تتناول هذه الدراسة موقع تركيا الجغرافي وامتداداتها العرقية واللغوية والثقافية في محيطها الجغرافي والبشري، وما ينتج عن كل ذلك من تفاعلات وشبكة سياسات قائمة على التأثر والتأثير من العوامل الأساسية التي حددت الأهمية الجيوستراتيجية لتركيا في منظور المصالح الغربية، وما نتج عن ذلك من تحالف استراتيجي تركي مع المنظومة الغربية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن، وإن لم تخل هذه العقود الطويلة من حالات توتر كانت تطرأ على العلاقة بين الطرفين، أو ما قد يبدو من تضاؤل أهمية تركيا بنظر حليفيها، لكن التطورات السياسية المتوالية كانت سرعان ما تثبت مفتاحية الموقع التركي للسياسة الغربية، وتقنع الطرفين بضرورة الحفاظ على أعلى درجات التعاون بينهما.
إذ شكلت تركيا أو منطقة الأناضول كما عرفت تاريخياً نقطة تقاطع للحضارات التي شكلت قلب العالم القديم، وإسطنبول كانت مركزاً لثلاث من أعظم الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والعثمانية التي حكمت مناطق تمتد من حدود فيينا شمالاً إلى اليمن والسودان جنوباً، ومن مراكش غرباً إلى بحر قزوين شرقاً، ونتيجة لعوامل متعددة أصابها الوهن وبدأت بالتفكك والاضمحلال إلى أن أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة 1922، الذي كان مقدمة لإعلان ميلاد الجمهورية التركية 1923.