“هذا الشيء الذي لم أكن قادراً على النجاح في إنجازه” هذا ما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما فيما يتعلق بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وأشار أوباما أيضاً إلى اعتقاده بأن حل الدولتين هو الوسيلة الأفضل لحل هذا الصراع. وتابع أن الولايات المتحدة لا يمكنها متابعة العمل على حل الدولتين نيابة عن إسرائيل والفلسطينيين إلا إن أرادت كلا الدولتين المضي فيه قدماً.
ومع ذلك، لا ينبغي على واشنطن سحب نفسها بشكل كامل من عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فهناك عدد من الخطوات التي يجب على واشنطن القيام بها للمساعدة في جعل حل الدولتين حقيقة واقعية. وأهم هذه الخطوات تتمثل في ترك أوباما كلا الجانبين مع هدية قيمة تحدد الشكل الذي سيكون فيه حل الدولتين وهو ما سيفتح مسارات مختلفة للتقدم بين الطرفين والمجتمع الدولي مستقبلاً.
تحديد المعايير
وفي حال ما أراد البيت الأبيض الإسهام في ماحولة أخيرة لأوباما في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، يمكن لأوباما أن يساهم في وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية لخليفته في البيت الأبيض قبل أن يغادر منصبه في 20 يناير من العام القادم، وهذا ما نسميه هنا “معايير أوباما” والتي ستقترح اتفاق دولتين دائم وهو ما ينبغي ان يصل ليصبح قراراً يقره مجلس الأمن الدولي ويحل مكان القرار 242 الذي أصدر عام 1967 وغيره من المبادرات المذكورة مؤخراً بهدف استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي.
يملك أوباما فعلاً قاعدة قوية يمكنه ان يبني عليها، ويمكن أن تستند “معايير أوباما” على مخططات المفاوضات السابقة عام 2008 بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، فضلاً عن المفاوضات التي تمت بوساطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بين عامي 2013 و 2014. ويمكن لأوباما أن يعتمد أيضاً على البيانات الرئاسية التي أصدرها كل من بيل كلينتون عام 2000 وجورج دبليو بوش بين عامي 2004 و2005 بالإضافة إلى تصريحاته الشخصية عام 2011. جميع هذه البيانات تقدم رؤية واضحة لحل الدولتين. وكلها تتفق على “دولتين لشعبين” من حيث المبدأ وتهدف إلى حل القضايا الخلافية الأربعة الأساسية وهي: الأراضي والقدس واللاجئين والأمن.
وبالإضافة إلى مساهمة هذه المعايير في وضع مخطط تمهيدي قابل للحياة والمضي قدماً، يمكن لمعايير أوباما أن تثبت للعالم أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى شريكة في أي صيغة لحل الدولتين، حتى لو تحدث المشككون في الخطة أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك الإرادة الحقيقية للمضي قدماً في عملية السلام وأن القيادة الفلسطينية لا تحظى بدعم شعبي تدعم من خلاله الوصول إلى صيغة سلام نهائية. وبينما يتسابق نتنياهو وعباس على إلقاء اللوم على بعضهما بتهمة عرقلة عملية السلام يأتي إطلاق واشنطن لهذه الخطة كمشجع لهم على الانتقال إلى العمل بعيداً عن المهاترات الكلامية.
وحتى في حال فشل خطة معايير أوباما في جلب عباس ونتنياهو لطاولة المفاوضات مجدداً فإن هذه الجهود ستظهر أن المجتمع الدولي لن يبقى معزولاً عن هذا الصراع. يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذ هذه الفرصة للتعبير بوضوح عن الوجهة العملية التي يدعمها ويشجع الأطراف وجيمع اصحاب المصالح للتحرك باتجاهها. هذا من شأنه أن يشكل انطباعاً قوياً لدى الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني، ويقدم لهم مناقشة واضحة وحساسة بالقضايا الجوهرية التي على المحك، حتى في حال ما رفضت قيادتهم السياسية المشاركة في المباحثات. ستساهم معايير أوباما أيضاً في دفع الطرفين نحو إدراك التنازلات الواقعية والمؤلمة التي يجب عليهما تقديمها للوصول نحو حل. وربما يمتد أثر هذه الخطة ليدفع نتنياهو وعباس نحو إعادة النظر في قيمة المفاوضات ما يؤدي إلى تغيير سياسي أوسع على كلا الجانبين.
الموقع هو كل شيء
عندما يتعلق الأمر بعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية فإن الموقع هو كل شيء. فمن خلال جلب القرار إلى مجلس الأمن الدولي بإمكان الولايات المتحدة أن تشكل ما يجعل الدول “أصحاب مصالح” من خلق حل ناجح للدولتين. فالدول العربية أصبحت مخولة بالعمل من أجل عملية السلام التي توسطت فيها ( مثل اعتماد الجامعة العربية لمبادرة السلام العربية) وسيكون لأوروبا دور محوري في مصير المشروع بالإضافة إلى أن روسيا والولايات المتحدة يملكان أهدافاً كثيرة يمكن تحقيقها عبر تعزيز أدوارهم في توصل الجانبين إلى اتفاق عملي.
والأهم من هذا، يتمثل في تحديد الهدف من اعتماد حل الدولتين بدفع إسرائيل وفلسطين لاتخاذ خطوات بناءة نحو تعزيز مصالحهما الخاصة بما يمكن كلا البلدين من الاقتراب إلى واقع دولتين قوميتين وفي نهاية المطاف نحو نتائج مشتركة. ويكاد يكون من المؤكد أن تعتمد معايير أوباما على حدود عام 1967 مع السماح لإسرائيل بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبيرة داخل الأراضي الفلسطينية. وسيسمح القرار أيضاً ببقاء الكثير من الأحياء اليهودية داخل مناطق شرقي القدس وسيصبح بإمكان إسرائيل مواصلة البناء في هذه الأحياء دون أي اعتراض أمريكي لأن هذا لن يتعارض مع ثوابت أي اتفاق دائم. وبالمثل، ومع مراعاة الالتزام بالضوابط، فإن فلسطين ستكون قادة على إعادة سعيها نحو الحصول على دولة عضو كامل في الأمم المتحدة دون أي تهديد باستخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة على أي قرار شبيه.
ويمكن للخطة المقترحة أن تساهم في ردع إسرائيل وفلسطين من اتخاذ أي خطوات تدميرية، وتوجه الطرفان بعيداً عن أي نزعات لتخريب أو تعطيل عملية السلام سواءً على الأرض أو على المستوى الدولي. ووفق الخطة سيتم منع إسرائيل من البناء خارج الكتل الاستيطانية وستكون فلسطين أقل ميلاً نحو أخذ قضيتها نحو محكمة الجنايات الدولية والتي من شأنها أن تنحى بوضوح بعيداً عن واقع دولتين تعيشان بسلام جنباً إلى جنب، وبالتالي تزداد معادلة ” الحوافز مقابل العقوبات”.
وعلى الرغم من فشل إدارة أوباما في تحقيق أي تقدم ملموس في عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، فإنه لا يزال من الممكن تحقيق تقدم يمكن للرئيس القادم للولايات المتحدة أن يستخدمه كميزة نحو إنهاء الصراع. على الأقل، يمكن لهذا الجهد تشكل أساس رؤية متجددة للمفاوضات. ومستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية للشعب اليهودي يتوقف على قدرة واشنطن على العمل بدلاً من المكابرة. اوباما قد يكون في نهاية فترة ولايته، لكنه بكل تأكيد ما زال يملك الكثير من الخيارات.
فورين أفيرز: “عامي أيلون“: المدير السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي، ورئيس مركز المفاوضات التطبيقية في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي.