أبريل 27, 2024

ناشيونال إنترست: هل تستعد إسرائيل لضرب حزب الله؟

.قررت طهران وحزب الله بناء قدرات لإنتاج أسلحة متطورة في لبنان بدلاً من شحنها، رداً على الحظر الإسرائيلي الفعال للقوافل التي تنقل أسلحة عالية الجودة من إيران إلى حزب الله. وتفيد التقارير بأن الأسلحة المخصصة للإنتاج تشمل صواريخ أرض-أرض دقيقة يمكن أن تستهدف مسافات طويلة، وتسبب أضراراً جسيمة للقوات والهياكل الأساسية الإسرائيلية، وهو ما تعتبره إسرائيل خطاً أحمر. إن وقف هذه المساعي دون اللجوء إلى الحرب يعد الاستراتيجية الأكثر تفضيلاً لدى إسرائيل، والسؤال الذي تطرحه إسرائيل هو كيفية المضي قدماً بطريقة تكفل تنفيذ خطوطها الحمراء، مع التقليل من خطر التصعيد غير المنضبط إلى أدنى حد.

على الصعيد الدبلوماسي، استخدمت إسرائيل عدة طرق لنقل رسالة مفادها أنها لن تقبل بإنتاج حزب الله لأسلحة عالية الجودة في لبنان. وكان مسؤولون إسرائيليون قد طلبوا من الدبلوماسيين الأوروبيين نقل تحذير القدس حول خطوطها الحمراء للبنان وإيران التي ترعى وتدير مشروع الأسلحة. وعلى مستوى الرأي العام، تعاونت إسرائيل والولايات المتحدة في الهيئات والمحافل الدولية لتعزيز الجهود متعددة الأطراف لمعارضة الاستحواذ المستمر لحزب الله على الأسلحة المتطورة. كما أدلى مسؤولون إسرائيليون كبار مثل وزير الدفاع بتصريحات واضحة مفادها أن هذه الأنشطة غير مقبولة.

إن التصريحات العلنية مهمة لأنها تنقل إلى إيران رسالة مضمونها أن هذه الإجراءات لن يتم التسامح معها، في الوقت ذاته تُظهر هذه التصريحات للمجتمع الدولي أن أي استخدام للقوة من قبل إسرائيل في المستقبل سيكون آخر الحلول، وستظهر إسرائيل على حق في استنفاد خياراتها الدبلوماسية لحل القضية قبل اللجوء إلى التصعيد العسكري، فرغم التهديدات والتصريحات لم تمتنع إيران عن المضي قدماً في مسعاها.

إلى جانب الجهود الدبلوماسية، أظهرت إسرائيل عزمها على منع حزب الله من الحصول على أسلحة متطورة، من خلال ضرب قوافل الأسلحة التابعة للجماعة في سوريا دون خرق “قواعد اللعبة” الحالية. ووفقاً للتفاهم الحالي ستؤدي الضربات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية إلى استجابة عسكرية من حزب الله، في حين أن الهجمات على قوافل الأسلحة في سوريا ستكون مختلفة. ومن ثم فإن هذه الأخيرة هي وسيلة للتنفيذ الحازم للخط الأحمر الإسرائيلي إزاء حيازة حزب الله للأسلحة المتطورة (على الأقل في سوريا)، مع تجنب احتمال رد فعل العدو الذي لا يمكن التنبؤ به أو التصعيد معه، حيث إن هذه الإجراءات تخضع ضمنياً لفهم الجانبين.

ومع ذلك فإن نفس السبب الذي يجعل هذه الإجراءات أقل خطورة يجعل من غير المرجح أيضاً أن تتغير حسابات المخاطر من منظور العدو، فهي لا تقدم أي استراتيجية إسرائيلية جريئة جديدة، أو رغبة في التصعيد لم يلاحظها كل من حزب الله وإيران قبل البدء في مشروعهما لإنتاج الأسلحة في لبنان.

لذلك أرسلت إسرائيل، في أوائل أيلول/سبتمبر 2017، رسالة أقوى إلى إيران من خلال شن ضربة لم يسبق لها مثيل من المجال الجوي اللبناني، على منشأة لإنتاج الأسلحة تديرها إيران في سوريا، والتي اختبرت فيها إسرائيل حدود “القواعد” الحالية. هذه الهجمة حملت عدة رسائل أهمها: أولاً، توسيع إسرائيل إجراءاتها ضد حيازة حزب الله للأسلحة لتشمل مرافق الإنتاج. وثانياً، أفادت الأنباء أن الضربات قد أطلقت من المجال الجوي اللبناني إلى سوريا، وكان هذا على الأرجح إشارة تحذيرية فيما يتعلق بمرافق إنتاج الأسلحة على الجانب اللبناني من الحدود. ثالثاً، أظهرت إسرائيل أنها ستواجه إيران حسب الضرورة. رابعاً، أبرز الهجوم حقيقة أن الدفاعات الجوية الروسية لن تحمي أنشطة حزب الله الإيراني التي تنتهك خطوط إسرائيل الحمراء.

وإذا لم تنجح هذه الجهود المحدودة في إقناع حزب الله وإيران بالتخلي عن مشروع إنتاج الأسلحة، فإن إسرائيل ستواجه خيارين.

أولاً، قد تختار إسرائيل إطلاق ضربة وقائية على منشآت الإنتاج في لبنان، ويمثل ذلك انتهاكاً صارخاً لقواعد اللعبة غير المكتوبة، ومن ثم يصعب التنبؤ بتداعياتها. وبخصوص الرد العسكري فقد يسعى حزب الله إلى الرد على هذا الانتهاك أو الحفاظ على التفاهم القائم من خلال معاقبة على انتهاك إسرائيل أثناء محاولتها تجنب التصعيد. أو سيحاول تقديم رد محدود على الضربة الإسرائيلية، كما سيسعى التنظيم للسيطرة على التصعيد كما كان عليه في الماضي. ولسوء الحظ فالسيطرة على التصعيد ليست علماً دقيقاً، فقد كلفت الحسابات الخاطئة الكثير من الأرواح على طول هذه الحدود في الماضي، وهي عرضة لذلك مرة أخرى في المستقبل. وفي إشارة إلى خطأ سابق أدى إلى حرب إسرائيلية-لبنانية عام 2006، قال حسن نصر الله: “إنك تسألني إذا كنت قد عرفت في 11 تموز/يوليو. . . أن العملية سوف تؤدي إلى مثل هذه الحرب، هل كنت سأقوم بها؟ أقول: لا، على الإطلاق “.

تقتصر فوائد الضربة الاستباقية على التدمير الفعلي لمرافق الإنتاج التي يمكن إعادة بنائها، ومن ثم فهي لا تمثل حلاً طويل الأمد. لكنها تشير إلى مستوى معين من المخاطرة باندلاع الحرب من أجل منع تشغيل المرافق. إن كسر القواعد المقررة للعبة قد يقنع حزب الله بأنه يجب عليه أن يكف عن جهوده لتصنيع أسلحة متطورة إذا أراد تجنب حرب كاملة. ومن ناحية أخرى، يمكن لحزب الله أيضاً أن يقرر بدء خطوات تصعيدية قد تصل إلى حرب شاملة. عموماً فإن نتائج الضربات تعتمد اعتماداً كبيراً على رد فعل حزب الله الذي سيعتمد بدوره على الحسابات الاستراتيجية في بيئته المحيطة.

هل من الأفضل لإسرائيل اختيار القيام بالضربات؟ إن الوضع الحالي يمثل فرصة مناسبة للقيام بهجوم وقائي، حيث إن حزب الله لا يميل إلى تصعيد النزاع لعدة أسباب. أولاً، إن التنظيم يشارك بقوة في سوريا ولا يهتم بالقتال على جبهتين (على الرغم من أن هذه الفرصة تتوقف على مدة الحرب الأهلية السورية التي يبدو أنها تتراجع). ثانياً، من شأن دعم الرئيس ترامب القوي لإسرائيل والموقف العدائي تجاه إيران أن يترجم على الأرجح إلى دعم على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف للأعمال الإسرائيلية التي تضغط على الموقف العدواني للمحور الذي تقوده إيران؛ قد لا يكون ذلك مناسباً للإدارة الأمريكية القادمة. وثالثاً، إذا كانت إسرائيل تضرب لمنع حزب الله من إنتاج أسلحة عالية الجودة، فإن خطر الهجوم سيكون أقل قبل أن يكون لدى حزب الله الوقت لإنتاجها. إن القيام بذلك بعد أن تكون المجموعة قد صنعت بالفعل أسلحة متقدمة يمكن أن يكون مكلفاً، خاصة إذا استخدمت هذه الأسلحة ضد إسرائيل رداً على الضربات. رابعاً، إن النجاحات الأخيرة لحزب الله وإيران في المنطقة قد توفر إحساساً زائفاً بالأمن، خاصة أن الوقت في مصلحتهم لسد الفجوة بين قوات حزب الله والجيش الإيراني وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي (التي لا تعكس الواقع بالضرورة). وإذا كان حزب الله ينظر إلى الاتجاهات طويلة الأجل على أنها مواتية لموقفه من منافسه الإسرائيلي، فمن المرجح أن يتفادى الحرب في الوقت الحالي بغرض مواجهة خصوم مثل إسرائيل من موقع قوة نسبي أكبر في المستقبل.

هل ستؤدي الضربات إلى صراع واسع النطاق بين إسرائيل وحزب الله؟ إذا حدثت ضربات فمن المرجح أن تظهر قوات الدفاع الإسرائيلية منتصرة نظراً لحجمها الكمي والنوعي مقارنة بالميليشيات اللبنانية، على الرغم من أن إسرائيل لن تخرج من دون أذى.فحزب الله يمتلك أكثر من مئة ألف صاروخ وقذيفة، وعلى الرغم من أن معظمها ذو نوعية رديئة، فإن العشرات من هذه الأسلحة لديها النطاق والدقة المحتملة لضرب المواقع الحساسة أو المراكز السكانية في إسرائيل، على الرغم من بناء أنظمة دفاع قوية. ونتيجة لذلك، فرغم عدم اسنطاعة حزب الله تحقيق انتصار عسكري، فإن صواريخه يمكن أن تلحق ضرراً بالغاً بالبنية التحتية الإسرائيلية، وعلاوة على ذلك، فإن طبيعة حزب الله كمنظمة غير دولاتية تعطيه ميزة استراتيجية مستمدة من الحرب اللاتماثلية التي تكون أحياناً لمصلحة الطرف الأضعف. إن أي حرب مستقبلية بين إسرائيل وحزب الله ستكون مطابقة لصراع تقليدي بين الدول تتمتع فيه إسرائيل بقدرات عسكرية هائلة، وعلى الرغم من أن موقع حزب الله في المعادلة سيكون بمنزلة الطرف “المستضعف” فقد يضع أيضاً حداً أدنى للنجاح الإسرائيلي (إلحاق الضرر بإسرائيل وبقائها)، بالرغم من ذلك فإن هذا لن ينفي الدمار الكبير الذي سيلحق بكل من حزب الله ولبنان في حالة الحرب.

والخيار الثاني لإسرائيل هو الاعتماد على قدرتها لردع حزب الله عن استخدام الأسلحة المتقدمة، بدلاً من منع التنظيم من الحصول عليها. ومن شأن ذلك أن يجنب الطرفين زيادة خطر التصعيد من خلال فرض الخطوط الحمراء الإسرائيلية، ولكنه يعني أيضاً أن الجيش الإسرائيلي سيتعين عليه مواجهة عدو أكثر خطورة على طول حدوده الشمالية وفقداناً محتملاً للمصداقية فيما يتعلق بدعم خطوطه الحمراء. في حين أن اعتماد هذا النهج قد يمنع اندلاع “الحرب العربية الإسرائيلية الأكثر تدميراً” على المدى القصير، لكن من المرجح أن يزيد من ثمن الصراع بين إسرائيل وحزب الله في المستقبل وعلى المدى الطويل.

قد تنظر إسرائيل في هذا الخيار الثاني بسبب نجاحها المزعوم في ردع حزب الله عن الهجوم مرة أخرى بعد عام 2006، والذي يرجعه الكثيرون إلى الثمن الباهظ الذي دفعه جيش الدفاع الإسرائيلي في لبنان في الصراع السابق. غير أن الربط المباشر بين قدرة إسرائيل على إلحاق الضرر والهدوء الحالي على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية أمر مشكوك فيه. فهناك مشكلتان رئيسيتان بهذا الخصوص هما: أولاً، الردع ليس علماً دقيقاً والفاعلون ليسوا دائماً عقلانيين (ولا سيما أولئك الذين لديهم أيديولوجيات دينية متطرفة). ثانياً، لا يعتمد الردع على القدرة على إلحاق أقصى قدر من الضرر بالخصم فقط، ولكن كيف ينظر الخصم إلى آفاقه على المدى الطويل. على سبيل المثال، إذا كان حزب الله يتوقع أن يكون تراجعه مقارنة مع إسرائيل لأي سبب من الأسباب، والتي لا تتعلق بالضرورة بإسرائيل مباشرة، فمن الممكن أن لا يكون التهديد بالقوة الإسرائيلية الساحقة كافياً لمنع اندلاع أعمال عدائية. وإذا قررت إسرائيل الاعتماد على قدرتها على ردع حزب الله، فإن فشل هذه الاستراتيجية سيضع جيش الدفاع الإسرائيلي في مواجهة عدو أكثر قدرة براً وبحراً وجواً.

يبدو أن إسرائيل استنفدت أساليبها منخفضة المخاطر لوقف جهود حزب الله وإيران لإنتاج أسلحة متطورة في لبنان، وهي تواجه الآن خياراً: الردع أو الاستباق. ومن شأن الاعتماد على فكرة الردع غير الكاملة وغير المؤكدة أن ينطوي على مخاطر غير مقبولة من المرجح أن تزداد أضعافاً مضاعفة بمرور الزمن. وبدلاً من ذلك، يجب على إسرائيل أن تختار ضربة دقيقة ضد منشآت إنتاج حزب الله، في حين توضح في الوقت نفسه أنها مستعدة للحرب على نطاق أوسع، ولكنها لا تسعى إلى ذلك. وعلى الرغم من أن للضربة المستهدفة تكاليف أولية، ولا تضمن أن حزب الله لن يعيد بناء مرافق إنتاجه، فإن التردد في القيام بذلك من المرجح أن يكون له ثمن أكبر في الصراع المقبل، ويمكن أن يترك إسرائيل في وضع ضعيف لحماية مصالحها في المستقبل.

المصدر: ناشيونال إنترست

الكاتب:  آري هايستاين (المساعد الخاص لمدير معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل(

الرابط: http://nationalinterest.org/feature/israel-preparing-strike-hezbollah-22953?page=3

ضع تعليقاَ