اضغط هنا للحصول على هذه الورقة كاملة بهيئة ملف PDF
يسعى العراق جاهداً لإعادة تشكيل نفسه كدولة مستقلة ذات هيبة بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية، و قد وضعت حكومة الكاظمي مسألة الهيبة و السيادة على رأس أولوياتها إلا أن ملفات عديدة و متشابكة تشد العراق نحو مجموعة من الدول تجعلها تتدخل في قراراته و أرضه وتمارس ضغوطات واسعة يأتي العراق وأبناءه في نهاية اهتماماتها، و أبرز هذه الملفات هو ملف كهرباء العراق الذي بات يشكل أحد أبرز الأعباء السياسية و الاقتصادية -في بلد يمتلك موارد ضخمة من الطاقة- لدرجة تحوله إلى خطر قومي لا يقل عن الأخطار الأخرى التي تواجه العراق.
في تجربة مماثلة لما حصل في العراق واجه لبنان أزمة كهرباء بعد الحرب الأهلية خصص له جزء كبير من موارده، وارتكزت الجهود الحكومية على تطبيق برامج صيانة وإصلاح وتعاقد كلفت الخزينة مليارات الدولارات، في النتيجة يمتلك لبنان أحد أسوأ شبكات الكهرباء في المنطقة ويعتبر الإنفاق على قطاع الكهرباء أحد أهم أسباب ارتفاع الدين العام للدولة التي أعلنت في أذار-مارس 2020 عن عجزها عن أداء خدمة الدين. قد لا يكون العراق بعيداً عما حصل في لبنان إلا بالوقت فالملف الذي أنفقت عليه مليارات الدولارات تحول إلى منطقة تجاذبات سياسية داخلية و إقليمية و أحد أهم أدوات الضغط السياسي على العراق الذي ترتفع ديونه لتصل إلى قرابة 90% من الناتج المحلي الإجمالي.
يسعى العراق لإطلاق برنامج يجعل الاستقلال في مجال الطاقة أحد أهم أولوياته ويضعه في محيطه الإقليمي كدولة ذات سيادة و نفوذ، و في سبيل ذلك يتم طرح مجموعة من المقترحات أبرزها الربط مع الشبكة الخليجية و تنويع مصادر الطاقة عبر الاعتماد على الموارد المتجددة و تقليل الهدر من الغاز العراقي المحروق. لقد شهدت تحركات رئيس الحكومة و اللقاءات الدولية والإقليمية التي قام بها الكاظمي اهتماماً ملحوظاً بملف الكهرباء حيث تم توقيع عقود مع شركات أميركية أثناء الزيارة لواشنطن و طرح الرئيس الفرنسي موضوع انشاء محطة نووية كما أكد وزير خارجية المملكة العربية السعودية أثناء تواجده في بغداد على ضرورة الإسراع في مشروع الربط مع دول الخليج في الوقت نفسه الذي تسعى فيه مصر إلى تعزيز تعاونها مع العراق في مجال الطاقة عبر مشروع الشام الجديد في الوقت الذي تكافح فيه إيران بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على مكتسباتها في ملف الطاقة.
ترصد هذه الورقة مستجدات مشكلة الكهرباء في العراق والحلول المطروحة من قبل الفاعلين الإقليمين والدوليين والانعكاسات على قضية السيادة العراقية، وتضع ملف الكهرباء في سياق سيناريو استمرار الأزمة الراهنة مقارنة بملف الكهرباء في لبنان وكذلك سيناريو حل الأزمة و تموضعات اللاعبين الرئيسين والفوائد و الأضرار التي ستنعكس على العراق في ظل هذا السيناريو.