يبقى الرئيس السوري بشار الأسد بمثابة العقبة الرئيسية أمام إحلال السلام في سوريا، خاصة وأنه عرقل باستمرار أي مسار للعملية الدبلوماسية. وتكشف تحركاته أنه لن يقبل سوى بهزيمة خصومه بشكل كامل. وحتى ذلك الوقت، سيعاقب أولئك الذين تحدوه في السابق، كما فعل مع الجماعات المعارضة في محافظتي حلب ودرعا. ومع ذلك، لا يستطيع الأسد الفوز في الحرب، بالتالي لا يمكن للغرب أن يستسلم بقبول “نصره” من أجل الاستقرار، مع العلم أن الأسد ليست لديه الموارد الكافية لإعادة استعادة الأراضي السورية وإعادة توحيدها.في الحقيقة، أخطأ كل من الرئيسان الأمريكي باراك أوباما ودونالد ترامب عندما توقعا أن روسيا ستجبر الأسد على قبول العملية الدبلوماسية، حيث يسعى الكرملين لإحباط أي جهود تبذلها البلدان الغربية لاستبدال الأسد والتوصل إلى تسوية سياسية سطحية تضفي الشرعية على نظامه وتساعد على تحييد القوى المعارضة له.
علاوة على ذلك، ساهمت الجهود التي تبذلها روسيا في تقويض المصالح الأمريكية. كما لا تستطيع روسيا جلب الأسد إلى طاولة المفاوضات. وفي حين يعتمد نظامه على الدعم العسكري الذي يتلقاه من روسيا وإيران، إلا أن الأسد لا يخضع في الواقع لسيطرتهم. نتيجة لذلك، يتسم ميزان القوى بينهما بالهشاشة، حيث يكون للأسد في أغلب الأحيان اليد العليا، بينما تملك روسيا منطقة نفوذ وموارد محدودة في سوريا، الأمر الذي يدركه الأسد ويستغله.
منذ سنة 2015، شنت روسيا حملة متطورة من الجهود العسكرية والدبلوماسية بهدف تشكيل مسار الحرب وفقًا لمصالحها الخاصة. وسعت روسيا إلى تعزيز المكانة العسكرية للأسد، وتولت مهمة تشكيل مفاوضات دولية، واكتسبت اعترافًا دولي كوسيط دبلوماسي. في المقابل، لا يزال لدى الولايات المتحدة فرصة لإزاحة روسيا من مركز الدبلوماسية السورية حيث أن عجز موسكو عن إقناع الأسد أو إجباره على احترام الشروط الاتفاق، سيجعلها تفقد مصداقيتها داخل مجتمعات المعارضة.
يضر الإطار الدبلوماسي الحالي للغرب في سوريا، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، أكثر مما ينفع في ظل الظروف الحالية، مع العلم أن قرار مجلس الأمن رقم 2254 يدعو إلى وقف إطلاق النار وصياغة دستور سوري جديد تتبعه تنظيم انتخابات تخضع لمراقبة الأمم المتحدة. وفي الواقع، يحقق هذا القرار أقل بكثير من المطالب الأولية للمعارضة، التي شملت مغادرة الأسد وتشكيل حكومة انتقالية، في حين يمثل هذا القرار حلا وسطا لمؤيدي الأسد.من المرجح أن يؤدي تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 إلى عزل مجتمعات المعارضة وتعزيز نفوذ الجماعات السلفية الجهادية. فضلا عن ذلك، من المرجح أن يتلاعب الأسد بهذا القرار من أجل تعزيز مكانته.
- لا يمكن تطبيق فكرة قرار مجلس الأمن رقم 2254 بإجراء انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة دوليا في سوريا على أرض الواقع بشكل خاص، حيث يعارض الأسد بشكل علني فكرة تركيز مراقبي الانتخابات. وعموما، حدد موعد الانتخابات الرئاسية الخاصة به سنة 2021، التي من المؤكد أنه سيُتلاعب بنتائجه. والأخطر من ذلك، أنه من الممكن أن يحاول الاعتماد على قرار مجلس الأمن رقم 2254 لإضفاء الشرعية على انتخابه بمراقبين من دول صديقة مثل روسيا.
- سيعرقل الأسد تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 مع الاستمرار في تعزيز نفوذه في البلاد ببطء، مع العلم أنه سمح بتشكيل لجنة دستورية سورية خلال شهر أيلول/سبتمبر سنة 2019 سوى بعد التلاعب بتركيبة أعضائها لمنح نفسه حق النقض (الفيتو) الفعلي خلال مناقشاتها. وسيُستخدم هذا النفوذ لرفض إحراز أي تقدم حقيقي نحو إجراء إصلاحات.
- ينطوي الاستمرار في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 على مخاطر تتعلق بالتوصل إلى تسوية، فضلا عن أنها ستساهم في زيادة تشويه سمعة المعارضة القليلة التي ترغب في التفاوض مع النظام، حتى بشكل غير مباشر. كنتيجة لذلك، أضحت آفاق الوصول إلى تسوية سياسية في سوريا ضئيلة حيث يتقلص عدد قادة المعارضة الذين من المحتمل أن يوافق النظام عليهم.
- من الضروري أن تكون هناك عملية دبلوماسية تتسم بالمصداقية بالنسبة للجماعات المعارضة لأنها تقلل من فرص توجه الكثير إلى صفوف الجماعات الجهادية السلفية. وعموما، تضاعف أعداد عناصر تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها بسبب ادعاءاتها الطويلة بأن السوريين لا يواجهون سوى خيارين موثوقين؛ إما الجهاد أو الخضوع للأسد. ولن يتم ترسيخ هذه الرواية إلا إذا أشاد المجتمع الدولي زورا بالتقدم الدبلوماسي السطحي باعتباره بمثابة تغيير حقيقي في حياة السوريين.
من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق هدف دبلوماسي غير مناسب، حيث أن صانعي السياسة الأمريكيين متحيزون نحو النظر إلى وقف أعمال الحرب باعتبارها أهم مؤشر على إحراز تقدم دبلوماسي في سوريا. لذلك، يضيّع صانعو السياسة الأمريكية الفرص لتشكيل مسار سوريا السياسي على المدى الطويل. كما يجب على الولايات المتحدة أن تنفتح لما يمكن أن تحققه الجهود الدبلوماسية في سوريا وتضع إبقاء الفضاء مفتوحًا للمنافسة السياسية داخل سوريا وإعادة تنشيط العملية دبلوماسية القديمة، ناهيك عن إعادة إضفاء الصبغة الشرعية عليها نصب أعينها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة تشكيل مسار سوريا السياسي بموارد محدودة نسبيا. ومن المحتمل أن يحد الضغط الاقتصادي الأمريكي من نطاق وحجم ما يمكن أن يحققه الأسد وأنصاره، مما سيساهم في الحفاظ على خلق مساحة للمنافسة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقيد وصول الأسد إلى الأموال من خلال فرض العقوبات عليه والضغط على الأمم المتحدة للقيام بمزيد من التدقيق فيما يتعلق بمسألة اختلاس المساعدات الإنسانية في سوريا.
كما يجب على الولايات المتحدة أن تواصل منع عملية تطبيع فظائع النظام من خلال دعم الجهود الأوروبية لمحاكمة أعضاء النظام السابقين والحاليين على ارتكاب جرائم الحرب على الأقل. من جهة أخرى، يجب أن تعمل الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة والشركاء الآخرين لإطلاق مبادرة دبلوماسية جديدة لبدء حوار داخل سوريا من خلال المؤتمرات ومبادرات المسار الثاني التي تضم أكبر عدد ممكن من المجتمع السوري.
فضلا عن ذلك، يعد وجود مثل هذه العملية أمرا مهما على الرغم من أنها لن تساهم في إنهاء الحرب قريبًا ولن تحظى بمشاركة واسعة في البداية. ويمكن أن توفر هذه العملية منفذا للمجتمع المدني السوري حتى يظل نشطا، فضلا عن آلية للولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول الغربية الأخرى من أجل ممارسة الضغط السياسي على الأسد ومؤيديه.
في المقابل، يمكن استبعاد الدول الذين يلعبون دورا معرقلا في هذه العملية مثل تركيا، التي من المحتمل أنه سيتم تشجيعها على إحداث تغييرات في سلوكها في المستقبل. ومن شأن هذه العملية الدبلوماسية أن توفر فرصة جديدة لدمج المجموعات المستبعدة حاليًا من عملية قرار مجلس الأمن رقم 2254، على غرار قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
أما داخل سوريا، يتعين على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهد لكسب النفوذ على الصعيد المحلي واستخدامه في إطار دبلوماسي نشط. ويجب عليها الالتزام من جديد بشراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية في شرقيَ سوريا لبناء حكم موثوق به وشامل كبديل لكل من الجماعات السلفية والجهادية. كما يجب على واشنطن نشر قوات إضافية للعمل مع قوات سوريا الديمقراطية لتحقيق الاستقرار في الشرق ومنع تركيا من المزيد من التوغل في الأراضي السورية.من منظور آخر، يجب على وزارة الخارجية الأمريكية توسيع حوارها المحلي مع المجتمعات السورية من أجل توسيع فهم الولايات المتحدة لاحتياجاتها وأهدافها، بما في ذلك في شرقيّ سوريا، حيث تتركز القوات الأمريكية. ويجب أن تكتشف طرقًا لدعم مجموعات المجتمع المدني في شماليَ غربيَ سوريا التي تحاول كبح نفوذ تنظيم القاعدة.
على هذا النحو، يجب على الولايات المتحدة البحث عن فرص تساعدها على إعادة الاندماج في أجزاء أخرى من سوريا نظرا للتطورات التي تشهدها الحرب في سوريا على أرض الواقع. وعلى سبيل المثال، قد يؤدي التمرد الناشئ في جنوبيَ سوريا إلى ظهور قادة محليين جدد، يمكن للولايات المتحدة التعامل معهم. وفي الواقع، من غير المرجح أن يتخذ الرئيس ترامب هذه الخطوات نظرا إلى رغبته في الانسحاب من الشرق الأوسط.
مع ذلك، تملك الولايات المتحدة بالفعل مصالحا أمنية قومية حيوية في سوريا، بما في ذلك منع توسع تنظيمي الدولة والقاعدة والجماعات السلفية الجهادية الأخرى، ناهيك عن وضع حد للوجود العسكري الطويل الأمد لإيران وروسيا في سوريا ووقف الهجمات التي تعد بمثابة تطهير عرقي يستهدف الأكراد السوريين.
في حال بقيت إدارة ترامب ملتزمة بمسارها الحالي، خاصة وأنه من المؤكد تقريبًا أن تفشل في تأمين المصالح الحيوية للولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك التوصل إلى تسوية دبلوماسية دائمة للحرب مع العلم أن الأسد يقبل بحماس الدعم العسكري الذي تقدمه روسيا، لكن ليس جدول أعمالها الدبلوماسي. وفي الحقيقة، أظهر الأسد خلال السنوات الثماني الماضية من الحرب أنه يفضل تدمير بلاده بالكامل عوضا عن التنحي أو إيجاد تسوية مع جماعات المعارضة.