سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا يوافق على أن أوباما فقد البوصلة في سوريا
لم يظهر البيت الأبيض أي نية لتغيير سياسته الحالية في سوريا رداً على المذكرة التي وقعها 51 مسؤولاً أمريكياً عمل في سوريا خلال السنوات الأخيرة والتي جاءت معارضة للنهج الذي تتبعه الإدارة الأمريكية في التعامل مع الشأن السوري.
وبعد ما يقرب من عامين من العمليات العسكرية الأمريكية في سوريا وحوالي 400 ألف قتيل سوري وتدفق اللاجئين بأعداد كبيرة إلى أوروبا وما حمله ذلك من إثارة لأسئلة تتعلق بالترابط والوحدة الاوروبية أتت تلك المذكرة محقة في استعراض كيفية تحقيق الهدف الاستراتيجي الأمريكي في سوريا.
وبلا شك فنقاش كهذا يحتل مساحة واسعة من الأهمية خاصة وأن جميع الخيارات تحمل تكلفة فرص بديلة وقد تتضمن بعض النتائج السلبية أيضاً.
المذكرة المعارضة تلك تدعم هدف الإدارة الأمريكية في إنهاء الصراع من خلال وجود السوريين على طاولة المفاوضات وتشكيل حكومة جديدة يمكنها أن تحشد السوريين جميعاً لمحاربة المتطرفين كداعش وغيرها.
المذكرة أيضاً لا تدعو إلى تغيير النظام ولم تشر إلى رحيل الأسد ولكنها أحالت هذه القضايا إلى المفاوضات المشتركة بين السوريين وهو ما سيأخذ بكل تأكيد مساحة واسعة من النقاش والمباحثات بينهم.
لم يكتب لهذه المفاوضات النجاح حقاً وذلك بسبب استمرار انتهاكات النظام السوري المستمرة لوقف إطلاق النار.
بعض النقاد قام بالإشارة إلى ما فعلته قوات الناتو سابقاً من أجل تغيير الحسابات الميدانية في صربيا سابقاً واقترحت ردع النظام السوري عبر تدمير بعض المعدات العسكرية السورية عبر توجيه ضربات جوية مباشرة. وبمجرد أن يوقن الأسد أن وقف إطلاق النار هذا حقيقي وانه لن يستطيع حسم الامور عسكرياً يمكن اعتبار هذا – وفق المذكرة – أساساً لبداية النهاية للاقتتال السوري.
البعض الآخر نحا منحاً أكثر عنفاً مسترجعاً سيناريو العراق عام 2003 و ليبيا 2011 عند سقطت أنظمة تلك الدول ودخلت في حالة من الفوضى. وعلى الرغم من التحذيرات الواردة في هذا المجال، إلا أن الواقع يختلف، فجورج بوش لم يكن مستعداً أبداً للتفاوض مع صدام حسين والقذافي كانت لائحة أتهامه في محكمة الجنايات الدولية بانتظاره. الأسد من جهته يختلف عنهما ولا يواجه هذه الأخطار. ومستقبل الأسد ودائرته هو مسألة معرضة للتفاوض بين السوريين بل سبق للمعاضة السورية أن عرضت ذات مرة قبولها لعدم محاكمة الأسد في حال تنازله عن الحكم. والنقطة الأهم من ذلك هو استعداد غالبية المعارضة المسلحة للتفاوض حول الحكومة الجديدة لكن المشكلة تكمن في النظام السوري نفسه الذي يرفض هذه المفاوضات.
نقاد آخرون أشاروا إلى سذاجة الاعتقاد بأن الأسد قد يقبل بالمفاوضات تحت أي ظرف. وهو شبيه جداً بهتلر الذي كان مستعداً لقتل الجميع في حال ما فكر حلفاؤه بالتخلي عنه. وبما أن الروس والإيرانيين لن يتخلوا أبداً عن الأسد فإن الأمريكيين وأصدقاءهم الإقليميين يجب أن لا يتخلوا عن المعارضة أيضاً. هؤلاء المعارضين لم يوضحوا الأسباب التي تتسبب في عدم ارتياح بعض الجهات الفاعلة الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية وقطر وحتى تركيا تجاه الأكراد السوريين على وجه الخصوص
الأهم من كل هذا هو أن هؤلاء المحللين لم يوضحوا كيف يمكن التوفيق بين مؤيدي الأسد واقتراح حكومة بدونه وهو ما لا يمكن أن يحدث أبداً وحتى كيف يمكن التوفيق بين أعداد أكبر على الحكومة يرفضون بقاء الأسد و يتغلغل بينهم المتطرفون.وتحذر المذكرة أنه في حال عدم التفاف العرب السنة حول الحملة الأمريكية لمحاربة داعش فإن احتواء المتطرفين سيصبح عملية ذات مدى طويل ولن تنتهي أبداً. والسؤال هو كيف يمكن الحصول على دعم العرب السنة، لتعود المذكرة وتؤكد على أن وقف هجمات الأسد على التجمعات المدنية وحل الصراع السوري يعد المفتاح الأبرز لضمان ولاء العرب السنة، ولذا فتركيز ادارة أوباما على داعش وليس على حرب أهلية أكبر هو تركيز خاطئ وفق المذكرة.
علاوة على ذلك، أولئك الذين يريدون قبول الاسد يشيرون إلى أن التمويل الدولي يجب أن يظهر مثل السحر مجدداً لإعادة بناء سوريا لكنهم لا يشرحون كيف لهذا المال أن يأتي.؟ هل من الواقع أن نعتقد أن المجتمع الدولي لن يلتف حول الأسد لدفع مبالغ طائلة من أجل إعادة الإعمار في ظل وجود حكومة فاسدة بشكل مباشر؟ودون مصالحة وطنية ودون إعادة البناء الوطني كيف يمكن لملايين من اللاجئين السوريين العودة إلى منازلهم وكيف يمكن تخفيف الضغوط الواقعة على كاهل اصدقاء أمريكا الأوروبيين؟ أنصار قبول حكومة الأسد في الواقع لا يقدمون سوا مجرد قول لا يوفر أي فرصة حقيقية لتحقيق الاستقرار في سوريا أو مواجهة المصالح الأخرى. والمذكرة هذه على الأقل يجب أن تشمل قدراً من الإئتمان على الأقل لضمان أفضل طريقة للمضي قدماً بهذا الخيار.
أخيراً، بعض الدبلوماسيين رفضوا الضربات العسكرية في سوريا حتى تلك المحدودة منها خوفاً من التسبب بمواجهة مباشرة مع روسيا. خاصة وأن الأصول العسكرية الروسية في سوريا في ازدياد كبير. لكن آخرين يتحدثون عن أن الأمر مختلف هنا، فقد سبق لإسرائيل أن استهدفت أهدافاً سورية دخل سوريا دون أي اشتباك مع الروس. وعلاوة على ذلك، سبق للروس أن استهدفوا جماعات معارضة موالية للأمريكيين.
قد تكون ردة فعل الروس مختلفة في هذا الخصوص، ففي حال القيام بمثل هذه الخطوة قد يقوم الروس بتصعيد مزيد من القصف أو تعزيز المساعدات العسكرية لدمشق او تعزيز القوات وفعلياً يعول النظام السوري كثيراً على الدعم الروسي الكبير في حال تعرضه لأي تهديد. وهو ما قد يتسبب في مزيد من الاشتعال في سوريا ويعزز احتمالية التصادم الروسي – الأمريكي هناك.
محللون آخرون وكاتب المقال منهم يشيرون إلى أن على أمريكا اتقان ومعرفة كيفية تعزيز المعارضة المعتدلة قبل التفكير باستخدام قوة عسكرية أكبر في سوريا. وتملك فعلياً كلاً وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية جهوداً منفصلة بأهداف واضحة ومنفصلة في سوريا. وبالتالي على الأمريكيين مراجعة السياسة المتبعة في التعامل مع المعارضة ويجب تنظيم برامج الدعم والتدريب الموكلة اليهم وعدم إظهارها على أنها شكات ببياض لجماعات المعارضة بل هي جزء من جهود التوعية السياسية بحيث تعزز جهود الولايات المتحدة هناك ايضاً. وهل هناك عبثية أكبر من أن تهاجم قوات الأكراد المدعومة من وزارة الدفاع الأمريكية مقاتلين آخرين مدعومين من الناتو ؟ لعل هذا يوحي أن التنافر في واشنطن على أشده ولا يملك أي طرف أي حل هناك في خضم الأعمال المثيرة للجدل. وفعليأً يمكن لامريكا أن تفعل ما هو أفضل.
تحقيق الهدف الأمريكي بايجاد حكومة جديدة قابلة للتفاوض في سوريا يحتاج إلى التعاون كل من روسيا وإيران اللذين يجب أن يفهموا عدم قدرتهم هم والاسد على فرض اتفاق سياسي لا يشمل تعديلات جوهرية على الوضع القائم في سوريا.
روبرت فورد: سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا ومتخصص في مجالات دراسات الشرق الأوسط.