نشرت واشنطن بوست في افتتاحيتها يوم 5 فبراير 2016 مقالاً لكل من الدبلوماسي الأمريكي السابق نيكولاس بيرنز وجيمس جيفري، يدعوان القوات الأمريكية فيه لإنشاء “منطقة آمنة” شمالي سوريا. ويقترح الكاتبان تحديد المنطقة الآمنة في منطقة تبعد من 25 إلى 30 ميلاً إلى الجنوب من الحدود التركية. ووفق المقال، فسيكون الهدف الأساسي من هذه المنطقة هو مساعدة القوات المحلية في محاربة داعش وتوفير ملاذ آمن للمدنيين حتى نهاية الحرب الحالية هناك.
وأقر الكاتبان كذلك ببعض الصعوبات التي قد تواجه هكذا اقتراح، معترفين باضطرار الولايات المتحدة لنشر جنود أمريكيين على الأرض داخل سوريا وعلى طول الحدود التركية من أجل جذب الجيش التركي وحلفائه في الناتو إلى المشاركة فضلاً عن بعض الدول السنية العربية الأخرى. وستفرض القواعد الجوية التركية حظراً للطيران في المنطقة الآمنة المقترحة.
بلا شك، يستحق هذا الاقتراح الكثير من التحليل والنظر الجاد فيه. وعلى أي حال، فإن هذا العرض يرتكز على دعاية خاطئة يكررها داعموا التدخل العسكري الأمريكي في سوريا كثيراً. ومفادها :”أن التدخل العسكري الأمريكي سيحد بشكل كبير من عمليات الهجوم الجوية التي يشنها النظام السوري وتستهدف المدنيين – على اعتبار أن معظم القتلى سقطوا بسبب القصف الجوي الذي شنته طائرات النظام” وهذا اعتقاد خاطئ بالكلية.
فوفق مركز رصد الانتهاكات الإنسانية (منظمة غير حكومية تعمل في سوريا على تسجيل الانتهاكات الحاصلة)، فحتى منتصف شهر سبتمبر 2015، قتل 85,404 مدني خلال المعارك الدائرة في سوريا، قتل منهم 28,277 مدني بواسطة إطلاق النار المباشر وعمليات القتل الجماعي، فيما قتل 27,006 مدني آخر بسبب قذائف الهاون والمدفعية والصواريخ. فيما تسبب هجمات النظام الجوية بمقتل 18,866 مدني. وكما قلت سابقاً في كتابي الذي أصدرته عام 2013، فإن أي تدخل عسكري لحماية المدنيين يجب أن يستند أساساً على محاربة الطريقة التي تعرض المدنيين للأذى، وليس استناداً إلى مستوى الالتزام العسكري الذي يمكن أن تدعمه السياسة الداخلية في الولايات المتحدة. فحامية المدنيين من إطلاق النار المباشر أو قذائف الهاون سيتطلب مستوى ً معيناً من التدخل والتكلفة والالتزام لا يلقى قبولاً داخل الولايات المتحدة حالياً.
وعلاوة على ذلك، حتى إذا ما قررت الولايات المتحدة وبعض القوى المتحالفة معها حماية المدنيين من الهجمات الجوية التي يقودها النظام ضدهم، فإن فرض منطقة حظر جوي شمالي سوريا لن يحقق ذلك بشكل كامل كما يتوقع المروجون للفكرة. فالهجمات الجوية التي يشنها قوات النظام السوري والطائرات الروسية الداعمة لها تمتد بشكل عشوائي على طول منطقة واصلة بين الشمال والجنوب، تمتد من حلب إلى ريف دمشق، وهي المناطق التي من شأنها ألا تخضع لحماية كاملة في ظل فرض منطقة لحظر الطيران. ووفق بيانات مركز رصد الانتهاكات الإنسانية في سوريا، فإن الغارات الجوية الروسية تسببت منذ سبتمبر الماضي بمقتل أكثر من ألف مدني سوري، بينهم 300 طفل. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات أخرى لإجراء مقارنة حقيقية، فإن روسيا بلا شك قتلت من المدنيين خلال هذه الفترة أكثر مما قتلت قوات النظام بضرباتها الجوية خلال نفس الفترة.
وبالطبع، من الممكن توسيع منطقة حظر الطيران لحماية المدنيين في المناطق التي يتعرضون فيها للقتل والقصف المستمر، ويمكن مجابهة القوة التي تتسبب فعلاً بقتلهم مثل روسيا على سبيل المثال. ولكن ذلك من شأنه أن يضع دوريات الطائرات المكلفة بمتابعة اي خرق لمنطقة حظر الطيران ومجابهة الطائرة المخترقة تحت خطر إسقاطها واستهدافها بصواريخ مضادة للطائرات. عدا عن أن أي توسيع في المنطقة يلزم الجهات المسؤولة عن فرض حظر الطيران بتكثيف دورياتها التفتيشية قرب مناطق تواجد الطائرات الروسية التي تحلق في مطار اللاذقية، وفي نهاية المطاف سيتم اسقاط الطائرات الروسية التي تخترق منطقة حظر الطيران الموسعة.
في الواقع، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً في حال فرض منطقة حظر جوي شمالي سوريا تتمثل في تعميق الالتزام العسكري الأمريكي في سوريا، وهو ما سيقود تدريجياً إلى توسيع الأهداف العسكرية الأولية هناك، وكما حدث مع مناطق حظر الطيران في العراق والتي تبعها تغيير أمريكا للنظام العراقي، ومناطق البوسنة والهرسك التي تعرضت لقصف مكثف من طائرات الولايات المتحدة وبريطانا وفرنسا ما اضطر الاطراف المتنازعة هناك إلى الوصول إلى تسوية دبلوماسية، وكاما حدث عقب التدخل الأمريكي في ليبيا من تغيير لنظام الحكم هناك أيضاً.
هناك مطلب آخر قدمه بيرنز وجيفري عبر مقالتهم المنشورة تلك يستحق الدراسة أيضاً، حيث أدعى الكاتبان أن المنطقة الآمنة هذه من شأنها أيضاً أن تعيق استخدام القوة العسكرية من قبل روسيا وإيران وحزب الله ضد قوات الثوار. وهذا ينطبق أيضاً بالتأكيد على الجماعات المتمردة التي تعمل انطلاقاً من المنطة الآمنة، على افتراض أن الولايات المتحدة وشركائها في التحالف قرروا الدفاع عن الثوار أثناء تواجدهم داخل المنطقة الآمنة.
وبطبيعة الحال، فإن المعضلة المعقدة في إعلان منطقة آمنة تخص المدنيين تتمثل في طرق الحصول على المساعدات الإنسانية للمدنيين والسلاح للثوار، وهو ما يعني أن المنطقة الآمنة ستكون منطقة حرب بالفعل. وكما نعلم، وفق ما اتبعته الأمم المتحدة في إعلانها سابقاً لبعض المناطق الآمنة في البوسنة والهرسك في الصحراء الإفريقية، فإن المقاتلين سيستخدمون تلك المنطقة من أجل الراحة والتجنبيد والتغطية، هو ما سيضع جميع المدنيين المقيمين هناك في خطر كبير.
الإدعاء بأن التدخل إنساني في سوريا، يجب أن يشمل على ضمانات بتحديد الهدف بحماية المدنين من غير المقاتلين فقط، وعلى ذلك أن يستند على وقائع حقيقية على الأرض. وعلاوة على ذلك، لا ينبغي أن يكون هناك أي ضرر محتمل لغير المقاتلين حيث كان الهدف الأساسي من التدخل حماية المدنيين فقط.
القلق الأساسي من اقتراح الكاتبين يكمن في عدم شمول الاقتراح لجميع عناصر الحدث في سوريا الآن، عدا عن عدم شموله جميع مصادر العنف. وإذا ما كان هذا الاقتراح سيعكس زيادة في احتمال الوصول إلى نتائج دبولماسية حقيقية تنهي هذه الحرب الوحشية في سوريا فيجب على أي اقتراح أن يوضح المعلومات بشكل دقيق وتحديد المشاركين في الاقتراح عدا عن تحديد طبيعة الرد المتوقع من نظام الأسد وروسيا وإيران.
**ميكا زينكو هو زميل مع مركز العمل الوقائي في مجلس العلاقات الخارجية….