أبريل 26, 2024

معهد الشرق الأوسط: العلاقاتُ الصينية-الجزائرية .. هل يَسِيرُ البلدان في طريقِ تجسيدِ قُدراتِهما الكاملة؟

إعداد: جون كَلابريسي

ترجمة وتحرير: جلال خشيب

 

عبرَ العقدين الماضين، تَدفّق عشرات الآلاف من العمّال الصينيين إلى الجزائر، وقد ظهرت مدينةٌ صينيةٌ في حيّ بوشاكي، وهي فرع من منطقة باب الزوّار إحدى الضواحي الشرقية للعاصمة الجزائر. وبالرغم من أنّ الحيّ الصيني ليس مُعَلَمًا -بنمطِ عمرانٍ صينيٍ- على غرار بوابة المعابد الصينية ذاتِ الأقواس الثلاث أو تلك المزيّنة بالفوانيس الحمراء، وهي علاماتٌ واضحةٌ أخرى لنقاطِ التواجد الصيني الكبير والمتنامي في مشهد العاصمة تُضاف إلى دار الأوبيرا هناك في منطقة ولاد فايت، والتّي فتحت أبوابها شهر يوليو/جويلية 2016، وقد قُدّمت كهديّةٍ من بيجين للجزائر كلّفت نحوَ 40 مليون دولار. في هذا الوقت، ينشغلُ فريقُ الإنشاء الصيني بالعمل على بناء مسجد “جامع الجزائر”، والذّي يتميّزُ بحيازته على أطول منارةٍ في القارة الإفريقية.

في الواقع، فقد تَوسّعت البصمة الصينية في الجزائر منذ سنة 2001، أكثرَ ممّا هي عليه في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية. في سنة 2014، إرتقت العلاقات الثنائية الصينية-الجزائرية إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”، وقد عرفت تناميًا ملحوظًا منذ ذلك الوقت. يُناقش هذا المقال جذور، مستوى، نطاق وحدود إزدهار العلاقات الصينية-الجزائرية.

جذور العلاقات:

يُعتبَر النُمو المُطرد للوجود الصيني في المغرب –الكبير- إنعكاسًا للتحوّلات النسبية الأخيرة للقدرات الصينية، المكانة والتطلّعات. إلاّ أنّ أُسُسَ العلاقات الحميمية والمُثمِرة بين جمهورية الصين الشعبية (PRC) والجزائر تعود لستّة عقودٍ ماضيةٍ.

لقد كانت جمهورية الصين الشعبية داعمًا مبكّرًا ومتحمّسًا لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية (FLN)، فحينما أعلنت الجبهة عن الحكومة الجزائرية المؤقتّة شهر ديسمبر 1958، كانت الصين أوّل بلدٍ غيرِ عربيٍ إعترف بها. في ذلك الوقت، إعتبر ماو تسيتونغ إفريقيا فاعلاً مهمًّا جديدًا في السياسة العالمية. ومثلمَا كتبَ أحدُ الباحثين: “تنظرُ بكين (بيجين) إلى جبهة التحرير الوطنية (FLN) على إعتبار أنّها حركةٌ متقدّمةٌ في مواجهة الإستعمار، إذْ سَعتْ إلى تشكيلها على غرار حركة فيت-مينه في الهند الصينية، بإعتبارها أداةً لإستراتيجيةٍ ثوريةٍ ضدّ فرنسا والغرب عمومًا”.

لم يَنظر الصينيون للجزائر على أنّها محورُ الصراع ضدّ الكولونيالية والإمبريالية في إفريقيا وحسب، ولكن أيضًا نظروا إليها بإعتبارها وسيلةً لتحقيق إدّعاءاتهم الثورية-الإيديولوجية، ولاحقًأ تمَّ النظرُ إليها بإعتبارها جائزةً في سياقِ التنافس الشيوعي البينيِ مع الإتحاد السوفياتي. لكن إلى اليوم، يتّمُ الإعلان عن الصياغة الخِطابية لنوايا ونشاطات بيجين في الجزائر وإفريقيا عمومًا بأنّها “أخوّةٌ متخيّلةٌ مع البلدان النامية المتصارعة والمناوئة للإستعمار”، وتصوّرُ الصين بإعتبارها الفاعل الدولي الوحيد غير الإستغلالي لها. لهذا قيلَ بأنّ تأييد بيجين لجبهة التحرير الوطني الجزائرية كان نابعًا من إعتباراتٍ سياسيةٍ عمليةٍ. لقد سعت بيجين إلى الإستفادة من مشاريع المساعدة في الجزائر وفي أماكن أخرى من العالم النامي لأجل تحصيل تأييدٍ منها لسياسة “صين واحدة” وتدعيم مطالبها لتمثيل الصين في الأمم المتحدة.

بين سنتي 1958 و1962، وَفّرت الصين مساعدةً عسكريةً لجيش التحرير الوطني (أصولٌ، معدّاتٌ وأسلحة) وهو الجناح المُسلّح لجبهة التحرير الوطني، إلى جانب القيام بمهامٍ دبلوماسيةٍ في أماكن أخرى من إفريقيا (المغرب الأقصى وغينيا مثلاً)، جاعلةً نفسها نقطة عبورٍ لنشاطاتِ هذه الدول. بعدما فازت الجزائر بإستقلالها سنة 1962، وفرّت الصين أشكالاً عديدةً من الدعم المادي: التبرّع بشَحَناتٍ من القمح، الحديد، مُعدّاتٍ مدرسيةٍ، سفينةُ شحنٍ بقدر 13 ألف طن، أربعُ طائراتِ نقلٍ، مُنفقةً حوالي 50 مليون دولارٍ كقرضٍ مخفّضِ الفائدة، إضافةً لإرسال فريقٍ طبيِ وإمداداتٍ طبيّةٍ لأخرى.

أثناءَ فترة الستينيات، صارت الصين منخرطةً في إفريقيا بشكلٍ تدريجيٍ، مع قيام الجزائر بدور الجسر الأساسي للمساعدة المُقدَمة لحركات التحرّرِ الوطنية في القارة الإفريقية. على الجبهة السياسية، نَسّقَت كلٌّ من الصين والجزائر جُهودهما بشكلٍ مقرّبٍ في الأمم المتحدة في قضايَا تترواحُ ما بين الصراع العربي-الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. اليوم، تُواجهُ الصين عددًا من التحدّيات والقيود في تطوير علاقاتها مع الجزائر. وأثناء توفيرها المساعدات لجزائرِ ما بعد الإستقلال، وجدتْ الصين نفسها متفوّقةً على كلٍّ من الإتحاد السوفياتي والغرب، مُتجاوزةً لَهُما. بعدها عرفت علاقات الصين بالجزائر توتّرًا مع زيادة الحكومة الثورية الجديدة تعاونها مع الإتحاد السوفياتي، في الحقيقة، صارت السياسة –المتّبعة- تجاه الجزائر مصدرًا للإختلاف الصيني-السوفياتي، في الوقت الذّي عقّد فيه التنافس المكثّفُ بين موسكو وبيجين، في مقابل ذلك، علاقات الصين بالجزائر، التّي هدفت إلى النهوض قُدمًا بأجندتها الطموحة، فسعتْ إلى تعزيز التضامن في العالم الثالث.

أثناء المرحلة الراديكالية الأولى للثورة الثقافية (1967-1971) والتّي أنتجت إضطراباتٍ داخليةٍ مُكثّفةٍ، قامت الصين بتقليص نشاطاتها في إفريقيا وآسيا. بعد ذلك، شرعت الصين في بذلِ جهودٍ لإحياء سياستها الخارجية، لكن مُركزّةً هذه المرّة إهتمامهَا الأكبر على برامج مساعداتها الواسعة في الجنوب الإفريقي بدلاً من المغرب (شمال إفريقيا). أثناءَ فترة الثمانينيات، إتبّعَ الإقتصاد الصيني والجزائري مساراتٍ مختلفةٍ بوضوح. عجلّت الإصلاحات التّي بدأها دنغ كيسياوبينغ سنة 1978، من إنفتاح الصين على الأسواق العالمية، وفي غضون فترةٍ تقلُ عن العقد، تمّ تحويل البلد إلى مركزِ قوّةٍ للتصنيع. في المقابل، عرف الإقتصادُ الجزائري تدهورًا ملحوظًا مُتأثّرًا بشكلٍ سيءٍ بإنهيار أسعارِ النفط وسقوط قيمة الدولار. إتسّمت سنواتُ التسعينيات بأزماتٍ إقتصاديةٍ وسياسيةٍ حادةٍ أفسحت المجال لفترةٍ ممتدّةٍ من الصراع الوحشي. خلال هذا “العقد المظلم”، نُقلَ بأنّ الصين قد باعت للجزائر سلاحًا بقيمة 100 مليون دولار، وذلك بالرغم من بقاء العلاقات التجارية بين البلدين، في نواحي أخرى، علاقاتٍ سطحيةٍ إلى حدّ ما.

تجديدُ الشراكة:

مُنذ مطلع الألفيّة الجديدة، ساهمت التطوّرات الداخلية في الجزائر إلى حدٍّ كبيرٍ في تشكيل وتيرةِ وسماتِ التطوّر في العلاقات الثنائية بين البلدين. ومع عودةِ الأمن والإستقرار إلى البلد وتدفّق النقدِ القادم من عائدات النفط، قامت الحكومة الجزائرية بسنّ مُبادرتيْن سياسيتيْن –خُطّة الدعم الإقتصادي والإنعاش (PSRE: 2001-2004) وبرنامج دعم النمو التكاملي (PCSC: 2005-2009) واللتيْن صُمِّمتا لأجل تنشيط وتنويع الإقتصاد. أبرزت المبادرتين برنامجًا واسعًا للإستثمار، مع تركيز البنى التحتية القاعدية والإسكان.

  • عقود الهندسة والبناء:

تلعبُ الصين دورًا مهمًّا في إزدهار قطاع البناء الجزائري (أنظر الشكل رقم: 1). لقد تحرّكت الشرِكات المملوكة للصين سريعًا لضمان العقود الأساسية، بدايةً بقطاع الإسكان منخفضِ التكلفة. في وقتٍ لاحقٍ، تمّ منحها عقودًا في قطاعاتٍ أخرى عديدة، مشاريع بنيةٍ تحتيةٍ أكبر، على غرار: بناء المطار الجديد بالعاصمة، الملعب الأولمبي بمدينة وهران (غرب الجزائر)، مبنى وزارة الخارجية، مبنى المحكمة الدستورية، أكبر سجن في البلاد، أكبر فنادق خمس نجوم، فضلاً عن أوّل مركزٍ تجاريٍ وطنيٍ (Mall)، توسِعت شبكة السِكة الحديدية، الطريق السيّار شرق-غرب وإنشاء خطّ أنابيبٍ مائيٍ بطول 750 كلم بيْنَ منطقة عين صالح وتامنراست (بصحراء الجزائر الكبرى). حظيت الشرِكات الصينية مؤخرًّا أيضًا بنجاحٍ في قطاع الطاقة.

image1
الشكل رقم 1: عدد عقود البناء الصينية بالجزائر بين سنتي 1998-2015 Source: China Africa Research Initiative CARI))   http://www.sais-cari.org/s/Uploaded_ContractData-nnc5.xlsx
  • التجارة البينية:

مع مطلع الألفية الجديدة، كانت حصّة الصين من التجارة الخارجية للجزائر ضئيلةً ومتواضعةً، لكن بعدها تنامت قيمةُ التجارة الصينية-الجزائرية بشكلٍ دراماتيكيٍ (أنظر الشكل رقم: 2). صارت الجزائر بمثابة السوق الأكبر للصين في المغرب الكبير. في نفس الوقت، تجاوزت الصين فرنسا بإعتبارها المصدرَ الأكبر للواردات. يتّمُ تسويةُ المُعاملات –المالية- بين الجزائر والصين باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي.

image2
الشكل رقم 2: التجارة الثنائية بين الصين والجزائر بين سنتي 1992-2016 (Source: U.N. Comtrade Database) https://comtrade.un.org/data/

تَستحقُ العديد من ملامح التجارة الثنائية بين الجزائر والصين تسليطَ الضوء عليها حقًّا. أولاًّ، هناك عدمُ توازنٍ تجاريٍ كبيرٍ، مع تسجيل الجزائر لعجزٍ كبيرٍ. ثانيًا، على غرار طبيعة مكوّن التجارة القائمة بين الصين والعديد من البلدان النامية الأخرى الغنيّة بالنفط (وإن لم يُظهرها الشكل رقم: 1)، يُهيمن النفط الخام والمنتجات البترولية على واردات الصين من الجزائر، في حين تتكوّنُ صادرات الصين إلى الجزائر في أغلبها حصريًا من سلعٍ مُصنّعةٍ. ثالثًا: بلغ عهدُ “تُجّار الحقيبة”، حقيقةً، نهايته، كما إنتشرت شرِكاتُ الإستيراد والتصدير مدعومةً بوصول التُجار الصينيين الذّين تكيّفو مع السوق الجزائرية وصاروا راسخين بقوّة في البلاد.

  • مشروع الإستثمار المُشترك:

عبرَ الأعوام الماضية العديدة، عرفت نشاطات مشاريع الإستثمار الصينية بالجزائر تنوّعًا  متناميًا مُتراوحةً بين إستثماراتٍ في قطاع التعدين وإنتاج الإسمنت إلى مشاريع السكك الحديدية وتصنيع المعدّات والصناعات البترولية. إلاّ أنّ الشركات الصينية سَعت إلى الإستفادة من فرص الإستثمار بالجزائر وعرفت تَطورًّا بشكلٍ سلسٍ وغير مُعقّد. سَعت الشركات الحكومية الصينية إلى إرساء موطئ قدمٍ لها في قطاع النفط الجزائري منذ القيود التّي خفّفتْ على الإستثمار الخارجي أواخر التسعينيات. في شهر أكتوبر 2002، تحقّقَ الاختراقُ والتقدّم الأوّل، حينما إنضمت شركة (SINOPEC) الصينية إلى الشركة الوطنية الجزائرية للنفط سوناطراك لأجل تطوير حقل زازيتين النفطي. في العام الموالي، قامت الشركة الصينية الوطنية للتنقيب عن النفط والتنمية (CNOPEC)، ببناء مصفاة (معمل تكرير) في ولاية أدرار (بصحراء الجزائر) بقيمة 350 مليون دولار، مع ذلك، إستمرت الشرِكات الغربية في الهيمنة على المشهد، متمسّكةً بأكثر من ثلاثة أرباع المناطق المتوقّع وجودُ نفط فيها. يُعتبر مجالُ صناعة السيارات والعربات التجارية بمثابة المجال الثاني الذّي تسعى الشرِكات الصينية للإستثمار فيه، إلاّ أنّها واجهت حواجزًا في ذلك. في الأعوام الأخيرة، عرفت الصين تناميًا بإعتبارها مركزًا لصناعة السيارات، كما صارت الجزائر بإعتبراها سوقًا مُربحةً للصادرات. في الحقيقة، صَدّرت الصين إلى الجزائر سنتيْ 2012 و2013 عددَ سياراتٍ أكثر من أيّ بلدٍ آخر.

إستجابةً لعلامات الطلب القويّة، إنتلقت الشركات الصينية من مُعاملة الجزائر بإعتبارها وِجهةً مستهدفةً ببساطة إلى محاولة إنشاء مواقع إنتاجٍ يُمكن إستخدامها كمنصّاتٍ للوصول إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية. في سنة 2008، دخلت الصين والجزائر حيّزَ إتفاقيةٍ لإرساء منطقةٍ إقتصاديةٍ ومنطقةِ تجارةٍ حُرّة في مدينة مستغانم –غرب الجزائر- وهي صفقةٌ تُركّز على مسألة تركيب السيارات والتّي تُشاركُ فيها كلٌّ من شركة جيانغ لينغ موتورز الصينية ومجموعة شركات جيانغ شي للفحم مع شركائهم الجزائريين تجمع معزوز. إلاّ أنّ المشروع ظلّ متوقّفًا مُنذُ سَنّ قانون المالية التكميلي سنة 2009، الذّي يطلب من المستثمرين الأجانب أن يكون لهم شركاءٌ جزائريين يَحظون بأغلبيةِ الأسهم.

في شهر يوليو/جويلية 2016، قامت شركة فاو-أفريكان للإستثمار، وهي فرعٌ للشركة الصينية فاو (Faw) (First Auto Works) بتوقيع لميثاقٍ إستثماريٍ مع مجموعة أركوفينا الجزائرية (Arcofina) لأجل بناء مصنعٍ لتركيب السيارات في تلمسان –غرب الجزائر- أكثر من ثلاث سنوات بعد الشراكة الأولى المُعلن عنها. وفي الوقت الذّي عَزت فيه بعضُ المصادر هذا التأخير إلى سياساتِ الأرض الصناعية بطيئة الحركة، إدّعتْ أُخرى بأنّ ذلك ناتجٌ عن منع إحتكارٍ إنتاجيٍ لمدّة ثلاثة سنوات لشركة رونو (الفرنسية). لقد سعت شرِكات السيارات الصينية إلى الإستفادة من أسواق السياسات الجزائرية والإقليمية مُواجهةً منافسةً مُضاعفةً ليس فقط من رونو ولكن أيضًا من شرِكاتٍ أوروبيةٍ أخرى وأيضًا شرِكاتٍ صناعيةٍ آسيويةٍ للسيارات.

ينبغي هنا تسجيلُ ذلك التحوّل الإستراتيجي في صناعة السيارات والمركبات الصينية بإتّجاه الإنتاج المحلّي، فقد كانت أمرًا مدفوعًا إليه بقوّةٍ أكثرَ من كونها –سياسةً- مُختارةً بِحُرّية. في شهر فبراير 2015، أصدرت الجزائر أمرًا تنفيذيًا طَلبَ من كلِّ المتعاملين الأجانب إنشاء مصانعٍ للتركيبِ في البلاد، كجزءٍ من مجهودٍ خارجيٍ لجذبِ الإستثمارات الأجنبية وتحفيز الإنتاجِ المحلّي وبشكلٍ أكثرَ تحديدًا لأجل تقليص تَبعيةِ البلاد للعربات القادمة من الخارج وكذا تقليص فاتورة الإستيراد. الإستثمارات المُشتركة التّي تمّ إرساءها مؤخّرًا بين شركة السيارات الصينية (Anhui Jiamghuai) (JAC) وشركة (Emin Auto) الجزائرية لأجل بناء مصنع تركيب الشاحنات خفيفة الحمولة في مدينة عين تيموشنت. أيضًا، كانت هناك شَراكةٌ أخرى بين شركة (Foton Automaker) الصينية ومُتعامل السيارات الجزائري (KIV) لبناء مصنعِ تركيب سياراتٍ وشاحناتٍ في مدينة عنابة –شرق الجزائر- وأيضًا إستثماراتٍ مشتركةٍ تمّ توقيعها بين الجزائر وشَرِكاتٍ مثل (Volkswagan and Hyundai) وغيرها من شرِكات السيارات العالمية وكُلّها وجب عليها أن تُأكّد هذا الشرط الذّي تضعهُ الجزائر.

  • التجارةُ العسكرية:

تَعكس التطوّرات الأخيرة للتجارة العسكرية الصينية-الجزائرية تَغيُّرات على مستوى طَرفيْ “مُعادلة المُزوّد-المُشتري”. يُعتبرُ صعودُ الصين، بإعتبارها ثالث أكبر مُصدّرٍ للسلاح في العالم، إحدى أبرز ملامح خريطة السلاح العالمية الجديدة. لنكون متأكدّين من ذلك، لا تزالُ الصين تُمثّلُ 2،6% من صادرات السلاح العالمية ما بين سنتيْ 2012 و2016، مباشرةً بعد كلٍّ من الولايات المتحدة وروسيا، ثاني أكبر مصدرِي السلاح في العالم. على الرغم من ذلك، ففي السنوات الأخيرة شرعت الصين في توفير وإتاحة معدّاتٍ أكثرَ تقدّمًا مُحقّقةً تقدمًا في الأسواق المُهيمن علينا من طرف الولايات المتحدة وروسيا، وأيضًا فرنسا، ألمانيا والمملكة المتحدة. لقد صارت الجزائر أوّلَ مُشترِي للسلاح الصيني في إفريقيا. بالرغم من إستمرار روسيا بإعتبارها المُوفِّر الأساسي للسلاح الثقليل الجزائري، فقد تمكّنت الصين من إختراق السوق الجزائرية بالعديد من أصناف الأسلحة. في شهر مايو 2017، أظهرَ الجيش الجزائري علنًا صورًا لمدافع هاوتز ذاتية الدفع (LZ45 155 MM) وهي صينية الصنع (تسليمها سنة 2014) وقد تمّ إستخدامها في تدريباتٍ تكتيكيةٍ. ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، طلبت الجزائر خلال السنوات الخمس الأخيرة من الصين أيضًا 50 صاروخا مضادًا للسفن من نوع (C-802/CSS-N-8)، تضّم صواريخ أرض جو من نوع (FM90) أيضًا. في شهر يوليو/جويلية 2017، تسلّمت البحريّة الجزائرية ثالث وآخر دفعةٍ من سفينة (C28A Corvette) والتّي تمّ طلبها من الصين شهر مارس 2012.

  • المهاجرون، التجار والإداريون:

مع حلول سنة 2009، بلغ عدد العمّال الصينيين في الجزائر حوالي 50 ألف عاملٍ، جاعلين من الجزائر البلد الأوّل المُستقبل لأكبرِ جاليةٍ صينيةٍ في شمال إفريقيا وأحد أكبر البلدان المُستقبلة لها في كامل القارة الإفريقية. إلاّ أنّه منذ ذلك الحين حدثت العديد من التغيُّرات الجديرة بالتسجيل. أوّلاً، عادَ عددٌ كبيرٌ من الصينيين إلى الديار بعدما جاءوا إلى الجزائر أثناء مرحلة الذروة في بناء البلاد، وذلك بسبب إنتهاء عقودهم وإنتهاء صلاحية عملهم المؤقّت هناك. أيضًا، قامت السلطات الجزائرية بالحدِّ من تدفّق العمّال الصينيين من خلال إصدار تأشيرات عملٍ محدودةِ المدّة، تمتدُ إلى غاية ثلاثة أشهرٍ، وفرضِ حصّةٍ بنسبة 20% من العمّال الجزائريين في مشاريع البناء الصينية. في سنة 2014، تمّ وضعُ تقديرٍ من طرف المكتب الوطني الصيني للإحصاء قدّرَ عدد العمّال الصينيين بالجزائر بحوالي 71.452 عاملاً. ووفقًا لوزير الخارجية الجزائري –السابق- رمطان لعمامرة، فإنّ الجزائر أصدرت أكثرَ من 55 ألف تأشيرة دخولٍ لعمّالٍ وسياحٍ صينيين سنة 2015. يُصوّرُ الشكل رقم: 3 عددَ العمال الصينيين بالجزائر، بما فيهم أولئك المُخرطين في مشاريعٍ مُتعاقدٍ عليها وفي خدماتٍ عمالية.

image3
الشكل رقم 3: عدد العمال الصينيين بالجزائر ما بين 2009-2016 (Source: China Africa Research Initiative (CARI), “Chinese Workers in Africa) http://www.sais-cari.org/s/Upload_LaborData-cxbm.xlsx

بالرغم من الإختلاف الموجود في تقديرات حجم الجالية الصينية بالجزائر، فإنّه بإمكاننا إبداءُ ملاحظاتٍ عامةٍ بخصوصِ طبيعة تكوينها. أوّلاً، تُعتبرُ الجاليةُ الصينية جاليةً غيرَ منسجمةٍ بشكلٍ كبيرٍ أكثرَ ممّا يُمكن أن يُفترض، والأمر ليس متعلّقًا هنا بالعمّال المهاجرين وحسب، بل بالتجار وطاقم الإداريين أيضًا، إذ أنّ هناك أكثر من 850 شركةً صينيةً تشتغلُ الآن في مجال التجارة والإقتصاد بالجزائر. وبينما تُعتبرُ الجزائر بالنسبة لبعضهم فرصةً إقتصاديةً مؤقّتةً، فإنّها تُمثّلُ لبعضهم الآخر موطنًا دائمًا. ثانيا، تُعتبرُ الجالية الصينية بالجزائر جاليةً غير رسميةٍ وغير مرئيةٍ على الفور. ثالثا، هناك حالاتٌ قليلةٌ للعداء والعنف بين العمّال الصينيين المُهاجرين والسُكّان المحليين، منذ الشجار الكبير الذّي تمّ الإبلاغ عنهُ بحيّ باب الزوّار بالعاصمة الجزائرية سنة 2009.

  • حدودٌ جديدة، أخطارٌ مألوفة:

بالرغم من أنّ المحطّة الأخيرة لطريق الحرير القديم كانت تنتهي عند دمشق، فإنّ مبادرة “الحزام والحرير” الصينية (BRI)، تتصوّرُ توسيع طريق التجارة البحرية إلى حوض المتوسط عبر شبكة موانئٍ بحريةٍ. في شهر يناير 2016، وقّعتْ كلٌّ من وزارة النقل والمواصلات الجزائرية، شرِكة الهند الصينية هاربور (CHEC) وشرِكة هندسةِ البناء الصينية الحكومية (CSCEC) إتفاقيةً لإنشاء ميناء حاوياتٍ في المياه العميقة في منطقة الحمدانية، غرب مدينة شرشال على الساحلِ وسطَ البلاد. ومع طموح مشروع الإستثمار الذّي يبدو على المسارِ الصحيح الذّي خَطَّتْ مجموعة البنوك الصينية خطوةً مهمّةً نحو تمويله، فإنّ العلاقات الصينية-الجزائرية تكونُ قد بلغتْ مبلغًا عاليَ المستوى في هذا المجال. مع ذلك، فإنّ حقيقة إضطرارِ السُلطات الجزائرية إلى التوجُّه نحو تمويل مشاريع الإنشاء والبناء، تُشيرُ إلى وجودِ مشاكل أقلّ أهميّةٍ من خطّ المياه.

في الحقيقة، فإنّ هناك نَمطيْن من العوامل بإمكانه أن يُعيق مزيدًا من التطوّر في العلاقات الصينية-الجزائرية. يَتكوّنُ النمطُ الأوّلُ من المخاوف المتعلّقة بممارسة وأداء الشرِكات الصينية العاملة في الجزائر. يرتبطُ النمطُ الثاني بمسائلَ متعلّقةٍ بالمحيط السياسي في الجزائر وبشكلٍ أكثر توسّعًا، بالإستقرار السياسي والإجتماعي للبلاد.

لقد تمَّ حظرُ البائعين الصينيين المتنافسين على الدخول للسوق في قطاع الإتصالات مؤقّتًا من تقديم عقودٍ عامةٍ بعد أن تمّ توجيهُ تُهمِ فساد لمدرائهم التنفيذيين. إنّ حالاتِ العمل الزائفة، الرشوة والمِلكية غير الشرعية، غيابُ مواعيدٍ نهائيةٍ للمشروع، فضلاً عن التأخيرات في دفع أجور العمال والمتعاقدين الفرعيين الجزائريين، أدّتْ جميعها إلى الإضرار بسُمعة بعض الشَرِكات الصينية على الأقلّ. في الوقت نفسه، تعرّضت الحكومة الجزائرية لضغوطٍ من إتحاداتٍ عماليّةٍ وغيرهم ممّن يُحاججون بأنّ الوجودَ الصيني المتنامي في البلاد صارَ لهُ تأثيرٌ معتبرٌ على حالة البطالة المحليّة.

مع ذلك وقبل كلّ شيء، فإنّ المناخ الإقتصادي والسياسي الراهن في الجزائر يُهدّدُ بإعاقة تطوّر العلاقات الثنائية -بين البلدين- من دونِ ذكر نموّها الذاتي وربّما إستقرارها أيضًا بشكلٍ كبيرٍ. وعلى الرغم من تجاوز الحكومة الجزائرية لإنتفاضات الربيع العربي سنة 2011، عبر الإنفاق الضخم على الأجور والإعانات، بفضل عائدات النفط المكتسبة بشكلٍ غيرِ متوّقعٍ، وإن كان ذلك في نهاية المطاف على حساب إستنفاذ صندوق تنظيم الإرادات (أي صندوق الثروة السيادية)، فإنّ الإقتصاد –الجزائري- يُكافحُ في الوقت الحالي.

يَستمرُ الإقتصاد الجزائري في الخضوع لهيمنة الدولة، كما يبقى مُعتمدًا بقوّة على الصادرات الهيدروكاربونية. إحتلت الجزائر المرتبة 156 من بين 190 بلدًا من حيث سهولة مُمارسة الأعمال التجارية، وذلك فيما أورده تقرير البنك الدولي  سنة 2017 عن مُمارسة أنشطة الأعمال التجارية. من جهته، أكدّ صندوقُ النقد الدولي في تقييمه لشهر مايو 2016، بأنّ هناك حاجةً لإصلاحاتٍ بنيويةٍ واسعةِ النطاق لأجل تنويع الإقتصاد وتعزيز القطاع الخاص المُفعم بالحيويّة والحركة. في نفس الشهر، تبنّت الحكومة الجزائرية إستراتيجيةً إقتصاديةً ذات ثلاث سنواتٍ سُميّت “بنموذج النمو الجديد”، والذّي يهدف، من بين العديد من الأشياء، إلى مضاعفة إسهام الصناعة إلى نسبة تُقدّر ب 10% من إجمالي الدخل المحلي بحلول سنة 2030، كما يهدف أيضًا إلى تنويع الصادرات.

لكن في هذه الأثناء، فقد أدّى إستمرارُ ضُعف أسعار النفط إلى كبح النشاط الإقتصادي، وإستجابةً لإنخفاض عائدات الطاقة، شَرَعت الحكومة الجزائرية بشكلٍ بطيءٍ في تنفيذ سياساتِ تقشّفٍ ماليٍ على غرار تجميد مؤسّسات في القطاع العام، مشاريع التوظيف والإستثمار في البنية التحتيّة، لكن قد يؤدّي ذلك إلى ثني الفُرص، بالنسبة للشرِكات الصينية، وإلى رفع خطر الإضطرابات وغيرها من أشكالِ الغليان المدني.

في نهاية المطاف، سوف تَرتبطُ آفاق النمو الإقتصادي بالوضع السياسي للجزائر، والذّي يُعتبر في ذاته وضعًا غير يقينيٍ. في يوم 15 أغسطس 2017، قدّمَ الرئيس الجزائري -المريض ذي الثمانين سنة- عبد العزيز بوتفليقة إستقالة رئيس الوزراء عبد المجيد تبّون والذّي تولّى مهمّته لمدّةٍ لا تزيدُ عن ثلاثة أشهرٍ، مُعوّضًا إيّاهُ بأحمد أويحيى –وهو سياسي موالي يخدمُ ولايته الرابعة بهذه الصفة- وفي التعديلٍ الوزاري الذّي أعقب ذلك، تمَّ إبعادُ العديد من الوزراء الإصلاحيين من مناصبهم، الأمر الذّي يُثير تسائلاً حول إلتزام الحكومة بإعادةِ هيكلة الإقتصاد ومعالجة الفساد. هناك مؤشّرٌ ضئيلٌ يقول بأنّ النُخبة العسكرية السياسية والإقتصادية المعروفة جميعًا بالسلطة (Le Pouvoir) تقومُ بالتحضير للتخلّي عن سيطرتها على الإقتصاد السياسي للبلاد. إذا لم تُقدِم –هذه النُخبة- على ذلك، فمن المُمكن أن تدخلَ الجزائر في نفقٍ مظلمٍ. إذن، إذا لم يفعلوا ذلك، وإلى أن يفعلوه، فمن المرجّح أن تستمرَ الجزائر في الرُكود، أمّا العلاقات الصينية-الجزائرية، فسوف تكون أبعدَ عن –حُلمِ- تجسيدِ إمكانياتها الكاملة.

رابط وعنوان الدراسة بلغتها الأصلية:

John Calabrese, Sino-Algerian Relations: On a Path to Realizing Their Full Potential? Middle East Institute, American University, Oct 31, 2017, USA.

https://goo.gl/w7Jfb6

____________________________________________________________

جون كَلابريسس: أستاذ مُساعد ومدير مشروع الشرق الأوسط-آسيا، بمعهد الشرق الأوسط-الجامعة الأمريكية.

جلال خشيب: باحث بمركز إدراك للدراسات والاستشارات، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية. له العديد من الكتب، الترجمات، المقالات والدراسات الأكاديمية المنشورة.

 

ضع تعليقاَ

1 comment