احتلت القبيلة مكانةً بارزة في الدولة السورية الحديثة، وساهمت بأدوار سياسية وثقافية داخل البنية المؤسسية والمجتمعية. وبرزت مكانةُ القبيلة بشكل مؤثر في مراحل الأزمات التي مرت بها سورية، بدءاً من الاستعمار الفرنسي لسورية، ومروراً بفترة بناء الدولة الوطنية، ومن ثم مع اندلاع أحداث الثمانينيات، واحتدام الصراع بين النظام السوري والإخوان المسلمين، ولعل آخرها هي الأزمة الراهنة التي عصفت في أرجاء البلاد منذ بداية انطلاق الاحتجاجات الشعبية على النظام السوري في آذار/مارس 2011.
وقد وصفت غالبية الدراسات والقراءات الحديثة، والتي بحثت في موضوع العشائر السورية ومكانتها في الدولة الوطنية، بالطابع الاستعراضي الأدبي والسردي التاريخي. حيث لم تتناول العشيرة وفق رؤية تحليلية عميقة لمراحل تطورها الاجتماعي والسياسي، كما أنها لم تُناقش طبيعة علاقاتها مع السلطة المركزية، ومدى تفاعلها مع الأحداث الداخلية الخطيرة التي حدثت فيها. ولا نبالغ حين نقول بأنه تكاد تندر الدراسات الأنثروبولوجية التي اهتمت بواقع العشيرة السورية، وخاصة في خضم الأحداث الداخلية السياسية والأمنية التي تجري حالياً.
ولذلك تكونت فكرة دراستي لموضوع العشائر في محافظة إدلب ودورها في الأزمة الحالية، وتأثير ديناميات الصراع السياسي والعسكري والأيديولوجي الدائر على الولاءات والمواقف السياسية للعشائر. واستندت هذه الدراسة على الطرح الذي قدمه ابن خلدون في تأصيله للقبيلة وعلاقاتها، حين اعتبر أن العصبية في القبيلة أو العشيرة هي “رابطة اجتماعية وسيكولوجية، تربط أفراد جماعة ما ذات قرابة، برابطٍ مستمر يشتد عندما يكون هناك خطرٌ يُهدد الأفراد كأفراد وجماعة معاً”. وانطلاقاً من ذلك، يتوجب علينا الإجابة عن سؤال رئيسي وهو: إلى أي مدى انعكست تطورات الأزمة السورية بعد عام 2011 على الاتجاهات السياسية والفكرية للعشائر في محافظة إدلب؟
وللإجابة عن ذلك السؤال نطرح عدة أسئلة، وأهمها: ما الدور الذي قامت به العشائر في مرحلة بناء الدولة الوطنية في سورية في القرن العشرين؟ وكيف تبلورت مواقف العشائر في محافظة إدلب من الحراك المدني السلمي في بداية الأزمة السورية؟ وما انعكاسات الصراع العسكري السوري على الاتجاهات السياسية للعشائر في إدلب؟ وما هي رؤية أبناء العشائر في إدلب للدولة السورية ما بعد الأزمة؟