نشر مركز “كارنيغي” الروسي للدراسات، دراسة حول العلاقات السعودية الإيرانية، ومدى التوتر القائم بينهما منذ سنوات. كما طرح التقرير تساؤلا حول إمكانية وجود سبل للمصالحة
بين الدولتين. وفي هذا السياق، يبدو أن إيران مقتنعة بأن الوضع في سوريا مستقر طالما أن السكان الشيعة في أمان، مما يضمن مصالحها. في المقابل، لا تبدو المملكة العربية السعودية راضية أبدا على الوضع.
في الواقع، تحاول إيران إظهار مدى استعدادها للحوار مع المملكة العربية السعودية، واستعادة العلاقات الدبلوماسية معها. وفي هذا السياق، تبدو إيران في حاجة إلى مساعدة من قوى أخرى، خاصة تلك المتواجدة في منطقة الخليج العربي، إلا أن الرياض لم تُبد في المقابل استعدادها لأي مصالحة مع طهران.
والجدير بالذكر أن العلاقة بين طهران والرياض تعتمد على استقرار منطقة الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بكيفية تطور الوضع في سوريا والعراق، واليمن، وحتى في لبنان والبحرين، وذلك لأن المنافسة القوية بين الرياض وطهران تكون أكثر وضوحا وأكثر حدة وتوترا عندما تتوتر الأوضاع على الساحة الاقليمية.
وفي إشارة لتاريخ توتر العلاقات الإيرانية السعودية، منذ الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه سنة 1979، تشهد العلاقات الإيرانية السعودية أزمة عميقة إلى حد الآن. وتُوصف الأزمة بالقطيعة التامة أو “الحرب الباردة”، حيث تشترك الدولتان في بسط نفوذهما على العالم الإسلامي. في المقابل، لا تقتصر الخصومة بين طهران والرياض على المجال الديني، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى المجال السياسي والاقتصادي.
وفي سنة 2011، ومع انطلاق ثورات “الربيع العربي”، بدأت جولة جديدة من المواجهة بين الدولتين، ولا سيما في سوريا. أما في سنة 2014، فقد اعتقلت المملكة العربية السعودية الداعية الشيعي نمر باقر النمر وحكمت عليه بالإعدام بتهمة التحريض على الاحتجاجات، إذ تم تنفيذ الحكم في الثاني من كانون الثاني/ يناير سنة 2016. وكان النمر أحد المؤيدين لحركة الاحتجاجات المعارضة للحكومة السعودية التي اندلعت في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية سنة 2011. وقد استنكرت إيران ذلك بشدة، ونددت “بالجريمة” التي ارتكبتها المملكة العربية السعودية في حق الداعية الذي يمثل الشيعة.
في المقابل، اتهمت الرياض، طهران بإذكاء الفتنة الطائفية في المنطقة وتم قطع العلاقات الدبلوماسية معها. كما بدأ التوتر يتفاقم سنة 2015 على إثر حادثة الحج في المملكة العربية السعودية التي أسفرت عن مقتل 800 حاج، من بينهم 464 إيرانيا. ومن جهتها، اتهمت طهران الرياض بعدم الكفاءة لضمان سلامة شعبها وضيوفها. بينما اعتبرت الرياض أن طهران تقوم بتسييس القضية، خاصة وأن طهران منعت مواطنيها من ممارسة شعائر الحج سنة 2016.
يرى العديد من الخبراء، أن العلاقات الإيرانية السعودية تؤثر على الوضع العام في الشرق الأوسط، لذلك وفقا للرئيس الإيراني حسن روحاني، فإنه هناك العديد من البلدان التي أبدت استعدادها للعمل كوسطاء بين الرياض وطهران. ومن بين هذه الدول، العراق، إذ أكد وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري أن بلاده تبذل قصارى جهدها للتوصل إلى تليين العلاقات بين الرياض وطهران، خاصة وأن أي أزمة في العلاقات الإيرانية السعودية من شأنها أن تؤثر على العراق. ويبقى السؤال المطروح هنا هو إلى أي مدى قد تصل فعالية هذه الوساطة في ظل هذا الصراع المحتدم؟
إلى جانب العراق، تحاول بعض دول الخليج التدخل كوسيط بين الرياض وطهران، ويتجلى ذلك من خلال زيارة الروحاني إلى عدد من الدول العربية المجاورة، على غرار الكويت وعمان. لكن من غير الممكن أن تكون هذه الوساطة ناجعة دون موافقة واستعداد من المملكة العربية السعودية للمصالحة.
من ناحية أخرى، باستثناء المفاوضات حول الحج، ليس للمملكة العربية السعودية أي استعداد للتفاوض مع إيران. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السعودية عادل بن أحمد الجبير إن “علاقاتنا مع إيران توترت نتيجة للسياسة العدائية التي تمارسها إيران ضدنا. من الرائع أن تحظى العلاقات مع إيران ببعض السلام، إلا أنه لا يمكن تحقيق ذلك من قبل طرف واحد”.
والجدير بالذكر أنه من الممكن وجود بعض التنازلات بين الرياض وطهران حول خطوط النفوذ في العراق. في المقابل، تعتقد إيران أنه من أجل التوصل لإجراء حوار مع الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تحظى بدعم من الدول العربية المجاورة، خاصة المملكة العربية السعودية، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية الجديدة أعلنت عن نية تخليها عن الاتفاق النووي الذي تم إبرامه سنة 2015.
أما بالنسبة للعامل الروسي، فإن روسيا تحاول البحث عن سبل للتقارب بين الرياض وطهران. فبالنسبة لروسيا، فإن تطبيع العلاقات الإيرانية-السعودية يعدّ أمرا بالغ الأهمية ليس فقط بسبب معاملات النفط وإنما لضمان استقرار الوضع في سوريا. فالمملكة العربية السعودية تمتلك تأثيرا كبيرا على المعارضة المسلحة السورية.
بالإضافة إلى ذلك، تحاول الشركات الروسية البحث عن أفق التعاون الاقتصادي مع الرياض، إلا أن الشراكة الوثيقة بين موسكو وطهران بالإضافة إلى الجهود المشتركة في الحرب السورية، تجعل موقف روسيا أمام المملكة العربية السعودية ضعيفا. لذلك، فالسعوديون هم أقرب إلى السياسة الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تفيد بوقف انتشار النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، إذ أن ذلك سيلبي أكثر مصالح الرياض.
من جهة أخرى، تبقى موسكو في وضع صعب، إذ من المهم بالنسبة لها الحفاظ على التوازن مع جميع الشركاء في المنطقة على غرار إيران، والمملكة العربية السعودية وتركيا. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من تركيا والمملكة العربية السعودية تعدان من أكثر الأطراف الرافضة للسياسة الإيرانية. وفي الوقت نفسه، تسعى موسكو لاستعادة العلاقات مع واشنطن. بالتالي، لا يستبعد العديد من الخبراء أن تكون روسيا قد وُضعت أما خيارين: إما أن تختار الولايات المتحدة الأمريكية أو إيران.
فهل يكون فلاديمير بوتين على استعداد لتعليق العلاقات مع إيران من أجل التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمنع العدوان الإيراني في سوريا والشرق الأوسط؟
في الواقع، من الصعب تصور أن تكون موسكو على خلاف مع أحد حلفائها الرئيسين في الشرق الأوسط، خاصة إيران التي تعد من أهم شركائها وداعميها في الشرق الأوسط، مما يعني أن روسيا لا تريد الصراع ولا الدخول في جدال مع أي من حلفائها لا تركيا ولا إيران، كما ليس من مصلحتها الدخول في خلاف مع المملكة العربية السعودية.ووفقا لذلك، فإن العامل الروسي لن يساهم في فض العداوة بين المملكة العربية السعودية وإيران.
في الختام، لا يمكن الحديث عن تحقيق المملكة العربية السعودية وإيران لتقدم إلا في حال توقفت إيران عن التدخل في شؤون الدول العربية. فعلى الرغم من تضارب المصالح السعودية والإيرانية، إلا أن التفاوض قد يكون لمصلحة جميع الأطراف، خاصة وأن حالة الفوضى التي قد تنتج عن تفاقم الصراع الإيراني السعودي لا تبشر إلا بمزيد الدمار في الشرق الأوسط.
للاطلاع على الدراسة كاملة اضغط هنا