أبريل 20, 2024

“تسايت”: معاناة السجينات السوريات فاقت كل الحدود

 

نشرت صحيفة “تسايت” الألمانية دراسةً حول وضع النساء في السجون السورية، وذلك من خلال بحث قامت به الكاتبة السورية “روزا ياسين حسن” حيث استندت في الدراسة على شهاداتٍ حيّة لسجيناتٍ سياسيات سوريات.

 في هذه الدراسة تروي الكاتبة ما شاهدته من أهوال داخل السجون السورية، حيث تختفي العديد من النساء السوريات في السجون بشكلٍ قسريّ لا شيء سوى أنهنّ من الأصوات المعارضة.

وفي مراكز الاعتقال، يتعرضن لأبشع أصناف التعذيب وللممارسات المهينة المنافية لحقوق الإنسان.

سنة 2007، عملت “روزا ياسين حسن” على تأليف روايةٍ تحت عنوان “نيغاتيف” تهتمّ بتجارب السجينات السياسيات في سوريا. وخلال البحث المكثّف الذي أجرته، صُدمت الكاتبة من هول ما سمعته من سجينات الرأي في سوريا، اللاتي روين لها قصصهنّ المريرة وتجاربهنّ القاسية.

وعلى الرغم من أنها تنتمي إلى عائلةٍ يساريةٍ معارضة، إلا أنّها لم تكن على درايةٍ بحجم المعاناة داخل السجون السورية.

وذكرت الكاتبة أنّها عندما اطّلعت على حقيقة السجون أصيبت بصدمةٍ شديدة، لكنّ ذلك لم يمنعها فيما بعد من تكوين صداقاتٍ مع السجينات اللاتي تعرفت عليهنّ خلال التحقيق في موضوع التعذيب.

في إطار تشكيل نظرةٍ شاملةٍ عن وضعيّة السجينات النفسية، قرأت الكاتبة الرسائل والمذكّرات التي سربها أقرباؤها من داخل السجون، كما شملت الوثائق التي اطّلعت عليها: المذكرات التي كتبتها بعض السجينات.

في الواقع، يعتبر كل معارضٍ سياسيٍّ مهدداً بالسجن والاعتقال في كل وقت، خاصةً في ظلّ الأنظمة الدكتاتورية المستفحلة في العالم العربي مثل النظام السوري.

ومن البديهي أن يتعرض السجناء لشتّى الممارسات اللاإنسانية من تعذيبٍ وإهانةٍ، وفي هذا الإطار، نقلت الكاتبة ما دار بينها وبين إحدى السجينات التي انفجرت باكيةً عندما تحدثت معها قائلةً: “لماذا تريدين تعميق جراحي التي لم تندمل إلى الآن؟ أعمل منذ سنواتٍ على نسيان آلام الماضي، لماذا تريدين تذكيري بتلك الفترة المظلمة من حياتي؟”.

وعلى ضوء ما اطّلعت عليه، أفادت الكاتبة أنّ السجينات السياسيات في سوريا ينتمين إلى مختلف التيارات والأطياف السياسية سواءً أكانت الإسلامية أو القومية أو الليبرالية. وقد أعربت عن مدى صدمتها من مدى فظاعة طرق التعذيب التي كان ينتهجها النظام السوري في جلسات البحث والاستنطاق. وأقرّت بأن الشعور بالسوء والشفقة والحيرة مازال إلى حد اليوم، يراودها كلما تذكرت التفاصيل الأليمة المتعلقة بماضي السجينات في مراكز الاعتقال رغم مضيِّ خمس سنوات عن نشر روايتها.

انهيار حاجز الخوف

ذكرت الكاتبة أنّه على الرغم من أنّ العديد من الإسلاميات تحدثن معها بكل شجاعة عن التجارب المختلفة التي عشنها قبل الثورة، إلا أنّهنّ لا يرغبن في تذكر ما مُورس عليهنّ من تعذيب ولا يردن استرجاع الذكريات الفظيعة. لكنّ هذا الخوف والتكتّم لم يدم طويلاً، حيث كسرت العديد من السجينات السياسيات بعد الثورة حاجز الصمت واستجمعن رابطة الجأش الكافية لسرد تفاصيل الممارسات الفظيعة التي تعرضن لها داخل الزنزانات المظلمة.

في الحقيقة، لا توجد إحصائيّاتٌ دقيقةٌ حول عدد السجينات السياسيات خلال عهد الرئيس السوري السابق “حافظ الأسد” علماً أنّ آخر التقديرات تشير إلى أنّ عددهنّ بلغ المئات ودامت فترة اعتقالهنّ بين 3 و18 سنة. وخلال فترة الاعتقال، تعرضت السجينات إلى أبشع أصناف التعذيب على غرار الشدّ إلى العجلات وحرق الجسد بالسجائر، فضلاً عن الصدمات الكهربائية في الأماكن الحساسة من الجسم، وحرق الأصابع. أمّا الأسلوب الأكثر شيوعاَ بين معظمهنّ فهو الاغتصاب، وقد كانت هذه الطريقة بالذّات تستعمل مع سجينات الرأي المنتميات للتيار الإسلاميّ.

فضلاً عن ذلك، تحرص السجّانات خلال عمليات التعذيب، على إجبار ضحاياهنّ على الصراخ بأعلى صوت قصد إخافة السجينات الأخريات وتحطيم معنوياتهن.

اغتصاب المرأة بمثابة اعتداءٍ على شرف العائلة

تؤدي عمليات التعذيب إلى الموت أو إلى الإصابة بعاهاتٍ مستديمة، كما تختلف درجة الضرر المعنويّ من سجينةٍ إلى أخرى. وفي هذا السياق، روت الكاتبة قصة سجينتين التقت بهما تعانيان من نوبات صرعٍ هستيرية جرّاء عمليات التعذيب التي تعرضتا لها. بالإضافة إلى ذلك، تواجه بعض السجينات، بعد الإفراج عنهنّ صعوبةً في الاندماج مرةً أخرى في المجتمع والعودة إلى الحياة العملية. وفي بعض الأحيان، تتفاقم مأساة بعض السجينات اللاتي تعانين من آثار التعذيب في ظلّ غياب وسائل العلاج المناسبة والإحاطة النفسية.

في الواقع، تعتبر وضعيّة سجينات الرأي الإسلاميات الأسوأ، حيث ترفض أغلب المؤسسات انتدابهنّ. وقد كانت ممارسات النظام السوريّ فظيعةً بشكل يفوق كل التوقعات، حيث تتعرض النساء للتعذيب أمام أعين أزواجهنّ أو أبنائهنّ، ما يحطم نفسيتهن. فكثيراً ما يلجأ النظام إلى هذه الممارسة الدنيئة لأنّه يدرك جيداً أهمية الشرف بالنسبة للإسلاميين وبهذه الطريقة يكون قد عذّب السجينة نفسياً وجسديًا.

إلى جانب ذلك، يعتبر عدد الأطفال المولودين داخل السجون مرتفعاً، حيث يتم وضع السجينات السياسيات رفقة المجرمات الخطرات. وفي بعض الأحيان، تضطر المؤسسات السجنية إلى إبعاد الأطفال عن أمهاتهم. وفي السياق ذاته، أشارت الكاتبة إلى أنّها قد التقت بعض أبناء المساجين السياسيّين الذين تحدثوا عن معاناتهم عند زيارة أمهاتهم داخل السجون، ولكم أن تتصوّروا مشاعر أطفال يشاهدون أمهاتهم من وراء القضبان فقط.

أصبحت ممارسات النظام أكثر قمعاً في الوقت الراهن

يعتبر انتهاك حقوق الإنسان سياسةً ممنهجةً من قبل النظام السوري. لكن في ظلّ تدهور الوضع الإنسانيّ، لا يسع السجينات مواجهة هذا الحيف والقمع إلا عن طريق ترديد بعض الأغاني. ونوهت الكاتبة بأنّ السجينات اللاتي التقت بهنّ كن يحدثنها عن الأغاني التي كنّ يردّدنها في السجن لتجاوز آلام التعذيب وظلمة الزنزانات.

في الوقت الراهن، يبلغ عدد النساء القتلى قرابة 2282 امرأة. وفي الأثناء، تورطت العديد من الأطراف في قتل النساء على غرار قوات النظام والجيش الروسي ومقاتلي جبهة النصرة، فضلاً عن القوات الكردية وقوات المعارضة، إلى جانب القوات الدولية. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد النساء المعتقلات إلى حوالي 40 ألف امرأة.

من جهة أخرى، زادت أساليب التعذيب فظاعةً وقسوةً، حيث شملت هذه الممارسات كل المعارضين من مختلف المشارب. وفي هذا الصدد، أفاد تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أنّ قرابة 8413 امرأة و312 طفل تعرضوا للعنف من قبل “النظام السوريّ”، بينما تم تسجيل حوالي 2413 حالة اختفاءٍ في صفوف النساء.

من جهةٍ أخرى، لقيت حوالي 40 امرأةً حتفها تحت التعذيب من بينهن النساء الحوامل، كما أصيبت 20 بالمائة من السجينات بأمراضٍ مزمنةٍ جرّاء الظروف المزرية داخل السجون.

نساءٌ غير معارضات، لكنهنّ بمثابة رهائن

في خضمّ الحرب الأهلية المتواصلة، اعتُقلت العديد من النساء في سجون قوات المعارضة، ووفقاً لتقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، بلغ عدد النساء المعتقلات حوالي 789، فضلاً عن قرابة 391 طفلٍ. ومن جهته، اعتقل تنظيم الدولة حوالي 714 امرأةً، كما تعرضت حوالي 205 امرأةً للاختفاء القسريّ، فيما قُتلت 15 امرأةً تحت التعذيب.

إلى جانب ذلك، أفاد التقرير المذكور أعلاه أن حوالي 2143 امرأةً تعرضت للاختطاف من قبل مجهولين، كما تعرض قرابة 419 طفلٍ للاختفاء القسريّ. علاوةً على ذلك، قامت وحدات حماية الشعب الكردية باعتقال نحو 1819 امرأةٍ و208 طفلٍ. وتجدر الإشارة إلى أنّه لا توجد معلوماتٌ دقيقةٌ بشأن عدد الضحايا نظراً لأنه لم يتسنّ للمراقبين الدخول إلى السجون التابعة للنظام السوري أو قوات المعارضة، علماً وأنّ المعطيات الواردة في هذا التقرير صادرةٌ عن المنظمات الحقوقية.

في الوقت الراهن، يقبع في السجون السورية نساءٌ مسنّات وأطفالٌ مختطفون كرهائن. وما زاد الطين بلّة، اعتماد قوات النظام السوري على سياسة اعتقال النساء لإجبار قوات المعارضة على إطلاق سراح قوات النظام المأسورين. ففي إطار صفقة تبادلٍ، تم اعتقال عددٍ من النساء في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، ليقع تبادلهنّ برهائن بين قوات النظام وقوات المعارضة. كما يتم استغلال النساء المعتقلات كورقة ضغطٍ ضد عائلاتهنّ.

في الواقع، تقوم قوات النظام وقوات المعارضة على حدٍّ سواء باستعمال النساء كوسيلة ضغطٍ لتبادل الأسرى، ومن هنا يبدو جلياً أن هذه القوات تخطف النساء بشكل منهجيّ.

ومن بين النساء اللاتي تعرضن لهذه الممارسات، نذكر “رزان زيتونة” و”سميرة الخليل” اللتان تنتميان للجبهة الديمقراطية العلمية واللتين اختطفتا من قبل تنظيم “جيش الإسلام” في دمشق.

التعذيب النفسيّ بعد إطلاق السراح

تحدّثت العديد من الشاهدات عن أساليب التعذيب الوحشية التي يستعملها النظام السوري داخل السجون لاستنطاق على غرار الضرب والاغتصاب وإجبار الضحايا على الصراخ بصوت عالٍ لإثارة الذعر في نفوس بقية السجينات، فضلاً عن عرض صور أجساد الضحايا في أروقة أجهزة أمن الدولة.

والجدير بالذكر أنه لا توجد أي تقارير تثبت تعرض النساء للتعذيب في سجون المعارضة. ولكن، في الوقت الحالي، تعمل المنظمات الحقوقية السورية والدولية على غرار “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” على توثيق هذه الانتهاكات. وفي الأثناء، يبقى أطفال الضحايا الطرف الأكثر تضرراً، حيث يتم إبعادهم عن أمهاتهم ووضعهم في دور الأيتام. ومن بين هذه الحالات، نذكر الناشطة “رشا شربجي” التي اعتقلت وهي حامل رفقة أطفالها الثلاثة. والمثير للاهتمام أن النظام السوري يعتقل النساء اللاتي لم تشاركن في أعمال عنفٍ ومن ثمّ يحيلهن على أنظار محكمة مكافحة الإرهاب. ومن بين هؤلاء النسوة نذكر “لانا مرادني” وهي ابنة معارضٍ يساريٍّ سابق، والممثلة “سمر كوكش”.

لا تنتهي معاناة النساء السجينات مع انتهاء مدّة الحكم وإطلاق سراحهنّ، حيث يجدن أنفسهنّ منبوذاتٍ من قبل المجتمع ومجبوراتٍ على التأقلم من جديد بعد أن لفظتهنّ الحياة. إلى جانب ذلك، ترفض العديد من النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب الحديث عن تجاربهنّ المريرة خاصةً وأنّ العديد من الضحايا اغتُصبن أمام أنظار أزواجهنّ أو أبنائهنّ.

وفي هذا الصدد، أوردت إحدى السجينات السياسيات أن نظرة المجتمع للمرأة المعتقلة “دونية”، حيث طلّقها زوجها بعد إطلاق سراحها. كما أصبحت منبوذةً من قبل المجتمع، حيث تحسّ بالألم كلّما نظرت إلى أعين الناس أو احتكت بهم.

المصدر: تسايت

الرابط: http://www.zeit.de/kultur/2017-05/frauengefaengnisse-syrien-haft-vergewaltigung-10nach8/komplettansicht

ضع تعليقاَ