تمر القضية السورية اليوم بأزمة معقدة تتفاقم تدريجياً مع التبني الأمريكي لوجهة النظر الروسية اتجاه الصراع في سوريا والتوافق مع التفسير الروسي لبيان جنيف01.
هذا التبني الذي ظهرت بوادره رسمياً قبل عدة أشهر عندما رفضت الولايات المتحدة المطالب المتكررة للمعارضة السورية وتركيا بإقامة منطقة عازلة أو آمنة داخل سوريا وفرض مناطق حظر طيران وتوجيه الاتهام رسمياً للمسؤول الفعلي عن ارتكاب المجازر في سوريا بحق المدنيين -الكيمياوي والبراميل- وغيرها من المطالب التي كانت تبدو عادلة وطبيعية جداً بل واعتبرها البعض في مرحلة ما أقل من الواجب عمله حيث كان من المفترض أن يتدخل المجتمع الدولي لوضع حد لنظام الأسد قبل أن يصل إلى هذا المستوى من الإجرام.
وما من شيء يدل على حجم الأزمة وعمقها، أكثر من التعثر الواضح في تطبيق الخطوة الأولى للتسوية السياسية والمتمثلة بتشكيل الوفد المفاوض، حيث فشلت كل الجهود إلى الآن لاعتماد وفد مفاوض من المعارضة، وهو ما يؤكد أمرين الأول: أن روسيا لم تكتفِ بفرض مفهومها وتفسيرها لجنيف1 ولكنها أيضاً تريد أن تفرض رؤيتها بخصوص من يمثل المعارضة السورية ومعايير هذا التمثيل، والثاني: أنه وبرغم كل الضغوطات التي تمارس ضد السوريين فلا زالوا متمسكين برحيل الأسد ومنظومته كشرط أساسي للمضي في أي تسوية وهي نقطة خلاف كبيرة تحاول كل الأطراف – عدا المعارضة- تجاوزها أو الالتفاف عليها أو تمييعها عبر تأجيلها لأجل غير مسمى.
تتخذ اليوم معارضة الرياض -“الهيئة العليا للتفاوض”- موقفاً سلبياً من معارضة موسكو والقاهرة التي لم تتشارك فعلياً مع معارضة الرياض في مؤسساتها أو عملها خلال الفترة الماضية من الثورة، والتي يتخذ كثيرٌ من أعضائها موقفاً سلبياً أو حيادياً -في أحسن الأحوال- من الثورة، بل ورفض بعض أعضائها المشاركة في مؤتمر الرياض رغم توجيه الدعوة لهم، كل هذا يجعل رفض معارضة الرياض لمشاركة موسكو والقاهرة في الوفد المفاوض أمراً مُتفهماً خصوصاً إذا ما أضفنا (الهاجس الأمني) المتعلق بحقيقة علاقة عدد من أعضاء معارضة مؤتمري القاهرة وموسكو بالنظام وسماح النظام السوري -المعروف بالبطش بمعارضيه- لهم بالتحرك في سوريا وخارجها وتركهم ليعقدوا اجتماعاتهم -التي يناقشون فيها معارضة النظام- في دمشق، وغيرها من المؤشرات التي تؤكد عدم منطقية اعتبار هذه الثلة أو كثير منها معارضة حقيقية. وقد جاءت ترشيحات ديمستورا للأسماء الخمسة الإشكالية التي حاول ضمها إلى وفد التفاوض لتعزز موقف معارضة الرياض الرافض لتوسيع وفد المعارضة فقد رشح ديمستورا (صالح مسلم، هيثم مناع، قدري جميل، جهاد مقدسي، ورندة قسيس) وكلها أسماء إشكالية لا يتوقع أن تنسجم مع الآخرين.
ويعزز أيضا موقف معارضة الرياض بعدم ضم معارضة موسكو بالذات، أن موسكو تشكل حليفاً استراتيجياً لنظام الأسد فلا يعقل بعد كل هذا الدور المؤيد للنظام في سوريا أن يتم اعتبار شخوص المعارضة الذين تستضيفهم وتباركهم موسكو معارضين حقيقيين.