مايو 8, 2024

نويه تسوريشر تسايتونغ: ما سر الصداقة المريبة بين إسرائيل وكردستان؟

يعد بنيامين نتانياهو الزعيم الوحيد الذي ساند استفتاء الاستقلال الذي أجري في إقليم كردستان شمالي العراق، ويبدو أن اليهود الأكراد الذين يعيشون في إسرائيل قد أدوا دور حلقة الوصل بين الثقافتين الكردية والإسرائيلية.

في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وإبان تصويت أغلبية الأكراد في شمالي العراق لمصلحة الانفصال، ثارت كل المنطقة المحيطة بهم ضدهم. وهدد العراق وتركيا، من جهتهما، مباشرة بتسليط عقوبات على الإقليم، في حين اعتبرت إيران ما يجري مؤامرة، كما وصفت مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، بأنه عميل للصهيونية. فضلاً عن ذلك أكدت طهران أنها لن تسمح بقيام دولة إسرائيل ثانية في المنطقة. وقد وصل الأمر حد قيام بعض الأتراك بالتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية في أنقرة، معتبرين أن ما يجري يعد خطة لبناء نسخة ثانية من دولة إسرائيل. أما ردة فعل باقي دول العالم فقد كانت رافضة للاستفتاء، ولكن مع التزام التحفظ.

ومن اللافت للنظر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، كان الزعيم الوحيد الذي أعرب عن مساندته للمساعي الانفصالية للأكراد. وقد نظمت احتفالات خلال يوم التصويت على استفتاء الاستقلال في القدس أمام القنصلية الأمريكية، وسط دعوات موجهة للولايات المتحدة لمساندة استفتاء الأكراد.

الولاء للوطن القديم

من المرجح أن الذين أقاموا هذه الاحتفالات هم اليهود الأكراد، ويعتبر هؤلاء من أبناء الجيلين الثاني والثالث من اليهود الذين هاجروا نحو إسرائيل من المناطق الكردية الممتدة في سوريا، والعراق، وتركيا وإيران، وقد عبروا عن بهجتهم بهذه الخطوة الأحادية التي قام بها أبناء عرقهم في شمالي العراق. وفي هذا الصدد صرح هرتزل ليفي، زعيم أكبر منظمة للأكراد في إسرائيل، أنه “لطالما كانت المدن والقرى الكردية تتعامل معنا بشكل جيد. تربطنا علاقات جوار جيدة مع الأكراد المسلمين والمسيحيين، كما أننا حافظنا على العلاقات والصداقة التي تجمعنا بهم إلى حد هذا اليوم، حتى إن البعض من أفراد عائلاتنا لا يزالون يعيشون حتى اليوم في المناطق الكردية”.

بحسب البيانات الرسمية يعيش نحو 200 ألف كردي في إسرائيل، إلا أن ليفي يتوقع أن الأعداد الحقيقية تصل إلى ضعف ذلك. ويعزى هذا الفارق في التقديرات، على الأرجح، إلى حقيقة عزوف أبناء الجيلين الثاني والثالث من أبناء هؤلاء المهاجرين عن تسجيل أنفسهم بشكل رسمي على أنهم أكراد.

في هذا الأثناء لا تزال العادات والتقاليد، حتى لدى الشباب الذين لا يتكلمون اللغة الكردية الآرامية، حاضرة بين صفوفهم وبشكل كبير. علاوة على ذلك، يعشق الأكراد الأشعار والأغاني التي كتبت باللغة الكردية الآرامية في موطنهم السابق. وفي كل سنة في شهر آذار/مارس يحتفلون بالسنة الجديدة الكردية، بتأدية الفلكلور القديم وطهي الأطباق الكردية مثل الكبة.

يتساءل كثير من الباحثين، من جهة أخرى، حول سبب نجاح الأكراد اليهود في إسرائيل في المحافظة على العديد من خصائصهم الثقافية، على عكس اليهود المهاجرين من باقي الدول الإسلامية. وفي هذا الشأن يرى سينج سانيك، من مركز الدراسات الكردية في تل أبيب، أن تفسير هذه الظاهرة يتمثل في أن الأكراد كانوا دائماً يرغبون في الاستقلال السياسي والقومي، والانفصال عن باقي الدول التي يعيشون فيها. ومن هذا المنطلق تمكن الأكراد من الحفاظ على ثقافتهم العلمانية ولغتهم الآرامية، في حين سارعت باقي الأقليات المهاجرة إلى إسرائيل للانغماس في اللغة والثقافة المحليتين، وفضلت اكتساب طابع ديني لا قومي.

وأضاف الأكاديمي الكردي، الذي ترعرع في كردستان العراق قبل أن يهاجر لإسرائيل منذ 7 سنوات لإعداد أطروحة الدكتوراه، قبل أن يقرر البقاء هناك، أنه “يميل اليهود الأكراد، في إطار هذه الثقافة الكردية العلمانية، لتقديم أنفسهم من خلال موروثهم المحلي من أغانٍ وملابس وأشعار وقصص قديمة لم تتأثر بالحضارة الإسلامية”. ومن بين المشاريع التي يعمل عليها هذا المركز دراسة حول التغييرات التي طرأت على اللغة الآرامية التي كان يتحدثها اليهود الأكراد، على غرار اللغة اليديشية لدى اليهود الأشكناز، والتي تأثرت بتنوع المواقع التي سكنها متحدثوها.

المذابح في العراق

كان أول اليهود الأكراد الذين هاجروا إلى إسرائيل بعض العلماء الذين توجهوا نحو مدينة صفد، التي كان يعيش فيها يهود قبالة خلال القرن 16. وقدمت، بعد الحرب العالمية الأولى، مجموعات أخرى من اليهود الذين هاجروا من الأراضي الكردية إلى المنطقة التي كانت حينها تتبع فلسطين. ولكن أكبر موجات الهجرة حدثت من العراق خلال بداية سنوات الخمسينيات، خلال فترة “الفرهود”. ويقال إنه خلال تلك الفترة وقعت مذابح ارتكبها النظام العراقي ضد اليهود في شكل حملات منظمة. وفي ذلك الوقت غادر نحو 150 ألف كردي مناطقهم.

وفي هذا الإطار أورد سينج سانيك، قائلاً: “حدثت العديد من القصص المأساوية خلال تلك الحقبة من الزمن. وقد قام الأكراد بمساعدة اليهود، وخاصة يهود العراق، من أجل الهروب عبر جبال كردستان. ونتيجة لذلك خلق هذا التضامن رابطاً قوياً بين هاتين الطائفتين؛ أي الشعب الكردي واليهود، ولا تزال العلاقات بينهما متينة إلى حد الآن”.

لا يزال هرتزل ليفي، من جهته، يتذكر تلك الأوقات الصعبة، حيث صرح قائلاً: “لقد تركت عائلتي كل ممتلكاتها في تلك الفترة وتوجهت إلى مخيمات معبروت، وقد كانت لا تملك شيئاً. كان بعض هؤلاء اللاجئين يحملون ما فروا به من ممتلكات في أكياس صغيرة فوق أكتافهم. لقد ساهمنا نحن الأكراد اليهود في بناء هذه الدولة؛ بداية من الطرقات وحتى الطرقات السريعة. كان هناك العديد من المستثمرين والعمال الأكراد الذين بذلوا جهداً لتحقيق ذلك”.

في هذه الأثناء كشف سينج سانيك عن بعض الأسرار الكامنة وراء هذه العلاقة بين الأكراد واليهود. وأورد سانيك، في هذا الإطار، أنه “في وقت لاحق، خلال فترة الستينيات والسبعينيات، أرسلت إسرائيل وحدات من جهاز الموساد إلى المناطق الكردية من أجل تدريب المسلحين. وقد كان هناك مركز لعمليات الموساد في كردستان العراق، وكانت الاتصالات تتم عبر إيران. وقد تمكن العديد من اليهود العراقيين من الهجرة نحو إسرائيل عبر الأراضي الإيرانية”.

التواصل المباشر حلم بعيد المنال

انتهى هذا التعاون الوثيق إبان قيام الثورة الإيرانية في سنة 1979. ولكن التعاطف بين الأكراد واليهود لا يزال موجوداً إلى حد اليوم. وفي هذا السياق أفاد سانيك أن “الروابط التي نشأت في تلك الفترة لا يمكن أن تندثر بسهولة. فقد أصبح المقاتلون السابقون في قوات البيشمركة، الذين كانوا يزورون إسرائيل، في الوقت الراهن، قادة كردستان. وإلى اليوم لا يمكن لأي إسرائيلي أن يسافر للعراق إلا عبر زيارة أربيل”.

وبناء على ذلك فمن المرتقب أن تتمحور الخطوة التالية بين الجانبين حول إقامة العلاقات بشكل رسمي. أما هرتزل ليفي فيتبنى مخططات طموحة جداً بشأن المستقبل، حيث يرغب في بناء مركز ثقافي ضخم لحماية الثقافة الكردية اليهودية في إسرائيل، إضافة إلى العمل مع البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في منطقة كردستان العراق. وأفاد ليفي، في هذا الصدد، أن “المهاجرين الأكراد وأبناءهم في إسرائيل لا يزالون على اتصال مستمر مع أصدقائهم وعائلاتهم في إقليم كردستان العراق، لكننا نريد أيضاً أن نحظى بفرصة لزيارة وطننا القديم، وزيارة أصدقاء طفولتنا مجدداً”.

وبطبيعة الحال، ستنتعش العلاقات التجارية أيضاً بفضل التقارب الدبلوماسي، حيث تحتاج البضائع المرسلة بين الجانبين للمرور عبر أوروبا للوصول. لكن هذا السيناريو، الذي يرتبط الآن بموقف العراق، لا يزال حلماً بعيد المنال.

أضرار أم فوائد

وفيما يتعلق بما إذا كان الدعم الإسرائيلي للمساعي الانفصالية الكردية يضرهم أكثر ممَّا ينفعهم، نفى سينج سانيك هذا الأمر، حيث أوضح أن “تصريح نتانياهو حول هذه المسألة كان بمنزلة لحظة تاريخية على مستوى العلاقات الكردية اليهودية. فقد تمكن من إخراج كردستان العراق من حالة العزلة، في وقت لم تكن فيه أي دولة أخرى مستعدة للإعلان عن مثل هذا الموقف، وكان الجميع يوجه لها التهديدات. وفي الواقع تكن كردستان إعجاباً كبيراً تجاه إسرائيل، وقد تزايد ذلك الآن أكثر من أي وقت مضى”.

وأضاف سانيك قائلاً: “لقد كنت في أربيل خلال فترة الاستفتاء. وقد تعرضنا لحادث بسيط بالسيارة. وعندما عرضت على سائق السيارة الأخرى تعويضه مادياً عن الضرر الحاصل، رفض ذلك عندما عرف أنني من إسرائيل، ولم يقبل أخذ المال”.

الصحيفة: نويه تسوريشر تسايتونغ

الكاتبة: دانيالا بلاسينغ

الرابط:https://www.nzz.ch/feuilleton/kurdistan-und-israel-eine-ungewoehnliche-freundschaft-ld.1322352

 

ضع تعليقاَ