استعدادات عسكرية وأمنية
منذ بدء حملة التصعيد الأخيرة في درعا في حزيران 2021 (قبل شهرين تقريباً) والنظام يستقدم تعزيزات عسكرية الى المنطقة الجنوبية ومن ضمنها راجمات الصواريخ والمدرعات وغيرها من الأسلحة بالتزامن مع جولات التفاوض والمحادثات التي كان من المفترض أن تسفر عن اتفاق تسوية معقول لتهدئة الأوضاع في المنطقة.
كما استبق النظام العملية العسكرية بتغييرات واسعة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية في الجنوب السوري، حيث طالت التغييرات بعضاً من أبرز الشخصيات العسكرية والأمنية، الذين جرى استبدالهم بآخرين اشتهروا بولائهم الكبير لإيران.
أبرز هذه التغييرات تضمنت تعيين قائد جديد للفيلق الأول (يضم الفرقة الأولى دبابات والفرقة الخامسة ميكا والفرقة التاسعة دبابات والفرقة السابعة دبابات والفرقة الخامسة عشرة قوات خاصة) حيث يشغل قائد الفيلق الأول منصب رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في الجنوب السوري أيضاً، بتكليف من القوات الروسية منذ عام 2018.
وكانت مصادر إعلامية نقلت عن مصادر خاصة، أن هذه التغييرات جاءت نتيجة معطيات ثلاثة: الأول: الفشل في ضبط الأوضاع في درعا، والثاني: رفض أهالي درعا الصريح للانتخابات الرئاسية و فشل الجهات العسكرية والأمنية في فتح مراكز انتخابية، والثالث: الفساد المستشري وجمع أموال طائلة من خلال بيع السلاح الذي يتم استلامه مقابل إخراج المعتقلين، أو إزالة ملفاتهم الأمنية مقابل مبالغ مالية ضخمة، إضافةً إلى عمليات تهريب السلاح.
وتتوزع القوى المشاركة في حصار وقصف واقتحام مناطق حوران بين القوات التابعة للنظام والتابعة لإيران مباشرة أو المرتبطة بحزب الله، بينما لا يوجد ما يؤشر -حتى لحظة كتابة هذه السطور- إلى مشاركة روسية عسكرية مباشرة، وهو ما أكّد صرح به المقرب من الكرملين “رامي الشاعر” الذي قال أنه لن تكون هناك مشاركة عسكرية روسية لاقتحام درعا.
الجهات المشاركة في حصار وقصف درعا
وتمثل “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، النسبة الأكبر من المقاتلين، ورأس الحربة في عملية الحصار والقصف.
بالإضافة إلى ميليشيا “الغيث” و “أسود العراق” و “الرسول الأعظم” و “جيش التحرير الفلسطيني” و “اللواء 313 التابع للحرس الثوري الإيراني” و “الرضوان” أبرز التشكيلات العسكرية المشاركة في حصار وقصف درعا.
- ميليشيا/قوات الغيث (الفرقة الرابعة)
وتعرف أيضاً باللواء 42، وهو من أبرز الميليشيات التابعة للفرقة الرابعة والفاعلة في حصار درعا يقودها “غيث دلة”، وينضوي تحتها العديد من الألوية التي تضم جنسيات عراقية ولبنانية، والتي تتخذ شكلاً ميليشياتياً إذ لا يلتزم عناصرها عادة بلباس الجيش، أو بحلاقة الذقن أو الشعر، كما ينضوي ضمن هذه الميليشيا عدد من المجموعات المسلحة المحلية من درعا التي تم تشكيلها بعد اتفاق التسوية (2018) وعدد كبير منهم من مقاتلي الجيش الحر السابقين (المعارضة)، وخلال الحملة العسكرية الأخيرة (منذ حزيران 2021) رفضت معظم هذه التشكيلات المحلية المشاركة في حصار درعا وتوارت عن الأنظار.
- ميليشيا/قوات أسود العراق (الفرقة الرابعة)
يقودها المدعو فؤاد النداوي، وتشارك بشكل كبير في الحملة العسكرية على أحياء درعا البلد، وقتل أحد قيادييها المدعو “بهاء حامد إدريس الحيالي” بعد قدومه إلى درعا بأيام قليلة في 6 آب/أغسطس 2021، عراقي الجنسية، وعمل سابقاً في لواء الامام الحسين، واللواء 313 التابع للحرس الثوري الإيراني، ودُفن في منطقة السيدة زينب في دمشق.
- ميليشيا “لواء الرسول الأعظم”
معروفة بتبعيتها لإيران وكانت تتمركز في حلب في منطقة النيرب، مع تصاعد التوتر في درعا، حرّكت أرتالها العسكرية من مقراتها في حلب إلى دمشق ثم إلى درعا.
- جيش التحرير الفلسطيني
أرسل جيش التحرير الفلسطيني مجموعة عسكرية إلى محافظة درعا للمشاركة بالقتال، علماً أن هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها جيش التحرير الفلسطيني في حصار درعا والحرب عليها فقد سبق وشارك بشكل مباشر في عدة عمليات في درعا ودمشق وحلب.
- اللواء 313 (الحرس الثوري الإيراني)
يتمركز بشكل أساسي في “إزرع” شمال درعا، ولديه تاريخ طويل من التواجد والمواجهات في المنطقة الجنوبية، حيث ينشط في المنطقة منذ عام 2014 على الأقل، وكانت بداية نشاطه عبر محاولات تجنيد الشباب من منطقة حوران والزج بهم في معارك النظام، شارك هذا التشكيل في العديد من المعارك والمواجهات كما يعتبر المسؤول عن اعتقال عدد كبير من أقارب وعوائل المنتمين للجيش السوري الحر(معارضة)، وكان جزءً من عملية إعادة الانتشار الواسعة التي قامت بها المجموعات العسكرية التابعة لإيران في بداية 2021.
- كتائب/قوات الرضوان
ميليشيا مسلحة تتبع لحزب الله اللبناني وتعمل عادة جنباً إلى جنب مع الميليشيا التابعة لإيران في سوريا، كانت من أهم الميليشيات التابعة لحزب الله في سوريا، ويشار إليها على أنها قوات النخبة في ميليشيا حزب الله، وتتمركز بشكل أساسي في حلب.
- الفرقة التاسعة دبابات
من التشكيلات العسكرية التابعة لجيش النظام التي بدأت تواجدها مبكراً في الجبهة الجنوبية وشاركت في عدة عمليات.
استخدمت الميليشيات الإيرانية المتواجدة في المنطقة مقرات الفرقة التاسعة للتخفي في داخلها هرباً من الضربات الإسرائيلية في 2019،
ويقود الفرقة التاسعة اللواء رمضان رمضان أحد أبرز المطلوبين للعدالة بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين كما يعتبر هذا التشكيل من الجهات التي ارتكبت انتهاكات واسعة بحق السوريين في وقت مبكر ومن أوائل التشكيلات التي بادرت لاستخدام القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين في درعا 2011.
إيران تبحث عن ورقة رابحة
روسيا من جانبها أمهلت كلا الطرفين (النظام و أهالي درعا المحاصرين)، فترة 15 يوماً لإتمام اتفاق التسوية وهذا لا يبدو قريب المنال بالنظر للمعطيات الحالية.
بينما يأتي هذا التصعيد بالتزامن مع تحول بعض الثكنات العسكرية في محافظة درعا، وخصوصاً في ريفها الغربي إلى مقرات تضم ميليشيات إيرانية وعراقية.
إذ تسعى الميليشيات الإيرانية والجهات المرتبطة بها لإفشال أي اتفاق تسوية عبر خرق الاتفاقات وفرض الشروط التعجيزية لأن التوصل لاتفاق تسوية سيعني تغليب الدور الروسي -بدرجة ما- في المنطقة، وسيحدّ من الدور الإيراني.
أما استمرار التصعيد العسكري فقد ينتهي الى مواجهة واسعة -غالباً ستتضمن أعداد كبيرة من الضحايا والمهجرين- لتتمكن بعدها الميليشيات والمجموعات المرتبطة بها من اقتحام أحياء درعا وتعزيز التواجد الإيراني على مقربة من الحدود الأردنية والإسرائيلية مما يعطي إيران ورقة مساومة يمكن أن تستخدمها في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة وفي ضبط التهديدات الإسرائيلية وإقناع الولايات المتحدة والإسرائيليين -وحتى الأوروبيين ربما- بالتعامل مع بشار الأسد ونظامه ورفع العقوبات عنه.
تحركات الأردن واللقاء المهم في موسكو
ومن المفترض أن يكون لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع بوتين في موسكو اليوم الإثنين (23 آب/أغسطس 2021)، محطة مهمة في إدارة الأزمة والتوصل لاتفاق تسوية مقبول من أهالي درعا ويؤشر لاحتمالية فتح المجال لطرف ثالث (الأردن) للعب دور فاعل في مشهد المنطقة الجنوبية بالتعاون مع روسيا (على غرار الدور التركي في الشمال)،
ومما يزيد من حجم التعويل على الزيارة أنها تأتي بعد زيارة وصفت بالناجحة للولايات المتحدة وبعد حراك دبلوماسي انتهى بزيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو للأردن، حيث بدا من تصريحات الملك، وقرارات الأردن الأخيرة بفتح معبر مع النظام، أن الأردن استطاع التنسيق مع الولايات المتحدة على ما هو أبعد من مجرد العمل على الأزمة في درعا -رغم فداحتها- إلى لعب دور فاعل في الوضع السوري بشكل عام،
ويعزز هذا الانطباع أن هذه التطورات تأتي بالتزامن مع موافقة الولايات المتحدة على استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن إلى لبنان عبر الأراضي السورية، والسماح للغاز المصري بالعبور إلى الأردن وسورية ولبنان، على أن يتولى البنك الدولي تمويل نقل الغاز المصري إلى البلدان المذكورة، وإصلاح شبكة الكهرباء بين الأردن وسورية ولبنان، وتقويتها بالشكل المطلوب.
إلى أين تشير الاحتمالات ؟
رغم كل هذه المعطيات فإن التفاؤل بدور الأردن بخصوص سوريا عموماً والمنطقة الجنوبية تحديداً يبقى محدوداً لأنه وبالقياس على الدور التركي في الشمال فإن الوصول إلى ما يمكن اعتباره تهدئة نسبية في الشمال السوري استدعى أكثر بكثير من مجرد تفويض أمريكي أو لقاء واتفاق مع موسكو، لقد احتاج الأمر في حالة الشمال السوري إلى مواجهة عسكرية وحرباً خاضتها تركيا بالطائرات المسيرة واجهت فيها قوات النظام والميليشيات الرديفة، وتضمنت تحييد أعداد كبيرة من عناصر النظام لدرجة أصبح يفكر ملياً قبل المضي باجتياح عسكري جديد في منطقة الشمال.
وحتى تتضح الصورة حول الدور الذي سيلعبه الأردن فإن التغييرات الأمنية والعسكرية التي أجراها النظام في نهاية شهر أيار/مايو وبداية شهر حزيران/يونيو 2021، والتعزيزات العسكرية ونوعية الأسلحة التي يستقدمها النظام إلى المنطقة الجنوبية منذ شهرين ويعلن عنها في وسائل الإعلام الرسمية التابعة له، وطبيعة وتوجهات الميليشيات التي تعزز من تواجدها في المنطقة وتصريحات عناصر هذه الميليشيات واندفاعها لخوض المواجهة، وطريقة تعاطي إعلام النظام مع الأوضاع في المنطقة الجنوبية وإصراره على وصف ما يجري بالحرب ضد الإرهاب، كلها معطيات تشير إلى أنّ النظام وحلفاءه الإيرانيين لا ينوون السماح بتمرير أي اتفاق تسوية أو تهدئة، وأن المنطقة قد تكون مقبلة على مواجهة عسكرية واسعة سينتج عنها عدد كبير من الضحايا والمهجرين ودمار واسع، أو على اتفاق تسوية جديدة تحت ضغط التهديد بالحرب، تطلق يد قوات النظام والميليشيات المرتبطة بإيران في المنطقة لتتفجر الأوضاع من جديد بعد حين.