تسعى الورقة التي قدمها مركز راند لتقديم عدد من التوصيات والاقتراحات المتعلقة بطبيعة سياسة الولايات المتحدة في المرحلة الانتقالية فيما بعد النزاع في سوريا بما يمنع انهيار الدولة السورية هناك ويقلل من احتمال تكرار الحرب او وقوع البلاد ضحية للهزائم الجماعية الإرهابية. ولتحقيق هذه الأهداف الثلاثة فإن التقرير يرى أن افضل طريقة لذلك تمر عبر العمل مع روسيا ومن خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خاصة في ظل عدم وجود إجماع إقليمي على إنهاء الحرب في سوريا. يضاف إلى ذلك ما تعكسه الثقافة السياسية والتاريخ الحديث في سوريا من ترسيخ للتقاليد المركزية والقومية التي ينبغي الاعتراف بها وإقرارها للتخطيط لمراحل ما بعد الصراع. في المقابل، ينظر التقرير إلى السياسات التي تسعى إلى تقسيم البلاد بشكل متعمد ومباشر أو عبر إضعاف وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة – مثل عمليات دعم الجماعات المسلحة التي تنفذ هجمات ضد مخططات الدولة السورية فيما بعد الصراع او تستهدف عمليات إعادة الأعمار او تغالي في تأكيد الحكم المحلي على حساب الدولة وسلطتها- كل هذه الإجراءات قد تتحول في النهاية – وفق التقرير- إلى نتائج عكسية لا تفيد في منع عودة الصراع والعنف.
ويتابع التقرير أن هذا التحليل وما يشمله من توصيات تحظى بأهمية كبيرة لدى كل من صناع القرار ووسائل الإعلام والعلماء المتخصصين في سياسة الولايات المتحدة الخارجية وسوريا والشرق الأوسط.
وقسم التقرير نتائجه وفق الموضوعات حيث خلص التقرير إلى أن التهديد الأكبر الذي تعاني منه الولايات المتحدة في سوريا يتمثل في انتشار المجموعات الإرهابية. ويشير التقرير إلى أن الطريقة الأفضل لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في سوريا والتي حددها بالوصول إلى تسوية سياسية وهزيمة داعش وجبهة الفتح تتحقق افضل ما يكون عبر التعاون مع روسيا من خلال مجلس الأمن، خاصة في ظل عدم وجود إجماع دبلوماسي إقليمي بشأن إنهاء الحرب في سوريا.
ويؤكد التقرير أيضاً على أن عملية الحكم فيما بعد انتهاء الصراع وما يوازيها من استعادة للأمن وإعادة الأمن يجب أن تستفيد من وحدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما فيما يتعلق بانتقال السلطة، أوضحت الورقة ان عملية تنازل الأسد عن السلطة تتم بشكل أفضل في سياق المفاوضات التي توسطت بها الأمم المتحدة لتسوية الصراع وذلك بمشاركة الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط بالإضافة إلى روسيا وإيران، وحذر التقرير بشكل كبير من الخطوات التي من شأنها أن تساهم في تصعيد أو إطالة أمد النزاع في سوريا.
أما الموضوع الثاني الذي شمله التقرير فقد كان متعلقاً بحقيقة صعوبة الوصول إلى عملية استقرار فيما بعد النزاع إذا ما تعرضت سوريا للتقسيم. وعليه فإن على الولايات المتحدة معارضة جميع السياسات التي تعمل على تقسيم سوريا، ويشير التقرير إلى أن الدولة السورية – في حال كونها مقسمة- ستكون عرضة للانهيار وستساهم في زيادة حالة عدم الاستقرار والتطرف في سوريا والمنطقة. ولم يغفل التقرير حقيقة الهوية الوطنية السورية – القوية نسبياً- بالإضافة إلى ارتباط الحكم في سوريا بآفاق المركزية والدولة الموحدة. وأخيراً، أشار التقرير إلى الدروس المستفادة من الصراعات الأخيرة بما في ذلك التدخلات الأمريكية في العراق وأفغانستان حيث تشير المعطيات إلى أن تحقيق الأمن في مرحلة ما بعد الصراع والانتقال إلى الحكم وإعادة الإعمار في سوريا يتطلب مؤسسة دولة مركزية قابلة للحياة.
وختم التقرير بالتوصيات التي انقسمت إلى خمس موضوعات رئيسية جاءت كالتالي: أولاً، يمكن للولايات المتحدة وروسيا- خاصة عند التعامل عبر مجلس الأمن الدولي – تحديد الهياكل والقيود الحاكمة للأطراف الإقليمية في سوريا بالإضافة إلى توفير الشرعية لخطة تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع وإعادة الإعمار في نهاية المطاف. ثانياً، يوصي التقرير بمزيد من التنسيق الواسع بين الجيش والمخابرات الأمريكية ونظرائهم الروس ضد داعش وجبهة النصر، وينبغي ان يتضمن التنسيق هذا اتفاقاً مع روسيا وحلفائها لتحميلهم مسؤولية أي قصف عشوائي أو إساءة معاملة المدنيين من قبل القوات الروسية او قوات النظام أو مقاتلي حزب الله.
ثالثاً، يوصي التقرير الولايات المتحدة بمعالجة المخاوف التركية حول دور الأحزاب الكردية في سوريا، وفي الوقت نفسه ينبغي على الولايات المتحدة تشجيع تجديد المحادثات السياسية بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. رابعاً، ينبغي على الولايات المتحدة مقاومة الحكم في مرحلة ما بعد الصراع التي من شأنها أن تعمل على تقسيم سوريا من خلال التأكيد على “الحكم المحلي” على حساب الدولة السورية وبالتالي تقويض آفاق الاستقرار على المدى الطويل. خامساً، وعليه فإن انتقال الأسد – تسليم السلطة – قد يكون سعر الإجماع الإقليمي والقوة اللازمة في نفس الوقت من أجل توفير قيادة حازمة وقادرة على المساعدة في تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع بما يمنع انهيار الدولة السورية وهو ما ينبغي أن يكون في مصلحة جميع الأطراف.
أعد الورقة كل من أندرو باراسيلتي وكاثلين ريدي وبيكا واسر، وتعد أحدث الأوراق البحثية التي ساهم بها مركز راند فيما يتعلق بآفاق الصراع في سوريا وآفاق الحل والمستقبل لمرحلة ما بعد الصراع. يمكنك الإطلاع على الخطة كاملة عبر هذا الرابط.