستويات. وبحكم الجغرافيا تم الاعتماد على تركيا كمصدر رئيسي لمعظم الواردات، لم يقف الأمر عند ذلك فمع تدهور قيمة سعر صرف الليرة السورية عزف السكان عن تداولها، وتم استبدالها بالليرة التركية في التداولات اليومية ومعاملات البيع والشراء. وبذلك أصبح اقتصاد المنطقة مرتبط بشكل شبه كامل بالاقتصاد التركي.

تناقش هذه الورقة التداعيات الاقتصادية الأولية على مناطق المعارضة السورية في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد جراء الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/فبراير  2023، وتستند في المعطيات والأرقام التي توردها إلى المصادر الرسمية والدراسات والكتابات المعتبرة المنشورة، بالاضافة إلى معلومات تم جمعها عبر التواصل المباشر مع عدد من الجهات والشخصيات التجارية التي تعتبر جزءً من عملية التبادل التجاري بين سوريا وتركيا.

واردات مناطق المعارضة السورية من تركيا

قبل الخوض في هذه النقطة من المهم التنويه إلى أن البضائع التركية لا تستهلك فقط في مناطق المعارضة بل تنتشر في العديد من أسواق المحافظات السورية مثل دمشق وطرطوس واللاذقية، قادمة من مناطق المعارضة لاسيما من مدينة سرمدا.

ففي عام 2016 وصلت قيمة الصادرات التركية إلى مناطق المعارضة حوالي 1.2 مليار دولار، وهي ذات القيمة التي كانت تصدرها تركيا إلى سوريا قبل الثورة في عام 2011. فيما بلغ متوسط التبادل التجاري الإجمالي بين تركيا ومناطق المعارضة بين عامي 2016 – 2021 بما يقارب 2 مليار دولار، بمتوسط ​​رصيد 1.74 مليار دولار لمصلحة الصادرات التركية. ومن الممكن تفصيل أهم الواردات السورية القادمة من تركيا إلى ثلاثة أقسام رئيسية: 

أولاً: المنتجات الغذائية

بحسب التقرير السنوي لوزارة التجارية التركية الصادر لعام 2021، تحتل المنتجات الغذائية أكثر من نصف الصادرات التركية إلى مناطق سيطرة المعارضة (الشمال السوري المحرر) ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عدد من العوائق التي تعاني منها مناطق المعارضة وأهمها؛

  • ضيق المساحات الصالحة للزراعة
  • عدم توفر الدعم الحكومي اللازم للمزارعين من سماد ومحروقات الأمر وهو ما أدّى بطبيعة الحال إلى ارتفاع تكاليف الزراعة، وجعل المنتجات المستوردة أقل تكلفة من الإنتاج المحلي
  • مساحة أراضي صالحة للزراعة قليلة نسبياً في مقابل العدد الكبير لسكان المنطقة، والذين يتجاوز عددهم الـ 4.1 مليون نسمة.

وتركزت واردات مناطق سيطرة المعارضة (الشمال المحرر) على الحبوب، وخصوصاً القمح، إضافة للمنتجات البحرية والحيوانية،  ومختلف أنواع الفواكه والخضار وتوابعها.

وبلغ إجمالي قيمة واردات المنتجات الغذائية للشمال السوري المحرر، 580 مليون دولار لعام 2021، ومن الملاحظ بحسب المعطيات أن الكمية المستوردة تزداد سنوياً، فعلى سبيل المثال بلغت قيمة استيراد منتجات الحبوب لوحدها حوالي الـ 199 مليون دولار في عام 2020، وأصبحت 392 مليون دولار في عام 2021، إذ تعتبر منتجات الحبوب السلعة الرئيسية في تحقيق الأمن الغذائي للإنسان.

ثانياً: المواد المرتبطة في البناء

تشهد بعض المناطق التي بدأ يظهر عليها ملامح الاستقرار الأمني النسبي توسعاً في عمليات البناء، ولاسيما في تلك المناطق الواقعة ضمن نفوذ القوات التركية في جرابلس والباب وإعزاز وعفرين.

كما أصبحت المنطقة مكتظة بالسكان بعد عمليات التهجير القسري التي مارسها النظام بحق ملايين السوريين، الأمر الذي دفع العديد من السوريين إلى تشييد الأبنية.

أيضاً شهدنا في السنوات الأخيرة نشاطاً من المنظمات السورية والدولية في طرح مشاريع بناء تجمعات سكنية عوضاً عن الخيام في بعض مناطق سيطرة المعارضة، مما وسع من الطلب على المواد المرتبطة في البناء والتي تشمل (الإسمنت، والحديد، ومواد الاكساء …الخ).

وتجاوزت قيمة الصادرات التركية من مواد البناء والمعادن في عام 2021 إلى سوريا 160 مليون دولار. وأسوة بقطاع المواد الغذائية، يشهد قطاع مواد البناء ارتفاعاً مضطرداً في حجم الواردات من تركيا، فعلى سبيل المثال سجلت قيمة واردات الإسمنت ومشتقاته 34 مليون دولار في عام 2020، وارتفعت إلى 67 مليون دولار في عام 2021.

ثالثاً: صادرات أخرى

إذ تشكل تركيا المصدر الأساسي -وفي أغلب الأحيان الوحيد- للعديد من المستلزمات الكهربائية مثل القطع الإلكترونية، والملابس الجاهزة والأثاث المنزلي، والعديد من المنتجات الأساسية والثانوية الأخرى.

الأهمية الاقتصادية للمدن التركية التي ضربها الزلزال 

تساهم المدن الـ 11 التركية التي نكبها الزلزال (غازي عنتاب، شانلي أورفا، ملاطية، أضنة، كهرمان مرعش، أديمان، عثمانية، هاتاي، كليس، اليزاغ، ديار بكر) بحوالي 8.5٪ من إجمالي صادرات تركيا، بحسب بيانات رسمية، وهو ما يعادل 21.5 مليار دولار،

وتستحوذ مدينة غازي عنتاب على نصف هذه الصادرات، تليها مقاطعة هاتاي التي يتواجد فيها ميناء اسكندرون والذي يعمل كحلقة وصل لدول الشرق الأوسط بقيمة 4.1 مليار دولار من الصادرات، كما تنتج المدن المنكوبة ما يزيد عن 14٪ من مجموع الإنتاج الزراعي في تركيا.

من محتمل بدرجة كبيرة، أن يكون لعواقب الزلزال على المدن الـ 11،  تداعيات  اقتصادية جمّة، بسبب الخلل في القطاع الصناعي والتجاري والزراعي، بعد توقف عمليات الإنتاج الذي تعيشه تلك المدن.

كما قد تواجه مناطق الزلزال تأخر في العودة إلى الإنتاج لمستوى ما قبل الزلزال حيث يحتاج لجهود كبيرة ووقت لا يقل عن عام كامل، لأن عملية إعادة تهيئة المدن المتضررة  تتعلق بعدة معطيات: مثل سرعة الدولة في إعادة تشغيل البنية التحتية اللازمة لعودة المنشآت إلى العمل. ونزوح قسم كبير من سكان المدن التي ضربها الزلزال إلى مناطق متفرقة من تركيا، مما يثير مشكلة نقص اليد العاملة في المناطق المتضررة، كما أن عودة السكان مرتبطة بعمليات إعادة الإعمار، التي من المفترض أن تنتهي خلال فترة زمنية تقدر بسنة بحسب تصريح الرئيس أردوغان.

تداعيات الزلزال على واقع الصادرات إلى سوريا

احتلت كل من: غازي عنتاب وهاتاي وأضنة ومرسين، المراتب الأولى في حجم الصادرات إلى سوريا، وتشير تقديرات غير رسمية تم الحصول عليها من جهات وشخصيات تجارية تم التواصل معها لأغراض هذه الورقة، أنّ هذه المحافظات توفر ما يصل إلى حوالي 40٪ من إجمالي المنتجات الغذائية في الشمال السوري المحرر.

تداعيات مباشرة

مع تضرر هذه المدن جراء الزلزال وتوقف عمليات الإنتاج بمختلف أنواعه فإن هناك انعكاساً سلبياً ومباشراً ليس فقط على الاقتصاد التركي بل على مناطق المعارضة السورية أيضاً، بسبب النقص في المنتجات المتوفرة في المدن التركية التي ضربها الزلزال مما سيؤدي بشكل مباشر إلى مشكلتين رئيسيتين محتملتين:

الأولى: أزمة في تأمين المنتجات من تركيا مما يدفع الموردين لإيجاد مصادر أخرى، وتشير التقديرات الأولية إلى أن المخزون الحالي بمختلف المنتجات يكفي بأقل تقدير لشهرين، لكن في حال استمرار نقص الواردات من جانب تركيا فسيكون على الموردين إيجاد بدائل أخرى بأسعار معقولة، وهنا تتجه الأنظار إلى البضائع الإيرانية بسبب تدني أسعارها مقارنة بمثيلتها في الأسواق الدولية، خصوصاً وأن هناك منتجات إيرانية في السوق السورية في الشمال السوري المحرر بالفعل،

الثانية: ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة من تركيا بشكل أكبر من السابق، وخصوصاً أسعار المنتجات الغذائية، وهو ما سينعكس على أسعارها في الشمال السوري وغيرها من المناطق التي تصلها البضائع التركية.

دور المنظمات والمساعدات 

تتفاقم أزمة النازحين في سوريا بعد الزلزال، فبحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة كان سكان شمال غرب سوريا – حوالي 4.1 مليون شخص –  حتى قبل وقوع الزلزال يعتمدون بنسبة كبيرة على المساعدات الإنسانية.

وبحسب ما أكدته المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية، كورين فلايشر فإن أزمة النازحين جراء الزلزال من المتوقع أن تتفاقم، حيث صرحت: “إن المنطقة التي ابتليت بسنوات من الأزمات المتفاقمة تواجه أزمة أخرى، حيث لا يمكن تصور الخسائر والدمار. لا يمكن أن تتأخر الإغاثة الفورية. لقد مكنّا تموضع برنامج الأغذية العالمي القوي في كلا البلدين من تعبئة موظفينا وقدراتنا اللوجستية وشركائنا على الفور للاستجابة لاحتياجات الناس الغذائية الفورية”. وبحسب البرنامج الغذائي تحتاج سوريا إلى 150 مليون دولار لدعم ثمانية ملايين شخص تضرروا من الزلزال. كما تتطلب أنشطة البرنامج في جميع أنحاء سوريا تمويلاً إضافياً يبلغ 300 مليون دولار لدعم 5.5 مليون شخص كل شهر. وإذا لم يتلق البرنامج ذلك التمويل، فسيضطر إلى تعليق مساعدته لـ 3.8 مليون سوري في غضون أشهر. وأكد البرنامج أنه سيضطر إلى وقف المساعدات عن حوالي 70٪ من المستفيدين في سوريا بشكل كبير اعتباراً من تموز/يوليو إذا لم يتلق التمويل الكافي، مما سيؤثر على شريحة واسعة من الأشخاص الأكثر فقراً وانعداماً للأمن الغذائي في العالم.

من الواضح أن المساعدات الدولية قبل الزلزال لم تكن تغطي إلا جزءً بسيط جداً من احتياجات النازحين، والدليل على ذلك حجم الواردات الغذائية التي تدخل إلى سوريا والتي بلغت 580 مليون دولار في عام 2021. 

خلاصة

تشهد عجلة الإنتاج في تركيا والمشهد الاقتصادي بشكل عام تحديات ليست بالسهلة بسبب كارثة الزلزال، وهذه التحديات تنعكس سلباً على مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري المحرر، 

يمكن تلخيص التداعيات المباشرة بالنقاط الثلاث التالية:

  • انخفاض حجم المنتجات المعروضة والمتوفرة بسبب توقف عجلة الانتاج أو تعطلها بشكل كبير في المحافظات التركية الجنوبية التي أصبحت في معظمها محافظات منكوبة.
  • ارتفاع أسعار المنتجات التركية بسبب قلة العرض وارتفاع الطلب في داخل تركيا، وتراجع قيمة العملة المحتمل.
  • ظهور بدائل تجارية -ضعيفة الجودة- مثل البديل الإيراني، ناهيك عن تبعات التعامل مع بدائل مرتبطة بطرف في حالة حرب مع السوريين في مناطق الشمال السوري.

في الوقت الحالي تتركز الأعين على المنظمات والمساعدات الأممية والتحركات الإقليمية والدولية التي من المفترض أن تلعب دوراً فعالاً في تعويض نقص المنتجات الأساسية في الشمال السوري التي يُتوقع أن تصمد لشهرين تقريباً،

إذا تمكنت المساعدات الأممية من سد حاجة مناطق سيطرة المعارضة حتى نهاية العام فمن المتوقع أنّ عجلة الإنتاج ستكون قد استعادت عافيتها بشكل كبير في المحافظات التركية التي تعتبر المورد التجاري الأساسي للشمال السوري.

ضع تعليقاَ