لماذا تعد استراتيجية البناء من القواعد نحو القمة أنجع من استراتيجية البناء من القمة باتجاه القواعد
موشي يعالون: وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي الأسبق
نشر موقع فورين أفيرز مقالاً مطولاً لوزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشيه يعالون كتبه في أعقاب استقالته من منصبه في الحكومة الإسرائيلية، وقدم يعالون عبر هذا المقال رؤيته لعملية السلام في الشرق الأوسط وساق أربع حجج رئيسية على أسباب فشل الاستراتيجية السابقة التي انتقدها ودعا إلى تبني استراتيجية جديدة ضمن عملية ادارة الصراع. وننوه هنا إلى أن جميع المصطلحات والسياقات والأفكار المعروضة في المقال جاءت مطابقة للنص الأصلي المنشور ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز. بإمكانك الاطلاع على المادة الاصلية عبر الضغط على هذا الرابط.
في مايو الماضي، قمت بتقديم استقالتي من الحكومة والبرلمان الإسرائيليين. وفعلت ذلك – إلى حد كبير – تحت تأثير أسباب متعلقة بالسياسة الداخلية، بما في ذلك خلافاتي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي – بنيامين نتنياهو – حول قضايا مثل احترام سيادة القانون واستقلالية المحكمة العليا. ولم تحتل سياسة إسرائيل الوطنية تجاه الفلسطينيين أي جانب مركزي في دوافع استقالتي، ولكن لا يمكنني إخفاء تباين الآراء بيني وبين الحكومة والكنيست في هذا المضمار أيضاً.
هناك أصوات داخل إسرائيل تحبذ عملية “الضم واسع النطاق” في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وربما تحبذ تفكيك “الانفصال السياسي” الحالي بين المجتمعين “الإسرائيلي والفلسطيني ” بما في ذلك توسيع نطاق المواطنة الإسرائيلية للناخبين ليشمل سكان مناطق السلطة الفلسطينية حالياً. واعتقد ان مثل هذا النهج سيكون خطأ فادحاً، فهو سيعرض الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل لخطر لا داع له. وعلى الرغم من اعتقادي بان رئيس الوزراء لا يشترك معي في هذه الآراء، إلا أن هناك إشارات متضاربة من داخل حكومته تشجع فقط الأطراف الأخرى لاتباع السياسات التي تضر بمصالح إسرائيل. فالتزام إسرائيل الثابت بالدفاع عن طابع الدولة اليهودي والديمقراطي يتطلب من الحكومة ووزرائها أن يصدحوا بأصواتهم عالياً إزاء هذه السياسات.
وعلى مستو أوسع، فإن الكثيرين في إسرائيل وخارجيها مقتنعون بأن النموذج التقليدي لعملية السلام في الشرق الأوسط قد أضحى قريباً جداً من النجاح في العقود الأخيرة الماضية مع بعض الفرص والتقلبات، ولا يزال هناك مزيد من التصور أن الجهود من الطرفين قد تسفر عن نتيجة مقبولة – في حال ما قدم كلا الطرفين تنازلات إضافية. لكنني هنا اعترض على نموذج التغيير المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو التي فشلت سابقاً وستفشل في أي محاولة أخرى لها. ويمكن فقط لنهج جذري في التغيير – يطلق من القواعد باتجاه القمة وليس – أن ينجح في إنهاء أسباب الصراع الكامنة.
عندما انتشرت اخبار اتفاق أوسلو للوهلة الأولى قمت بدعم اتفاق ” الأرض مقابل السلام” وذلك لأن الحياة تحتل مكاناً مقدماً على الأرض. واعتقدت – أسوة بكثير من الإسرائيليين- أن فكرة التنازلات الإقليمية قد تكون المفتاح الحقيق لتحقيق السلام، ولكنني مع مرور الوقت أصبت بخيبة أمل شديدة.
صحوتي هذه جاءت بعد أن تم تعييني كرئيس للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عام 1995. وذلك قبل وقت قصير من توقيع اتفاق أوسلو الثاني. في هذا الموقف اتيحت لي الفرصة لرؤية جميع جوانب الحياة السياسية الفلسطينية عن قرب. وما أيقنته كان صادماً – وعلمت ذلك ليس من خلال تتبع قرارات منظمة التحرير السرية فحسب، بل عبر متابعة وسائل الاعلام الفلسطينية والمناهج التعليمية الفلسطينية وتصريحات القيادة الفلسطينية – كل هذا ساعدني للوصول عبر الأدلة الدامغة إلى حقيقة مفادها أنه وبدلاً من إعداد الأجيال الشابة التي يمكن ان تقود لمصالحة تاريخية مع إسرائيل، كان الزعيم الفلسطيني – ياسر عرفات- حريصاً على تغذية أبناء شعبه بكراهية ونقد لاذع تجاه إسرائيل.
اذكر اليوم الذي عقدت فيه لقاء العمل الخاص بي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها – إسحاق رابين- والذي كان يشغل حينها منصب وزير الدفاع ايضاً. وخلال اللقاء، أعطيت رابين ما يسمى ب”الإنذار الاستراتيجي المبكر” والذي كان في رأيي أن قادة منظمة التحرير يخططون للحفاظ على الصراع مع إسرائيل بغض النظر عن توقيع عرفات على الاتفاقات في حديقة البيت الأبيض. وللأسف بعد عقدين من الزمن لم يتغير شيء من تقييمي ذاك. فعبر قراءة الكتب المدرسية الفلسطينية ومشاهدة التلفزيون الفلسطيني ومتابعة الخطابات التي يلقيها المسؤولون الفلسطينيون فمن الواضح أن القيادة الفلسطينية لا تزال تملؤ عقول الشباب الفلسطينيين بالحديث عن إسرائيل على اعتبار انها السرطان الغريب في منطقة الشرق الأوسط والذي يجب استبداله “من النهر الى البحر”. وكان النقد الموجه لإسرائيل من غزة وحماس أشد قسوة وسوءً.
وطالما أن الجزء الأكبر من الفلسطينيين لا يزالون غير مستعدين لقبول واقع وجود إسرائيل كدولة دائمة وآمنة يهودية وديمقراطية، فإنه سيكون من الصعب إن لم يكن مستحيلاً أن نصل إلى سلام حقيقي هنا. وبدلاً من أن نفرض التغيير من القمة باتجاه القواعد فإن الرغبة باتجاه السلام يجب أن تصعد من القواعد باتجاه القيادة أي من أبناء الشعب الفلسطيني نفسه.
وإلى أن يحدث هذا، فإن استمرار المفاوضات على أسس تقليدية لن يفيد في تحقيق الآمال التي يضعها العديد عليها. صحيح أن نهج “من القواعد باتجاه القيادة” يفتقر إلى الدراما والرومانسية التي يفضلها الكثير من العالمين في المجتمع الدولي. لكنه تقدم أملاً في التوصل إلى حل نهائي للصراع في المستقبل القريب وأنا مقتنع بذلك، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن لنا عبرها تجنب الهاوية الاستراتيجية وهي السبيل الوحيد لتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام في نهاية المطاف في الشرق الأوسط.
لماذا فشلت أوسلو
منذ التوقيع على اتفاقات أوسلو قبل أكثر من 23 عاماً حاولت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مراراً تسهيل التوصل إلى اتفقا بشأن الوضع النهائي الذي من شأنه أن ينهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن جميع الجهود هذه باءت بالفشل. وتعزو الحكمة التقليدية هذا الفشل إلى عدم وجود إرادة حقيقية لدى الأطراف المحلية لتقديم بعض التنازلات الصغيرة نسبياً. وإذا ما تم تعديل هذه التصرف – أو طريقة التفكير- فحينها يمكن للأمور أن تحقق تقدماً منتظراً، لكن حركة درامية كهذه كانت غائبة عن الطرفين.
وهنا اعتقد أن هذه القراءة التقليدية للتاريخ الحديث ساذجة من حيث المضمون بل إنها كانت السبب الحقيقي في فشل المفاوضات، وهنا كان رفض الفلسطينيين المتواصل للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة للشعب اليهود ضمن هذه الحدود وعندما يختفي هذا الرفض يمكن الحديث عن إمكانية نجاح السلام. وهكذا، ينبغي للسياسة الإسرائيلية وسياسة المجتمع الدولي على محاولة اقناع الفلسطينيين ان خيار السلام يكمن في أيديهم.
الحكمة التقليدية السابقة خاطئة لأنها تعتمد على أربعة مفاهيم خاطئة عن طبيعة الصراع – المفهوم الأول مرتبط بأن المشكلة الأساسية كانت في الاحتلال الإسرائيلي لمزيد من الأراضي خلال حرب الأيام الستة، وهكذا فإن مفتاح السلام يكمن في الانسحاب الإسرائيلي الى حدود قريبة من خطوط ما قبل يونيو 1967.
لكن الواقع يشير إلى أن رفض إسرائيل كان سمة ثابتة في الاستراتيجية الفلسطينية حتى قبل وجودها كدولة. وقد انعكس ذلك عبر الرفض العربي لاقتراح المملكة المتحدة عام 1937 عبر لجنة بيل ثم رفض خطة التقسيم عام 1947 والتي قدمتها الأمم المتحدة، فضلاً عن رفض الفلسطينيين عام 2000 لاقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها – ايهود باراك- في كامب ديفيد وهو الطرح الذي تبناه الرئيس الأمريكي حينها بيل كلينتون في العام. ثم رفض اقتراح ايهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 2008.
وفي الآونة الأخيرة، واصلت القيادة الفلسطينية الحالية هذه السياسة عبر رفضها للتفاوض، حيث رفضت الرد على دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتفاوض على أساس شروط تتوسط فيها الولايات المتحدة في مارس من عام 2014. وخلال هذه السلسلة من الرفض لم تقر القيادة الفلسطينية بأن أي انسحاب إسرائيلي – حتى الانسحاب الكامل لحدود ما قبل 1967- يمكن أن ينهي الصراع او ينهي جميع مطالبات الفلسطينيين ضد دولة إسرائيل.
صحيح ان منظمة التحرير اعترف بإسرائيل ضمن اتفاقيات أوسلو، لكن الاعتراف بحقيقة وجود إسرائيل ليس كالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة للشعب اليهودي. وكان رابين على علم بهذه الثغرة بالاتفاق ورفض المضي في الاتفاق حتى تلقى رسالة جانبية من عرفات أكد له فيها نية المنظمة تغيير ميثاقها ليعكس الاعتراف بإسرائيل. ولكن على الرغم من كل وعوده، استغل عرفات قدرته العالية على المواربة والمناورة وخدع الكثيرين في المجتمع الدولي ولم يقدم ابداً على تغيير الميثاق. ولا يمكن العثور على أي ميثاق معدل منشور من قبل المنظمة منذ الاطاحة المزعومة بالمواد المخالفة عام 1996 بل انه لا وجود حتى لما يسمى “بوثيقة التطهير”.
محمود عباس، خليفة عرفات، حافظ على هذه السياسة ورفض مراراً وتكراراً تقبل فكرة أن للشعب اليهودي الحق في إقامة دولته. يمكن ان يقول البعض أن هذه ليست سوى مناورة تكتيكية من عباس الذي يصفه البعض بأنه يحمل هذا الخيار كبطاقة أخيرة في يده يمكن أن يقدمها في حال ما قدمت إسرائيل تنازلاً كبيراً له. ومع ذلك، فقد سبق وأن سمعنا نفس الكلام عن عرفات. وكان كل ذلك أمنيات والحقيقة أن علينا أن نأخذ تصريح عباس في نوفمبر 2014 حين قال ” نحن لن نعترف أبداً بيهودية دولة إسرائيل” على محل الجد.
صحيح أن إسرائيل لم تطلب مثل هذا النوع من الاعتراف من دول مصر والأردن عندما وقعت معاهدات السلام مع هذه البلدان في أعوام 1979 و 1994. لكن الذي بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو الصراع في جوهره والذي يرتكز على الهوية الوطنية وليس نزاعاً حول العقارات او الأراضي او الاملاك كما هو الحال مع الدولتين السابقتين. ولا تطالب أي من هذه الدول بما تطالب به منظمة التحرير الفلسطينية والتي تطالب بكل فلسطين. وهكذا يمكن تحقيق السلام مع مصر او الأردن عبر تبادل الأراضي او ترسيم المناطق الحدودية وفق الحدود المعترف بها دوليا. لكن اياً من مصر أو الأردن لا تحملان فكرة الصراع مع إسرائيل في مرحلة ما بعد السلام. في المقابل، اختار الفلسطينيون استئناف الأعمال العدائية ضد إسرائيل سواء عبر إطلاق الصواريخ أو شن الهجمات على حد السواء انطلاقاً من الأراضي التي حصلوا عليها من إسرائيل. وهو ما كان بالفعل بعد توقيع اتفاقات أوسلو والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
هناك متلازمة لمبدأ رفض الاعتراف بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي. فقد رفض الزعماء الفلسطينيون أيضاً شعار “دولتين لشعبين” لأن منظمة التحرير الفلسطينية لا تعترف بنص ميثاقها بوجود اليهود “كشعب” … وينص ميثاقها على :” دعوى الترابط التاريخية او الروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ والمفهوم الحقيقي لمقومات الدولية. فاليهودية بوصفها ديناً سماوياً، ليست جنسية مستقلة. ولا يشكل اليهود أمة واحدة ذات هوية خاصة بهم، بل هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها”.
رفض إسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي يعني أن الصراع ليس على الحدود بل على وجود إسرائيل بحد ذاته. وبشكل غريب، رفض الفلسطينيون مراراً وتكراراً قيام دولة ومسؤوليات خاصة بهم لأن هدفهم الرئيسي كان في حرمان اليهود من الدولة والمجتمع الخاص بهم وليس التركيز على تحقيق مجتمع وطني فلسطيني خاص بالفلسطينيين.
رفض الزعماء الفلسطينيون مقترحات التقسيم التي بذلتها السلطات الاستعمارية البريطانية والأمم المتحدة قبل قيام إسرائيل، ولم يتخذوا أيضاً أي خطوة نحو الاستقلال عن الأردن ومصر في الأراضي التي عاش فيها الفلسطينيون وخضعت لسيطرة هذه الدول. بل إنهم اهدروا الفرصة لبناء مؤسسات الدولة على مدى العقدين الماضيين. هذا كله باستثناء عامين واعدين (2010 حتى 2012) تحت قيادة رئيس الوزراء الفلسطيني حينها سلام فياض، حيث بدأ الفلسطينيون حينها بناء البنية التحتية للدولة، لكن الفلسطينيين – للأسف- يفضلون التركيز على إيذاء إسرائيل بدلاً من إنشاء الدولة الخاصة بهم.
وفي عام 2005 على سبيل المثال، انسحب إسرائيل بالكامل من قطاع غزة عبر اخلائها كل المدنيين والجنود الإسرائيليين هناك. واتيحت للقيادة الفلسطينية في قطاع غزة -حماس – والتي سيطرت عليه بعد عام 2006 فرصة لإقامة كيان شبيه بالدولة بهدف تطوير القطاع لصالح الشعب الفلسطيني وكلي تثبت لإسرائيل وللمجتمع الدولي أن “مبدأ الأرض مقابل السلام” يعمل حقاً. لكن في الواقع الفرصة لم تكن مغرية ابدا أمام اليهود ليكرروها في الضفة – يدعوها الإسرائيليون بيهودا والسامرة- وذلك لفشل ظهور كيان فلسطيني سلمي وناجح في قطاع غزة يمكن محاكاته هناك. وحدث العكس للأسف، قد تحولت غزة إلى قاعدة إرهابية ومنصة لإطلاق الصواريخ في عملية تدمر حياة الملايين من الفلسطينيين.
المستوطنات ليست هي المعضلة، لماذا؟
الاعتقاد الخاطئ الثاني يدعم الاعتقاد السائد بأن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي تشكل عقبة حاسمة أمام السلام، ويظن البعض أن إزالة تلك المستوطنات يمكن أن يمهد الطريق للتوصل إلى حل للصراع. ومرة أخرى يثبت التاريخ ان هذا ببساطة غير صحيح. فاستمرار الصراع العربي – اليهودي لأكثر من 150 سنة لم يكن لأن اليهود استقروا في جزء معين من أرض إسرائيل، بل لأن العرب رفضوا حق اليهود في الاستقرار في أي مكان في أرض إسرائيل.
وهنا تمثل غزة حالة اختبار فريدة. فإذا كانت المستوطنات هي العائق الرئيسي فقد تم إجلاء جميع المستوطنين من قطاع غزة، وبفرض صحة هذه الفرضية، فقد كان يجدر بالأمور أن تتحسن وأن تؤدي هذه الخطوة نحو مزيد من المفاوضات. لكنها في الواقع انتجت المزيد من الإرهاب. وإذا كان هناك هدوء في البلدات الإسرائيلية الجنوبية القريبة من حدود قطاع غزة، فذلك لم يأت إلا بسبب العقوبات التي لحقت بحركة حماس من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية خلال عملية الجرف الصامد عام 2014 والتي تتمكن بشكل مستمر من تحقيق ردع مؤقت يحول دون شن المزيد من الهجمات.
إن وجود المستوطنات الإسرائيلية لم يمنع أبداً عملية التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر كل الاتفاقات السابقة ولم يقوض الوصول إلى الاتفاقات كذلك. فمنذ العام 1993 توصلت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى العديد من الاتفاقات السياسية والاقتصادية والتنقية وحتى حكومات اليسار الإسرائيلية وما تلاها من حكومات يمينية واصلت استثمارها في المستوطنات المتواجدة في الأراضي.
ومنذ العام 1967، لم تأت حكومة إسرائيلية عبر الطيف السياسي الواسعة تشكك في شرعية الاستيطان اليهودي في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل خلال الحرب. صحيح ان الحكومات امتلكت وجهات نظر مختلفة حول بناء المستوطنات لكن اياً منها لم تجادل في الاعتراف بالحق الأساسي لليهود للعيش في الضفة الغربية. (بطبيعة الحال، يجب دوماً أن تكون النشاطات الاستيطانية قانونية ولا يمكن لأي حكومة ان تغض الطرف عن أي عمل غير قانوني وينبغي ان تستخدم الأدوات لمنع الانتهاكات وتصحيحها حال حدوثها). ومع ذلك، وكجزء من العملية السياسية خلال اتفاقات أوسلو، قدمت حكومة إسرائيل تنازلات كبيرة بشأن قضية المستوطنات مع الفلسطينيين.
قدر يرى البعض أن هذا الالتزام كان مخادعاً بالأساس، نظراً لأن توسعة المستوطنات سيمنع إقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، فإن مجموع مساحة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا يتجاوز 10% من الأراضي التي من المفترض أن تشهد إقامة دولة فلسطينية. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما تخلت عن جانب واحد من التزامات واشنطن في اتفاقات إبريل بين الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرئيل شارون والمتعلق بالاستيطان إلا أن الحكومة استمرت في مساهمتها لإنجاح الصفقة. وعلى وجه الخصوص، قامت إسرائيل بالحد من البناء في الضفة الغربية إلى داخل مناطق الحدود الجغرافية القائمة للمستوطنات في إطار النمو الطبيعي لتلك المجتمعات.
وللأسف، ولأسباب سياسية داخلية، كانت الحكومة الإسرائيلية تخجل علناً من تأكيد التزامها المستمر بهذه السياسة، وهو الالتزام الذي حافظة عليه إسرائيل على الرغم من نقض الولايات المتحدة لهذه الصفقة. ويجب ان تكون إسرائيل واضحة حول سياستها على أمل ان تعود الإدارة الجديدة في واشنطن إلى نهج أكثر واقعة فيما يتعلق بقضية المستوطنات وعلاقتها بالنزاع الأوسع نطاقاً بين إسرائيل والفلسطينيين.
لماذا لن ينجح الفصل الكامل ؟
الاعتقاد الخاطئ الثالث الكامن في النهج التقليدي المتعلق بعملية السلام هو أن الفصل التام بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو أفضل وسيلة للحفاظ على أي اتفاق سياسي لحل النزاع والحفاظ على الأشياء سليمة وهادئة. يدعم مروجو فكرة الفصل أنه لا يجب على الإسرائيليين ان يكونوا أسرى لرفض الفلسطينيين لتحقيق السلام. وأنهم يمكن أن يكونوا أسياد أنفسهم ومصيرهم. ويتغذى الاقتراح على مفهوم الأبوية وهو أن رفض الفلسطينيين للتصرف كفاعلين مسؤولين سيحتم على الإسرائيليين تولي مسؤولية كلا الطرفين. ولكن الفحص الدقيق يبين أن هذا مجرد سراب والفصل الكامل لن يكون سوى كارثة كبيرة أكبر من أي شيء للفلسطينيين.
لا يمكن لأي كيان فلسطيني أن يبقى على قيد الحياة دون الحفاظ على صلة وثيقة بالاقتصاد الإسرائيلي على سبيل المثال. فمركز ثقل الاقتصاد الفلسطيني ليس رام الله بل تل أبيب. ويعمل قرابة 100 ألف فلسطيني داخل حدود إسرائيل فيما قبل 1967 سواء بشكل قانوني أو بشكل متخفي. ويعمل كذلك أكثر من 60 ألف فلسطيني داخل المستوطنات والمناطق الصناعية الإسرائيلية في الضفة الغربية. ويعمل الآلاف الآخرون في المصانع المرتبطة بصناعات إسرائيلية. وأكثر من 80% من الصادرات الفلسطينية تذهب إلى السوق الإسرائيلي. وهكذا فإن الفصل الكامل بين إسرائيل والفلسطينيين سيثير أزمة اقتصادية وإنسانية في الضفة الغربية والتي من شأنها ان تهدد وجود السلطة الفلسطينية وتشكل خطراً أمنياً كبيراً على كل من إسرائيل والأردن.
وعلاوة على ذلك، فإن فصل البنية التحتية الحرجة للفلسطينيين عن إسرائيل سيؤدي إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق. حتى مع انسحاب إسرائيل من غزة، فإن سكان غزة ما زالوا يعتمدون في بقاء امدادات المياه والطاقة الكهربائية على إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية فإن مستوى الاعتماد اكبر. وبالنسبة لإسرائيل، فإن النظر في السياسات التي يمكن ان تحرم الفلسطينيين من الضروريات الأساسية للحياة أمر غير انساني وغير وارد في نفس الوقت. ومن الناحية النظرية، فإن لدى الفلسطينيين القدرة على تطوير مصانع خاصة بتحلية المياه ومحطات توليد الطاقة واحتياجات البنية التحتية الأخرى. ولكن كان لديهم القدرة على فعل هذا منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، وعلى الرغم من التمويل الدولي السخي الذي نالوه إلا أن أياً من هذا لم يحدث. وفي حالة حدوث الانفصال فسيكون الأمر أشبه بانتصار الظن على الواقع.
بالنسبة للأمن فإن القيود التي ستصاحب الفصل الكامل على الحرية الحالية التي يحظى بها الجيش الإسرائيلي للعمل داخل الضفة الغربية ستحرمه من الأصول اللازمة لمكافحة الإرهاب. ولكن التأثير الفوري على الفصل في المجال الأمني سيمس بقاء السلطة الفلسطينية نفسها.
ومنذ تنفيذ اتفاقيات أوسلو عام 1994 وحتى عملية السور الواقي عام 2002 لم تعمل القوات الإسرائيلية داخل مناطق (أ) في الضفة الغربي، وهي المناطق الحضرية التي حددها الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي على انها خاضعة للسيطرة الأمنية الفلسطينية الكاملة. وعندما قام الفلسطينيون بإطلاق موجة التفجيرات الانتحارية ضد المدن الإسرائيلية عام 2000 فيما بات يعرف باسم “انتفاضة الأقصى او الانتفاضة الثانية” جاء معظم الجناة من المناطق (أ) ولقمع الانتفاضة ووضع حد لهذه الهجمات الإرهابية غيرت إسرائيل من قواعد الاشتباك الخاصة بها وبدأت تعمل في جميع مناطق الضفة الغربية وهو ما بقي كذلك حتى الآن. ومن دون حرية العمل هذه، فإن إسرائيل تملك ثقة عالية بأنها ستواجه موجة شبيهة من العنف والإرهاب بتلك التي حلت بها بين أعوام 2000 وحتى 2002.
لكن المنظمات الإرهابية هذه لا تركز عملها ضد إسرائيل فقط. فحماس والجهاد الإسلامي وداعش وحركة فتح والسلطة الفلسطينية يعملون كأعداء. والتقارب في مصالح إسرائيل والسلطة الفلسطينية هو الأساس في محاربة الإرهاب الفلسطيني ودعم التنسيق الأمني بين إسرائيل والأجهزة الأمنية الفلسطينية. هذا التعاون المنصوص عليه في اتفاق أوسلو الثاني أصبح ضرورياً للأمن الفلسطيني. فعلى الرغم من قيام الفلسطينيين بدورهم هنا إلا أن قوات الأمن الإسرائيلية هي المسؤولة عن معظم أنشطة مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية. ودون الجيش الإسرائيلي ونشاطه الأمني فإن السلطة الفلسطينية ستنهار وستتمكن حماس من السيطرة على الضفة الغربية.
وبالطبع، فليست كل جوانب الانفصال سيئة لإسرائيل وللفلسطينيين، فالفصل السياسي على سبيل المثال، يخدم مصالح الجانبين. وفي الواقع فهو النتيجة الايجابية الوحيدة لاتفاق أوسلو. وبفض الاتفاقات تمتع الفلسطينيون بإقامة دولتهم سياسيا، وصوتوا في البرلمان ولاختيار الرئيس والبلديات. هذا يفيد إسرائيل أيضا، التي ستكون مهددة إذا لم يمتلك الفلسطيني في الضفة الغربية خياراً سوى التصويت داخل النظام السياسي الإسرائيلي – صاحب الطابع اليهودي والديمقراطي- ( من تلقاء نفسهم قرر الفلسطينيون وجود كيانان واحد تحكمه حماس وآخر تحكمه السلطة الفلسطينية، لكن هذا الخيار كان فلسطينياً ولم يفرضه أحد على الفلسطينيين).
أولئك منا الذين يؤمنون بالانفصال السياسي يدركون ان هناك حاجة إلى وجود اتفاق في نهاية المطاف فيما يتعلق بوضع الأراضي في جزء من الضفة الغربية والتي ستكون تحت السيادة الفلسطينية وبعضها تحت السيادة الإسرائيلية. وينبغي التفاوض على هذه المسألة وحلها بين الجانبين، وعندما تصبح الظروف أكثر ملائمة للتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الهامة والحساسة. يمكن حينها التوصل إلى أشكال أخرى واتفاقات متعلقة بالفصل لا تؤدي إلى تدهور الوضع وتفاقمه.
الاعتقاد الرابع الخاطئ في النهج التقليدي يتمثل في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يحرك الصراع في الشرق الأوسط بشكل عام. وبالتالي يعتمد استقرار الاقليم على حل هذا النزاع. وفي الواقع لم تؤدي أي فكرة لضرر في الشرق الأوسط كما فعلت هذه الفكرة. فعلى مدى عقود تحرر القادة العرب من مسؤوليتهم تجاه شعوبهم وأعطوا الفلسطينيين السيطرة على الخناق السياسي للمجتمعات الأخرى غير ذات الصلة بمجتمعاتهم.
والحقيقة أن عدم الاستقرار المزمن في الشرق الأوسط ناجم عن الأخطاء التي ارتكبتها القوى الاستعمارية منذ قرن في فرض نموذج الدولة الأمة المستوحاة من الغرب على خليط محلي من التنافس والولاء للدين أو العرق او القبيلة. وعلى مدى العقود الماضية كان الطغاة والمستبدون في المنطقة سعداء لمقاومة التغيير في الوقت الذي يخفون خطاياهم خلف غطاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن الفوضى انتشرت في المنطقة على مدى السنوات الخمسة الماضية وغيرت قواعد اللعبة. ولا أحد يستطيع القول أن الحرب الاهلية في سوريا والفتنة الطائفية في العراق والصراع القبلي في ليبيا وانهيار الدولة في اليمن والثورة أو الثورة المضادة في مصر تملك أي علاقة بإسرائيل أو الفلسطينيين. ولذلك فإخيراً يمكننا القول بأن هذه الكذبة ظهرت على حقيقتها. (المفارقة أن إسرائيل لعبت بطريقة متواضعة دوراً هاماٌ على مر السنين في دعم الاستقرار الإقليمي عبر الحفاظ على الوضع المستقر على الحدود والحفاظ على الامن في الضفة الغربية).
ما الذي ينبغي علينا فعله؟
هذه المفاهيم سوياً أسفرت عن سوء فهم أساسي لطبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبالتالي الخطوات الواجب اتخاذها لحل الصراع والعواقب المترتبة على المسارات البديلة للعمل. واستمر الكثيرون في ترديد أسطورة عنيدة حول كيفية التوصل إلى تسوية نهائية للصراع. وافترض الجميع أنه يعرف ما يريد ويعتقد أن الشيء الوحيد المطلوب للوصول إلى هذه التسوية هو الضغط على الطرفين لتقديم بعض التنازلات التي من شأنها أن تدفع المفاوضات إلى خط النجاح.
لكن هؤلاء كانوا يخدعون انفسهم. فالفجوة بين الجانبين ليست في بضع كيلومترات على الخريطة، أو عشرات البلديات الإسرائيلية في الضفة الغربية أو بضعة مليارات من الدولارات توضع في صناديق عالمية لتطوير الدولة الفلسطينية. للأسف، الأمر أكثر عمقاً وأكثر حصانة أمام الحلول.
إسرائيل لا تملك أي مصلحة في حكم الفلسطينيين الذين هم بالفعل ليسوا مواطنين إسرائيليين ويجب أن تفعل ما بوسعها لمواصلة عملية الانفصال السياسي. ولكن هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى حل تفاوضي للجواني الأخرى من الصراع في المستقبل المنظور حتى تتطور المواقف الفلسطينية. وهنا لا يشكل الفصل الكامل بديلاً مقبولاً: حيث سيتسبب في ادخال ملايين الفلسطينيين في محنة رهيبة وخلق كيان سياسي فاشل في المنطقة ( ربما اثنين واحد في الضفة والآخر في غزة).
إذا، ما الذي ينبغي علينا فعله؟ أنا أؤيد هنا سياسة التغيير من القواعد باتجاه القيادة وتحقيق تقدم تدريجي في محاولة لبناء هيكل دائم للسلام على أسس متينة عوضاً عن تلك المهترئة. وإذا تقدم الإسرائيليون نحو الحل بخطى ثابتة وعزم وتصميم كبير دون أوهام رمادية او تمنيات غير واقعية يمكننا تحسين الوضع للفلسطينيين وأنفسنا وتحقيق تقدم حقيقي على الطريق.
ان العنصر الأول في هذا النهج يتمثل في تعزيز النمو الاقتصادي الفلسطيني وتطوير البنية التحتية. يجب السماح للمزيد من العمال الفلسطينيين في العمل بالمناطق والمستوطنات الصناعية في الضفة الغربية وينبغي تشجيع المزيد من المشاريع المشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين. وينبغي إضافة المزيد من المناطق الصناعية الفلسطينية ويجب نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. ويجب أن تبنى محطة كهرباء فلسطينية قرب جنين، بالإضافة إلى زيادة سعة محطة الكهرباء في غزة، ويجب أن هناك مجال لاستغلال الطاقة الشمسية في قطاع غزة بالإضافة إلى تشجيع تحلية مياه البحر وتشجيع القطاع الزراعي. هذا بالإضافة إلى استغلال نجاح مدينة الروابي في الضفة وتكرار التجربة في مناطق أخرى في الضفة الغربية.
في الوقت نفسه، يجب على إسرائيل ان تفعل ما بوسعها سواء بصورة مباشرة او من خلال تمكين جهود الآخرين في تحسين الحوكمة الفلسطينية وجهود مكافحة الفساد وبناء المؤسسات بشكل عام. وفي جميع الأوقات يجب على إسرائيل أن تتجنب رعاية الفلسطينيين. وليس من أعمال إسرائيل فرض الطريقة التي تحكم بها السلطة الفلسطينية او تختار قادتها. وبدلاً من ذلك يجب عليها أن توفر الفرص أمام الفلسطينيين لتحديد مستقبلهم.
كل هذا ينبغي ان يتم على خلفية التعاون الأمني الإسرائيلي الفلسطيني تحت عنوان “سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد” وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية بالتعاون مع إسرائيل يجب أن يعملا على منع ظهور أي جماعة مسلحة مستقلة والحفاظ على احتكار القوة واستخدامها في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وفي هذا الإطار يجب على إسرائيل ان تفعل كل ما بوسعها لتدريب أفراد الشرطة والأمن الفلسطيني لمواجهة التحديات الأمنية الشاقة. وطالما كان الأمر ضرورياً يجب على إسرائيل الحفاظ على حرية عمل قواتها العسكرية والأمنية في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وبنبغي ان يضم هذا النهج مكوناً دبلوماسياً كذلك، فمن الناحية المثالية يجب أن تكون هناك مبادرة إقليمية لجلب الدول العربية الراغبة في المساعدة على إدارة وحل الصراع سواء أكانت هذه الدول تملك علاقة رسمية مع إسرائيل ام لم تكن تملك هكذا علاقة.
ومع مرور الوقت يمكن لهذه الجهود أن ترسي الأساس الحقيقي لسلام حقيقي متجذر قائم على الاعتراف المتبادل والتعاون المسؤول. وشكل معين من التسويات النهائية يمكن أن يصبح مقبولاً وواضحاً في نهاية المطاف. ولكن لن يأتي هذا إلا بعض أن يعمل الإسرائيليون والفلسطينيون سوياً مع بعضهم على مدى السنوات القادمة لتعزيز وتنمية هذه المفاهيم تدريجياً. ويمكن في النهاية ان يملك الفلسطينيون كياناً سياسياً خاصاً بهم، ولكن على الأقل في المستقبل المنظور سيفتقر هذا الكيان إلى سمات معينة من السيادة الكاملة مثل القوات المسلحة. ووضح رابين الأمر كذلك في الخطاب الأخير الذي قدمه في الكنيست وعرض فيه اتفاق أوسلو الثاني قبل شهر من حادثة اغتياله المأساوية: ”
نرى أن الحل الدائم للنزاع في إطار دولة إسرائيل سوف يشمل أكثر من منطقة من أرض إسرائيل كما كان الحال عليه إبان الانتداب البريطاني، حيث سيشمل على موطن لمعظم الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. نود أن يكون هذا الكيان أقل من دولة والتي ستعمل على إدارة حياة الفلسطينيين بشكل مستقل تحت سلطتها. وحدود إسرائيل خلال الحل الدائم ستكون دوماً وراء الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة. لن نعدو إلى خطوط 4 يونيو 1967..
وذهب رابين أيضاً إلى الدعوة للحفاظ على القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية. وأكد على إقامة امن إسرائيل عبر أمن الحدود في وادي الأردن وتوسيع السيادة الإسرائيلية لتشمل الكتل الكبيرة من المستوطنات اليهودية خارج الخط الأخضر وهو ما يشكل رأياً سديداً اليوم.
ان تحقيق هذه النتيجة يحتاج إلى الصبر والمثابرة وسنوات من الجهد العملي. لكنه يوفر فرصة لسلام حقيقي في مكان ما على الطريق وهو ما لم يكن سينتج وفق الطريقة التقليدية ابداً. وأي محاولة من جانب الإدارة الامريكية الجديدة في واشنطن لحرث الأخاديد القديمة لن تبوء الا بالفشل مثلما تسببت الجهود السابقة في وضع سكان هذه المجتمعات امام مزيد من البؤس والعنف والحصار، وما زالوا بعيدين عن السلام الذين يستحقون التنعم به في يوم من الأيام.