عندما تأسست القيادة المركزية (الوسطى) الأمريكية في عام 1983، كانت مصر هي الدولة الوحيدة المعترفة بإسرائيل، ولم تكن هناك علاقات فعلية تربط “إسرائيل” بمحيطها بل ولم يكن هناك اعتراف من قبل الدول العربية بهذا الكيان، وهذا ما برر وقتها وضع “إسرائيل” ضمن القيادة الأمريكية الأوروبية، وليس الوسطى
اليوم وبعد سلسلة من اتفاقيات المصالحة بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية (الإمارات، والبحرين والسودان والمغرب) التي شهدت الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها فيما عرف باتفاقيات أبراهام. ومع احتمال أن تُقدم دول عربية أخرى على تطبيع علاقتها بإسرائيل، جاء قرار ضم “إسرائيل” إلى قيادة المنطقة الوسطى.
وفي الوقت الذي يحاول فيه البعض التهوين من تبعات هذه الاتفاقيات وما يمكن أن ينبني عليها، باعتبار أن هناك علاقات واتصالات تجري أصلاً بين إسرائيل وعدة دول عربية منذ سنوات، وأن ما يجري هو إعلان وشرعنة لهذه العلاقات ليس أكثر، فإن الولايات المتحدة فيما يبدو تنظر لهذه الاتفاقيات بشكل مختلف، إذ تعتبرها “فرصة استراتيجية” لعمل مشترك عسكري وأمني مع الحفاظ على تعاون قوي بين “إسرائيل” والأوروبيين، وربما هذا ما يبرر أنّ “إسرائيل” إلى الآن لا زالت ضمن القيادة الأوروبية، وبالتالي هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقع ضمن منطقتين.
تلا قرار الضم عملية إعادة تموضع وانسحاب لبعض القوات الأميركية من الشرق الأوسط، وارتفاع واضح في وتيرة التصريحات من الطرف الإيراني تجاه الولايات المتحدة والحديث عن العودة للاتفاق النووي وسط تنديد الدول المجاورة بسبب رفع إيران مستوى تخصيب اليورانيوم، وتطوير أسلحتها البالستية (الصواريخ العابرة للقارات، أو الصواريخ بعيدة المدى).
ترددت على مدى السنوات القليلة الماضية، في أوساط صنع القرار الأمريكية فكرة تخفيف الولايات المتحدة من وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وكان من أبرز ما طرح في هذا السياق تصريحات باراك أوباما أثناء ولايته، والتي تضمنت حديثاً واضحاً عن انسحاب واسع للقوات الأمريكية من المنطقة، وبالفعل حدثت عمليات انسحاب للقوات الأمريكية من العراق عام 2011، ولكنها عادت وانتشرت في مناطق أخرى مثل سوريا، وبالتالي يمكن اعتبارها عمليات إعادة تموضع أكثر منها عمليات انسحاب.
وخلال فترة ولايته، صرح ترامب بأنه سوف يعمل على سحب القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذا لم يحدث فعلياً.
رغم هذه التصريحات وكل ما يثار حول انسحاب عسكري أمريكي من المنطقة فإن الحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة لم تنسحب من منطقة جغرافية رئيسية منذ التوسع العالمي لنفوذها العسكري في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بالتالي فإن أي انسحاب حقيقي يأتي الآن سيمثل حدثاً غير عادي، وبالتأكيد سيكون له دوافع وتبعات غير عادية.
نناقش في هذه الورقة دوافع الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرار ضم “إسرائيل” للقيادة الوسطى، وعلاقة ذلك بحاجة الولايات المتحدة لنقل قواتها إلى مناطق صراع أخرى من العالم، في محاولة للإجابة على سؤال:
هل إن قرار ضم “إسرائيل” لقيادة المنطقة الوسطى هو مجرد تحصيل حاصل لموجة التطبيع التي بدأت مؤخراً، تزامن مع حاجة الولايات المتحدة للتخفيف من ثقلها في الشرق الأوسط والتركيز على الصراع مع الصين وروسيا، أم أنه تفويض واسع لإسرائيل للعب دور أكثر تقدماً كنائب عن الولايات المتحدة في المنطقة ؟
[…] […]