أبريل 26, 2024

الأوردن مونديال: تاريخ الحرب حلقة مغيبة تماماً من الذاكرة اللبنانية

نشر موقع “الأوردن مونديال” الإسباني المختص في الدراسات الدولية، تقريراً للكاتبة ألبا سيرانو، بتاريخ 11 تموز/يوليو، تحدثت فيه عن الحرب في لبنان التي تركت أثراً عميقاً في المجتمع. في المقابل تشهد البلاد نزعة لجعل الحرب موضوعاً محرماً لا يمكن التطرق إليه.

وقالت الكاتبة إن لبنان بلد تشوبه العديد من التعقيدات، في حين يقدر عدد سكانه بنحو ستة ملايين شخص فقط. ويعرف هذا البلد بتاريخه فيما يتعلق باستقبال اللاجئين والمهاجرين والنازحين، القادمين من مختلف البلدان. ومن بين المجتمعات التي توافدت على لبنان، خلال السنوات الأخيرة، نذكر الأرمنيين والسوريين والأكراد والفلسطينيين. فضلاً عن ذلك تتعايش على الأراضي اللبنانية نحو 18 طائفة دينية.

وبينت الكاتبة أن هذا المزيج من المجتمعات يعد خاصية فريدة من نوعها للبنان. ومن المثير للاهتمام أن هذه الميزة لم تتأثر ببقية الأحداث الأخرى التي شهدتها البلاد، خاصة الحرب الأخيرة التي دامت نحو 15 سنة. من جانب آخر تعد هذه السمة خاصية أساسية في صلب المجتمع اللبناني، حيث تعمل على تحديد وتيرة التطور والأجندة السياسية للشعب.

وأضافت الكاتبة أن حرب لبنان (1975 ـ 1990) التي دامت 15 سنة، قد حددت ملامح البلاد في الوقت الحالي. وأن العديد من الأسباب المختلفة وقفت وراء اندلاع تلك الحرب؛ من بينها الميثاق الوطني لسنة 1943، الذي وزع السلطة في البلاد بين الطوائف المختلفة، وهو ما نتج عنه تمثيل أكثر للمسيحيين على حساب المسلمين، في الحكومة. وفي أوائل سنة 1970 تنامت التوترات في لبنان؛ نتيجة لمطالبة المسلمين بقيادة إصلاح يفضي إلى توزيع جديد للسلطة يكون أكثر عدلاً، مع الأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية.

وأوردت الكاتبة أن من الأسباب الأخرى التي أدت إلى اشتعال فتيل الحرب اللبنانية، الحضور المتزايد لمنظمة التحرير الفلسطينية على الأراضي اللبنانية، فضلاً عن الأهمية التي تكتسيها؛ ممَّا ساهم في انقسام النخبة السياسية في البلاد. وفي الواقع كانت هذه النخبة منقسمة بين تأييد القضية الفلسطينية، والخوف من أن يتحول وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان إلى ذريعة تبرر دخول إسرائيل لأراضيه.

وبينت الكاتبة أنه في إطار الحرب يمكن التمييز بين مجموعتين مختلفتين. وتتمثل المجموعة الأولى في التحالف المسيحي ذي التوجه اليميني، الذي كونته الجبهة اللبنانية، والذي يقوده حزب الكتائب اللبنانية. أما المجموعة الثانية فتضم التحالف الإسلامي ذي التوجه اليساري، بقيادة الحركة الوطنية اللبنانية، الممثلة من قبل الحزب التقدمي الاشتراكي.

وبينما تؤمن المجموعة الأولى بأن الحركة الفلسطينية تمثل تهديداً على الوضع الراهن للبلاد والتقارب اللبناني الغربي؛ تدعم المجموعة الثانية هذه الحركة، وترى من خلالها فرصة لمواءمة  لبنان مع  الهوية العربية.

وأضافت الكاتبة أن من بين الصراعات الداخلية الأخرى التي شهدها لبنان، التدخل السوري والإسرائيلي في البلاد، ما ساهم تبعاً في تمديد فترة عدم الاستقرار، وسنوات الحرب. وفي نهاية المطاف انتهت الحرب “باتفاق الطائف” الذي جلب في جعبته جملة من الإصلاحات السياسية. كما عادت العلاقة بين سوريا ولبنان إلى نصابها، علماً أن الهدف من هذه التسوية يتمثل في انسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية.

ومن المثير للاهتمام أن اتفاق الطائف أعاد تقسيم السلطة من جديد في لبنان بين الطوائف الثلاث المهيمنة؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى تأجيج  الانقسامات الطائفية مرة أخرى في البلاد. فضلاً عن ذلك انتهت الحرب في لبنان بتسليم السلطة إلى العديد من القادة العسكريين الذين ارتكبوا جرائم فظيعة خلال الحرب، على غرار إيلي حبيقة.

في المقابل، وعلى الرغم من انتهاء الحرب بعودة العلاقات مع سوريا، إلا أن ذلك لم يساهم في إيجاد حل لمستقبل التوجهات اللبنانية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومخيمات اللجوء. فضلاً عن ذلك لم يتمكن لبنان من رسم خطة لوضع حد للاحتلال الإسرائيلي.

من جانب آخر أشارت الكاتبة إلى أن الحرب أصبحت حلقة منسية من الذاكرة اللبنانية، كما لا زالت الحقيقة والمصالحة، على حد سواء، غائبتين في أرجاء البلاد. وفي الأثناء لا بد أن يشعر الشعب اللبناني بأن هناك عدلاً على مستوى مؤسسات البلاد، فضلاً عن أنه في حاجة ماسة إلى معرفة كل الحقائق حول الصراع الذي شهدته البلاد سابقاً. علاوة على ذلك، ينبغي أن يشعر الشعب اللبناني بأن الحكومة في طريقها إلى قيادة إصلاحات؛ من أجل تطوير البلاد ودعم وحدتها.

وفي الواقع لا تزال الحقيقة في لبنان مغيبة تماماً، كما لم تتمكن البلاد من تحقيق العدل لشعبها في جميع المجالات. فضلاً عن ذلك بذلت الحكومة اللبنانية قصارى جهدها بهدف إسكات الأصوات التي تتطرق إلى أطوار الحرب التي شهدها لبنان، من خلال اتباعها ما يسمى “بسياسة النسيان”. ويتجلى ذلك من خلال غياب أي نوع من النقاشات حول الحرب، حيث تحول هذا الموضوع إلى أمر مغيب تماماً من الإطار المؤسساتي للبلاد.

من جانب آخر حظي  مرتكبو الجرائم في الحرب اللبنانية على عفو، بعد سنتين فقط من انتهاء الحرب؛ ونتيجة لذلك وصلت العديد من الجهات المؤثرة في حيثيات الحرب إلى دواليب السلطة في البلاد. وقامت هذه الشخصيات بعرقلة أي محاولة لإظهار الحقيقة، بأي ثمن كان؛ وذلك مخافة أن يكتشف الشعب اللبناني تورطهم في الجرائم التي سيتم إثباتها.

من المهم بالنسبة للمجتمعات التي عاشت حروباً خلق ذاكرة جماعية ورواية مشتركة، وفقاً لما أكدته الكاتبة. في المقابل وفي حال شهد أحد البلدان حرباً أهلية عادة ما يزداد الأمر تعقيداً، خاصة عند اختلاف الروايات وتعددها حول تفاصيل الصراع وأطواره. عموماً شكل هذا العامل مشكلة كبرى بالنسبة للبنان الذي عجز، بعد مرور 25 سنة منذ نهاية الحرب، عن تشكيل رواية تاريخية موحدة وموضوعية، حول ما عايشه آنذاك. على العموم من المرجح أن عواقب هذه الثغرة من شأنها أن تؤثر على المواطنين الذين عاشوا الحرب والأجيال التي تلت مرحلة الحرب على حد سواء.

وتجدر الإشارة إلى أن الأجيال الحالية في لبنان لا تملك نظرة موضوعية حول الصراع الذي سبق عصرها، في حين أنه لا يزال مؤثراً في المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن المثير للدهشة أن تاريخ الحرب لا يدرّس في المدارس اللبنانية.

المصدر: الأوردن مونديال

الرابط: http://elordenmundial.com/2017/07/11/la-amnesia-del-libano/

ضع تعليقاَ