أبريل 26, 2024

نيوزويك: الدولة العميقة… كيف تحولت نظرية المؤامرة من سياسة ثانوية إلى تيار سائد

ترجمة: أسماء حفار

بالنسبة لمؤيدي ترامب فإن أكثر أعداء الرئيس إخافةً ليسوا أولئك الموجودين ضمن صفوف الديمقراطيين في قاعات الكونغرس، وإنما هم أعضاء ضمن مؤسسة الأمن القومي يجب أن يكون ولائهم للرئيس غير مشكوكٍ فيه. وقد وسموا ذلك العدو بـ”الدولة العميقة”.

اتهم موقع بريتبارت اليميني المتطرف، وهو أحد أبطال ترامب الأوائل والأكثر عدوانية، الدولة العميقة بتسريب معلوماتٍ عن ترامب إلى صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست. ووصف دونالد ترامب الابن الدولة العميقة بأنها “حقيقيةٌ وغير قانونيةٍ، وتهديدٌ للأمن القومي”، في حين قام الرئيس نفسه بإعادة تغريد مونولوج للمضيف في فوكس نيوز شون هانيتي، يدعو إلى اتخاذ إجراءٍ ضد المخربين التابعين للدولة العميقة في برنامج الإدارة.

اجتاح ترامب السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي متعهداً “بتجفيف المستنقع” في العاصمة واشنطن، وكانت علاقته بالبيروقراطية الاتحادية الأمريكية سيئة. وكانت هناك صعوبة في علاقته مع وكالات الاستخبارات بشكلٍ خاص، التي تدّعي أن روسيا تدخلت في انتخابات عام 2016 في محاولة للمساعدة في ضمان انتخاب ترامب. وقد ألقى الرئيس بدوره باللوم على وكالة الاستخبارات لتغذيتها للتسريبات المضرة.

وقال بول موسغراف، أستاذ الحكومة في جامعة ماساتشوستس امهرست، لـ”نيوزويك”: إن “الأمر ليس موضوع روسيا فحسب “، بل “إن الرئيس ترامب قام بإهانة وكالات الاستخبارات أو استهدافها في الفترة التي سبقت تعيينه. الأمر الذي يمكن أن يولد رد فعلٍ لدى أعضاء أجهزة الاستخبارات الأمريكية”.

تُعرّف الدولة العميقة في قاموس أكسفورد الإنجليزي بمعنى “مجموعةٌ من الناس، عادةً ما يكونون أعضاءً مؤثرين من الوكالات الحكومية أو الجيش، يُعتقد أنهم متورطون في التلاعب السري أو السيطرة على السياسة الحكومية.” وتمتد أصول المصطلح إلى الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا كما يقول موسغراف، وقد استخدمه الباحثون لعقود من الزمن للإشارة إلى “جهاز أمنٍ قوميٍ ثابت يعمل كضابطٍ للحكومة المدنية”.

واتهمت شبكات موظفي الخدمة المدنية الجنرالات المتقاعدين وزعماء الجريمة المنظمة بالعمل على دعم الدولة العلمانية التركية طوال تاريخها الحديث، حيث شن الجيش انقلاباً فاشلاً ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2016. وفي مصر قام الجيش بالإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي في عام 2014، وتثبيت الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي محله.

إن مفهوم حكومة ظل النخبة التي تتلاعب بالأحداث خلف الكواليس هو مفهومٌ ذو تاريخٍ طويلٍ بين منظري المؤامرة من اليمينيين أو اليساريين في الولايات المتحدة، رغم أن استخدام مصطلح الدولة العميقة أكثر حداثة.

وقال جوزيف أوسينسكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي كلية الآداب والعلوم: “لقد أصبحت “الدولة العميقة” شائعةً جداً مؤخراً، والسبب في ذلك إلى حدٍ كبير يعود إلى ترامب، ولكن من حيث استخدامها من قبل مُنظري المؤامرة فقد أخذت حالياً تطفو على السطح منذ بعض الوقت”. مضيفاً: “لقد كان هذا المفهوم شائعاً دائماً بين مُنظري المؤامرة، سواءً أكانوا يطلقون عليه دولةً عميقةً أو اسماً آخر”.

وأشار إلى فيلم “المؤامرة: JFK”  عام 1991، للمخرج اليساري أوليفر ستون، الذي يصور زمرةً من مسؤولي الظل كمحركي الدمى يقفون وراء اغتيال الرئيس كينيدي عام 1963. وقال أوسينسكي: “أوليفر ستون لا يُطلق عليها اسم الدولة العميقة، ولكن المفهوم واضح”. في الواقع لعقود من الزمن كان الأكاديمي بيتر ديل سكوت يكتب كتباً تدّعي فضح الدولة العميقة في أمريكا، مع كتابيه السياسة العميقة المنشور عام 1993 وموت جون كنيدي، اللذين أشاد بهما ستون.  

زاد رواج فكرة النخبة المتآمرة في قلب حكومة الولايات المتحدة وسط اليمين. وعلى مدى سنوات زعمت مواقع إنترنت، من ضمنها بريتبارت وإنفوورس التابع لأليكس جونز، وجود مؤامرةٍ من قبل النخبة السياسية للدولة العميقة لحرمان الأمريكيين العاديين من حقوقهم.

وراعى ترامب في طريقه إلى البيت الأبيض هذه التآمرية لدى جناح اليمين المتطرف. ونشر على نحو شائن نظرية “بيرثر” حول الرئيس السابق باراك أوباما حينما كان يجهز لتقدمه للرئاسة، و بمجرد أن استلم السلطة قام بتعيين بانون، وهو الرئيس التنفيذي لبريتبارت، كبيراً للاستراتيجيين. كما أخبر موسغراف جريدة نيوزويك أن نجم تلفزيون الواقع ترامب قام خلال حملته الانتخابية بالدفع بمفاهيم تركيز الأضواء على منتديات التآمر التي تمت الإشارة إليها سابقاً في أكثر زوايا الإنترنت ظلاماً. وأضاف موسغراف: أن “أسلوب ترامب الحاكم يميل إلى الاعتماد على المعارضة الشعبية لنظرية المؤامرة أكثر من الرؤساء في هذا القرن أو القرن الماضي.

أما بين مؤيديه، فقد كانت مؤامرة الدولة العميقة شائعة، وقال مسغراف: “اتضح أن هذا المصطلح (الدولة العميقة) هو مثل النعناع بالنسبة لمُنظري المؤامرة. فعلى مدى الأشهر الفائتة تغير من كونه مصطلحاً يستخدم من قبل الأشخاص للتحليل، وربما الدفاع بهدوء عن نوعٍ من الحركة الجماعية التي يجب على ترامب مواجهتها في علاقته مع مؤسسات الأمن القومي، إلى أن يصبح مصطلحاً عاماً، وعندما يحدث أي خطأ فستُلام الدولة العميقة”، وقد شعر الخبراء القدامى في الإدارات السابقة بالجزع إزاء استخدام مصطلح ترامب والمدافعين عنه.

وقال مايكل هايدن، الذي شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية في ظل إدارتي أوباما وجورج دبليو بوش، لشبكة MSNBC في مارس/آذار: “”الدولة العميقة” لن أستخدم تلك العبارة أبداً”. وأضاف: “تلك عبارةٌ استخدمناها لتركيا ودول أخرى من هذا القبيل وليس للجمهورية الأمريكية”. لكن مفهوم الدولة العميقة يعتبر مقبولاً لدى معظم الأمريكيين، حيث يؤمن 48 بالمئة من الأمريكيين بوجودها، بحسب استطلاع لواشنطن بوست في أبريل/نيسان. و قد عرّف بانون في مؤتمر العمل السياسي المحافظ، في فبراير/شباط، الهدف الرئيسي للإدارة بأنه “تفكيك” الدولة الإدارية. وبسبب هذا العداء من المتوقع أن يكون هناك بعض الابتزاز للبيت الأبيض من البيروقراطيين، كما يقول أوسينسكي. هذا العداء قد يغذي شكوك البيت الأبيض في وجود مؤامرة للدولة العميقة في العمل. و قال: “هل يعني ذلك أنهم يعدون لمعسكرات موت لوكالة إدارة الطوارئ الاتحادية، ويغذون نوعاً من الانقلاب ضده (ترامب)؟ لا، لكن من المنطقي طرح فكرة أنه سيواجه مقاومة. وما يفعله منظرو المؤامرة هو أخذ تلك الفكرة المنطقية ومن ثم البناء عليها”.

موسغراف عبر عن شكه إن كان ترامب يؤمن بالمؤامرة أصلاً: “في الحقيقة أنا لا أعتقد أن ترامب يأخذ الأمر على محمل الجد. إنه عكاز مريح بالنسبة له. في الواقع تبدو المشكلة الكبرى هي انعدام الاتفاق مع البيروقراطية”.

الكاتب: TOM PORTER

المصدر: مجلة نيوزويك

الرابط: http://www.newsweek.com/deep-state-conspiracy-theory-trump-645376

ضع تعليقاَ