هادي الشيب
إذا كان من الثابت تاريخياً أن للنزاعات أثاراً خطيرةً ونتائج بالغة السوء، فإنه مما لا شك فيه أن ما ينجم عنها من خسائر على مستوى الفرد هو أخطرها على الإطلاق، ومن المعلوم أن الخسائر البشرية لا تقتصر فقط على القتلى والجرحى والمعاقين وإنما تمتد أيضا لتشمل الأسرى المحرومين من ديارهم ومن حقهم في الحرية والعيش في وطنهم ويتحولون فجأة من مواطنين في بلادهم إلى أسرى في سجون تمارس الانتهاك والاغتصاب لحقوقهم المشروعة.
لذلك تعد مسألة الأسرى من أكثر القضايا المعروضة على المجتمع الدولي تعقيداً، حيث هناك العديد من الأسرى اليوم يحتاجون إلى الرعاية والأمن والاستقرار، فضلاً عن حاجاتهم إلى الخدمات الإنسانية الأخرى.
إن أخطر حالات الأسر والاعتقالات في العالم كانت في المنطقة العربية، وذلك نتاج المفاعيل الاستعمارية الاستيطانية، بداية بالأسرى الفلسطينيين بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث وصلت حالات الاعتقال منذ عام 1948 وحتى وقتنا هذا إلى “مليون معتقل” ،ثم تعقبها موجات اعتقالاتٍ في الوطن العربي للشعوب العربية كالعراق بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني له عام 2003.
وتعد مسألة الأسرى الفلسطينيين من المسائل التي لم تحل حتى وقتنا هذا، فقلما شهدت العلاقات الدولية وعالمنا الحديث أن تقوم أقلية غاشمة من المحاربين الغرباء بطرد أكثرية المواطنين من بلادهم وموطنهم الأصلي، فضلاً عن ممارسة الاعتقالات الجماعية والفردية غير القانونية؛ وكلما اتسعت رقعة “إسرائيل” كلما اعتقلت أناساً جدداً من مناطقهم، في ظل صمت المؤسسات الدولية الحكومية، لما يحدث منذ 1948 وحتى يومنا هذا في حق الأسرى الفلسطينيين في حريتهم، إضافةً إلى رفض الكيان الإسرائيلي القرارات الأممية الصادرة بشأن حقوق الإنسان، وإبقاء تلك القرارات في أدراج مكاتب هيئة الأمم.
لعبت المنظمات الدولية غير الحكومية دوراً مهماً في مجال حقوق الإنسان، فهي تعمل على مراقبة الانتهاكات الواقعة على حقوق الإنسان من خلال المداخلات التي تقوم بها لدى السلطة المعنية ولدى الرأي العام المحلي والدولي، بهدف وضع حدٍّ لهذه الانتهاكات، فهي تقـوم بدور المراقب لحقوق المجتمع وأفراده من التصرفات الظالمة، وهى تبذل جهـدها في الدفاع عن كل فرد في المجتمع ليتمتع بحقوقه المعترف بها. وقد أصبحت المنظمـات الدوليـة غير الحكومية أكثر نفوذا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان على نحو متزايد، فـالآلاف مـن المنظمات الدولية غير الحكومية تنخرط بدور نشط في تعزيز وحمايـة حقـوق الإنسان، وتلعب دور الحارس في حال عدم تفعيل صكوك حقوق الإنسان، وقد نشطت المنظمات الدولية غير الحكومية في الدفاع عن حقوق الأسرى وقت السلم والحرب، والتي تعد من أكثر القضايا حساسيةً في العالم بشكل عام بسبب خصوصيتها الإنسانية، وعند الشعب الفلسطيني بصفةٍ خاصة، فهي طريق نضاله من أجل إنجاز الاستقلال والحرية من الاحتلال الإسرائيلي.
فمنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي دخل قرابة خُمس الشعب الفلسطيني السجون، وتجاوزت نسبة المعتقلين الفلسطينيين منذ عام 1967 أكثر من 20% من مجمل أبناء الشعب الفلسطيني، دخلوا سجون الاحتلال لفترات وبطرق مختلفة فخلال انتفاضة الأقصى سنة 2000 وصل عدد حالات الاعتقالات إلى أكثر من أربعين ألف عملية اعتقال ولازال في السجون الإسرائيلية حوالي 6500 أسير. ويشتمل هذا العدد على 56 أسيرة، و300 طفل، و500 أسير فلسطيني محكوم عليهم بالسجن المؤبد، و13 نائب في المجلس التشريعي، و28 صحفي، و500 أسير معتقل إداري دون تهمة أو محاكمة.
تأتي هذه الدراسة لإلقاء الضوء على دور المنظمات الدولية في حماية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مما يتعرضون له من انتهاكات لا إنسانية على كافة المستويات، في ظل غياب الحماية القانونية التي ضمنتها قواعد القانون الدولي الإنساني، حيث سنعتمد على دراسة حقيقة عمل هذه المنظمات في الواقع وأهميتها في إبراز قضية الأسرى ومأساتهم وكذلك مدى نجاحها في ذلك.
ومنه نطرح الإشكالية التالية:
ما مدى مساهمة المنظمات الدولية غير الحكومية في الدفاع عن قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؟
وللإجابة عن الإشكالية قسمنا دراستنا إلى محورين:
المحور الأول: الإطار النظري للمنظمات الدولية غير الحكومية.
المحور الثاني: المنظمات الدولية غير الحكومية المساهمة في دعم قضية الأسرى في سجون الاحتلال.
وقد تمحورت الدراسة حول هذه الإشكالية بغية تحقيق هدفين:
هدف نظري: تهدف الإشكالية إلى التأسيس النظري لملف الأسرى في سجون الاحتلال والمستويات التحليلية التي يدور فيها.
هدف عملي: البحث عن ماهية ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وما يعانوه ومدى إسهامات المنظمات الدولية غير الحكومية في المساهمة في التخفيف عنهم من ممارسات الاحتلال غير القانونية.